أثبتت التجارب علي مر سنين المواجهة المتعاقبة بين المقاومة الفلسطينية والعربية مع الاحتلال الإسرائيلي، أنه يتوقف لأخذ العبرة والتعلم من هذه المواجهة وليس لتأريخها فقط، بل لتطوير الوسائل المستخدمة في مجابهة المقاومة ومحاولة الحد من تاثيرها والتنبؤ بخطواتها المقبلة.
وقد اعتمد الاحتلال في السابق على العملاء كمصدرٍ أساسي لجمع المعلومات وتركيز الجهد الاستخباري في مطاردة المقاومين، ومنفذي العمليات الفدائية للحد من تأثيرهم على ساحة المواجهة سواء بالاغتيال أو الأسر او كي الوعي الفلسطيني بأسطورة الاختراق المطلق وقد طور الاحتلال، من وسائل جمعه للمعلومات مستخدماً التكنولوجيا التي بتطورها جعلت الوصول للكثير من الخلايا المقاومة سهلاً نوعا ما، وقلّل بعض الشيء من دور العملاء على الأرض لكنه لم يلغ دورهم الأساسي.
وقد برع الاحتلال في إنتاج البرمجيات التي تعمل على جمع المعلومات وفرزها وتصنيفها عبر محركات بحث ضخمة وسيرڤرات متخصصة، لتسهيل عمليات المتابعة والرصد للمقاومين وحاضنتهم الشعبية التي كان الاحتلال يستغل التكنولوجيا للتنصت على أي استخدام لهذه الوسائل من قبل الدوائر الاجتماعية والعائلية للمقاومين أو من المقاوم نفسه، في محاولة لتتبع خط سيره وتحديد مكانه، وقد نجح الاحتلال في حالات كثيرة للوصول لمنفدي العديد من العمليات في الضفة تحديداً والأراضي المحتلة عام 48، بوقت قصير جداً وإحباط الكثير منها مما يوحي للجمهور أو المتابعين بأسطورة القدرة الكلية للاحتلال.
في سياق متصل نجح الاحتلال في إنتاج برامج اختراق عالية القدرة والتأثير، وجعل من برامج التجسس العسكرية والاستخبارية أحد ركائز الصادرات العسكرية والتكنولوجية للعالم، ومصدر دخل ونفود للكيان، واستخدم هذة البرمجيات في محاولة ايقاف عمل أجهزة الطرد المركزي في منشات إيران النووية وتدميرها داخلياً دون ترك أثر يحدد المسؤول عن هذة الهجمات.
برز الفضاء الافتراضي كساحة مواجهة واسعة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية والدول المعادية للكيان، وقد بيدو للوهلة الأولى أن الاحتلال هو صاحب اليد العليا في الجانب التكنولوجي الاستخباري، ولا قدرة لنا على مواجهته في هذا المضمار كمجتمع لعدم وجود الخبرات الكافية في هذا المجال، لكن التجارب أثبتت باعتراف الاحتلال أن هذه مبالغة، خصوصاً بعد اختراق المقاومة في غزة لحسابات عدد من الجنود، وجمع معلومات قيمة وحساسة عن مواقع الاحتلال، وأرقام وعناوين ضباط وجنود في أماكن ومنشآت حساسة، بالإضافة للكثير من الهجمات الالكترونية التي استهدفت محطات التلفزة والراديو والمواقع الرسمية لدولة الكيان،وما يزال لدينا الكثير الكثير لنتعلمه في هذا المضمار.
لكن ما الدي نستطيع فعله كأفراد ليس لدينا أية خبرات في مجال الاختراقات أو التكنولوجيا؟ وهل حقاً بمقدور أي فرد أن يؤثر في هدة المواجهة ويجعل من الصعب على الاحتلال تحديد مواقع المقاومين والوصول إليهم، ويشتت جهد الاحتلال الاستخباري ويستنزف قدراته البشرية والعسكرية ويرغمه على زج المزيد من القوة البشرية في عمليات المطاردة مما يجعل تحركه عرضة للرصد والتنبؤ من قبل المقاومة وهنا نستطيع سرد قصة عملية الاسير عمر العبد التي اتت في ظل احداث البوبات الالكترونية بعد عملية أبطال أم الفحم في باحات المسجد الأقصى الاقصى قبل شهور.
وقد كان مميزاً في هذة العملية الجريئة أنها قد وقعت في ظل ذروة استنفار الاحتلال الأمني، ووجود تحذيرات ساخنة لدى الاحتلال بنية فلسطينين القيام بعمليات تستهدف قطعان المستوطنين ومعسكرات الاحتلال في الضفة والداخل المحتليين، رداً على ما يقوم به الاحتلال في مدينة القدس والمسجد الاقصى وثاراً للشهداء الذين سقطوا في المواجهات التي تبعت إغلاق الاحتلال للمسجد الاقصى، واشتراطه فتحه أمام الفلسطينيين بتركيب البوابات الإلكترونية وفرض قيود جديدة على الدخول اليه تمهيداً لمخططه القديم الجديد بالتقسيم المكاني والزماني للمسجد، وصولا للاستيلاء الكامل عليه كما حصل في المسجد الإبراهيمي في الخليل.
وأذكر في ذاك الوقت أن الأمر بدى حتمياً لا راد له، بعد تصميم حكومة الاحتلال على الإبقاء على البوابات والكاميرات، بالإضافة للتصعيد في قمع المتظاهرين والمرابطين ،وتهاون السلطة والحالة السياسة الفلسطينية وانبطاحها، واني لأشهد أننا كنا شعباً مهزوما ًحتى قرر عمر العبد الخروج من منزله في ذلك المساء، فقد كان لعمليته البطوليه أثر الزلازال في دولة الاحتلال، فقد كان أكبر تخوفاته في ذلك الوقت وللان هو خروج الضفة الغربية عن السيطرة وانطلاق موجه عنيفة من العمليات الفردية والجماعية ضد أهدافه.
وقد استنفر الاحتلال كل طاقاته العسكرية والاستخبارية للحيلولة دون وقوع هذه العمليات، والجدير بالذكر أن الاسير عمر العبد قد كتب وصيته على صفحته الخاصة على فيسبوك قبل خروجه للمستوطنة لتنفيذ العملية بأكثر من ساعة وهي المسافة التي استغرقته مشياً على الأقدام للوصول لهدفه، في منطقة مملوءة بكمرات المراقبة والدوريات وكان بمقدور أجهزة استخبارات الاحتلال باستخدام قدراتهم بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعية الوصول اليه قبل وصوله لسياج المستوطنة وتنفيذه للعملية الفدائية.
اعترفت مخابرات الاحتلال بفشلها "بالتقاط" منفذ العملية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رغم امتلاكها للتقنيات العالية التي مكنتها في السابق من احباط الكثير من العمليات الفلسطينية، وذلك عائد لإغراق الفلسطينيين لوسائل التواصل الاجتماعي بأكثر من 600,000 تهديد مباشر وغير مباشر مما جعل من المستحيل التعامل معها جميعها لعدم وجود قدرة بشرية لتغطية كل هذة التهديدات المحتملة، وكانت صفحات التواصل الاجتماعية إبان احداِث البوابات مملوءة بالشعارات والصور والتهديدات التي أغرقت محركات رصد الاحتلال، بالانذارات التي لا يستطيع فررزها والتعامل معها والتحقق من جديتها بسبب النشاط غير الاعتيادي للفلسطينيين في تناول الوضع الميداني والتفاعل معه لكبر الحدث،
وقد أجبرت حكومة الاحتلال على إزالة البوابات الالكترونية بعد العملية بفعل صمود أهل القدس والمرابطين فيها والإرباك الذي خلفه فشل الاحتلال بضبط الحالة الميدانية في الضفة الغربية وتخوفها من خروجها عن السيطرة.
ومع الهجمة الجديدة على القدس بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب أنها عاصمة لدولة الاحتلال، ومن ثم عملية قتل المستوطن قرب نابلس قبل أسابيع، فقد استخدم الاحتلال الكاميرات والعملاء للوصول لمنفذي العملية ولكنه فشل في عمليته في مدينة جنين حين استطاع المطارد احمد جرار مباغتة قوات الاحتلال الخاصة والاشتباك معها، والانسحاب من مكان الاشتباك بسلام، وواكبنا تخبط الاحتلال وفشله المستمر في الوصول إليه بعد اقتحام قرية الكفير بحثا، ليتحول أحمد النصر لأسطورة بين أبناء شعبه في الصمود والتحدي ورفض التسليم للمحتل، وقد لاقى احتضاناً شعبياً واسعاً لم يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعية، بل خرج للميدان بالاشتباك المباشر من قبل مئات الشبان مع قوات الاحتلال في منطقة جنين وقراها التي لاتزال تحت رقابة وحصار الاحتلال الشديدين وتتعرض لاقتحامات مستمرة بشكل عشوائي.
وهنا يكمن دور الحاضنه الشعبية في حماية المقاومة بأبسط الوسائل وبأكثرها انتشاراً، فالاحتلال الان قد أدرج عدداً من الكلمات المفتاحية التي تتعلق بالمطارد أحمد نصر جرار، والتي تعمل محركات البحث وجمع المعلومات الخاصة "بالشاباك" على التقاطها حين يتم تداولها عبر مكالمات الهواتف أو الرسائل النصية وعبر المحادثات على وسائل التواصل الاجتماعية على اختلافها، مما يجعل تناول أي كلمة من الكلمات المفتاحية التي وضعتها المخابرات لمراقبة جرار، انذاراً تلتقطها هذة البرمجيات وتصنفها وتدخلها في الاف الانذارات والاشارات التي تحتاج لجهد بشري لمتابعتها والتحقق منها مما يشتت جهد الاحتلال ويصعب عملية التحقق.
فاذكروا أحمد النصر في كل يومكم، اذكروه حين تكلمون أمهاتكم أذكروه حين تكلمون حبيباتكم، وحين تكلمون زوجاتكم وتطمئنون على أبنائكم، وعندما تطلبوا الطعام وحين تتصلون بالتاكسي، اذكروه بداع او من غير داع لتساهموا في تشتيت جهد المحتل بالبحث عنه.