شبكة قدس الإخبارية

تجربة الحركة الأسيرة وإنتاج المثقف المشتبك

٢١٣

 

وائل الجاغوب

تعمل القوى والفصائل الوطنية والإسلامية داخل قلاع الأسر على إعداد المناضل على شتى الصعد، وتسعى لإنتاج المثقف المشتبك المرتبط عضوياً بالحالة النضالية المقاومة القائمة على النضال من أجل إنجاز التحرر الوطني الديمقراطي (المثقف العضوي) كما قال عنه "غرامشي"، أي الحالة الفلسطينية المؤسسة على التجربة الوطنية وتجارب الشعوب.

وتميز في هذا الجانب القوى اليسارية داخل الأسر، والعاملة على تمليك الأعضاء والكادر الفكر والوعي الثوري التغييري المبني على الاستعدادية النضالية، وإنضاج مفاهيم نضالية، وتكريس القيم من (التضحية – الإقدام -المبادرة الثورية -الإرادة الصلبة - روح الانتماء) وهذا ما جعل واقع الأسر تاريخياً أكاديمية ثورية متقدمة تنتج فكرا ووعيا ثوريا ومثقفا مشتبكا صاحب رؤية للدور المطلوب راهناً، ويعطي أولوية للممارسة المكتملة، منفتحا ومدركا لأهمية ودور الاختلاف والتنوع، ويمتلك جوانب جوهرية من فلسفة المقاومة.

إن ما ذُكر حول المثقف المشتبك ودور قلاع الأسر في إنتاج هذا المثقف الواعي، يملي علينا استحضار بعض ما قدمته قلاع الأسر من نماذج ثورية هامة أبرزهم الشهيد القائد إبراهيم الراعي الذي واجه الجلاد داخل زنازين التحقيق، وقدمّ حياته صامداً رافضاً الاعتراف بتاريخ 11/4/1988، وهو الذي أمضى سنوات داخل قلاع الأسر، وتحرر والتحق بالدراسة الأكاديمية في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس، والشهيد القائد ربحي حداد والذي لعب دوراً بارزاً في بناء الحركة الأسيرة خلال مرحلة السبعينات القرن المنصرم، حيث أنتج خلال هذه التجربة حتى تحرره عبر تبادل الأسرى عام 1985 والتحاقه بالفعل النضالي وقيادته داخل الوطن المحتل تجربة غنية تميزت بفعل نضالي وإرادة ووعي ثوري متقدم متقد وحسم للخيار، تجلت في نيسان عام 2002 حيث تمترس داخل أسوار البلدة القديمة في مدينة نابلس وواجه مع المناضلين قوات الاحتلال ببسالة حتى استشهد، والنموذج الذي قدمّه الرفيق القيادي رائد نزال المحرر عام 1999 من سجون الاحتلال، والذي أمضى أكثر من عشر سنوات متواصلة داخل الأسر، حيث تشكّل وعيه الثوري وبرز دوره كمثقف مشتبك، فقاد العمل الفدائي في مدينة قلقيلية، وواجه الاحتلال دفاعاً عن رفاقه واستشهد بتاريخ 26/4/2002، وهذا ما مارسه القائد نضال سلامة والذي أمضى سنوات داخل الأسرى وتحرر ومارس دوره الثوري واستشهد بتاريخ 29/4/2003.

هذه نماذج تمثل امتداداً طبيعياً ونضالياً تشير بمجملها إلى المهمة التي اضطلعت بها القوى الوطنية والإسلامية داخل الأسر، من عدة نواحي: منها إنتاج الوعي الثوري وتمليكه، وتنشئة المثقف المشتبك على النقد، والنجاح الذي حققه على هذا الصعيد والممثل بالدور الذي يقوم به جزء من الكادر المحرر من قلاع الأسر، والنموذج الذي يقوم في ظل أوضاع معقدة، ولعل من أبرز التجارب دور محرري صفقة 1985 داخل الأرض المحتلة بقيادة العمل الوطني، ودور العديد من قيادات الأراضي المحتلة ولعل أبرزهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات الذي أمضى في داخل سجون العدو ما يقارب الـ25 عاماً بشكل متقطع، وما زال حتى الآن داخل الأسر يقاوم، هذا الدور عكس الحالة الواعية الحاسمة للخيار والقادرة على تحديد الدور المطلوب منها، المدركة إلى أن النضال من أجل الحرية وتحقيق الحقوق استحقاق نضالي مكلف، وهذا نابع من قلب الفلسفة النضالية التي ترى بالحرية كل لا يتجزأ وترى بالأسر محطة نضالية إعدادية ومحطة مواجهة متقدمة لا يساوم خلالها على الحرية العامة بالحرية الفردية الآنية، وترى بالخيار الكفاحي المقاوم النهج الأفضل والسبيل الأسلم والخيار الأكثر فعالية وعملية لتحقيق الحقوق والظفر بالحرية، وعكست بذات الممارسة الدور والمهمة المناطة بالمناضل والمثقف الثوري.

إن تجربة الأسر يمكن القول عنها وبإنصاف بأنها الموقع الأكثر مشاركة بإعداد الأعضاء والكادر الفاعل، وهذا على مدار تاريخها؛ فالعديد من القيادات والكوادر القوى الوطنية الذين ساهموا بفعالية بحالة المقاومة تأسس وعيهم المقاوم النقدي الثوري داخل الأسر، فشّكلوا إضافة نوعية في إطار الحركة الوطنية الأسيرة، وبإطار حركة التحرر الوطني بشكل عام وهنالك العديد من الأسماء التي تستحق أن يتم توثيق ودراسة تجاربها من مناضلين مازالوا في خندق الاشتباك، ومناضلين ما زالت سيرتهم وذكراهم حاضرة، أمثال القائد عمر القاسم مانديلا فلسطين، والذي استشهد داخل سجون الاحتلال بتاريخ 4/6/1980 بعد عشرين عاماً متواصلة داخل الأسر ساهم خلالها في بناء التجربة الاعتقالية للأسرى الفلسطينيين والعرب داخل السجون الصهيونية، والشهداء محمد الخواجا ومصطفى العطاوي وأنيس دولة ومحمد حريزات وعبد القادر أبو الفحم الذين واجهوا الجلاد بأقبية التحقيق وفي سجونه.

إن مساهمة الحركة الأسيرة بإنتاج المثقف المشتبك لا تنحصر فقط باتجاه نضالي واحد بل هي متعددة ومنها دور وفعالية المثقف بالإنتاج الأدبي والسياسي والفكري والأمني عبر مقالات ودراسات وأبحاث وانتاجات أدبية، ومساهمة من داخل السجون في حالة التحرر الوطني المجتمعي بقضايا متعددة رغم محدودية الدعم والرعاية، ومساهمة المحررين أيضاً منهم.

وبهذا الإطار فإن تجربة ودور الحركة الأسيرة في المساهمة ببناء وإعداد المثقفين الثوريين تستحق الدراسة والبحث، وتجارب العديد من هؤلاء الرواد تستحق التوقف أمامها، وهذا يمكن أن يتم من خلال:

1) إعداد سجل شهداء الحركة الأسيرة ممن استشهدوا داخل السجون، والمحررين الذين اعتقلوا وتحرروا وخاضوا غمار التجربة النضالية، وتناول تجاربهم وتسجيل وتوثيق وبحث وتأسيس صندوق لدعم إصدار سلسلة ثقافية مقاومة تضم أيضاً تجارب وإنتاجات الأسرى المحررين وتوزيعها على أوسع نطاق عربي ودولي، ودعم ترجمتها إلى اللغات الأجنبية بحيث يتم نشر إنتاجات ثقافية بشكل منتظم من تراث الأسرى والمحررين وتوثيق تجاربهم.

2) العمل على إعداد مادة وثائقية مصورة حول تجارب الأسرى المحررين بالأخص الذين استشهدوا مثل ربحي حداد ورائد نزال ورائد السركي وأسامة جوابرة ونهاد الحردان ومعين المصري ونضال سلامة وصلاح طلوزة والشهيد مازن فقهاء وغيرهم العديد، وتجارب الشهداء في مواجهة الجلاد حول شهداء في أقبية التحقيق.

3) إن تجربة الشهيد باسل الأعرج والذي استحق بجدارة أن يُطلق عليه المثقف المشتبك قد سلطت الضوء على تجارب غنية لمثقفين مشتبكين وأعطت للسلاح بعداً وطنياً فلسطينياً بالضرورة أن يؤسس عليه إطلاق فعالية ثقافية وطنية توعوية باسم الشهيد باسل الأعرج في كافة أنحاء فلسطين وخارجها حول نماذج ثورية خاضها وسجلها المثقفون المشتبكون وفي مقدمتهم الشهداء الأسرى والمحررين كرافعة لثقافة المقاومة ونموذج لممارستها، ويمكن أن تكون هذه الفعالية لمدة أسبوع في كافة مناطق الاشتباك داخل فلسطين، ومن قرى مهددة وأراضي وداخل المدن وخارج فلسطين ليكون أسبوع الشهيد المثقف المشتبك باسل الأعرج.

إن نماذج المثقف المشتبك غنية ويمكن تناولها حتى تمثل رافعة نضالية مهمة، ومن المفيد أيضاً التركيز عليها وتناولها خاصة أننا في أجواء يوم الأسير الفلسطيني، ولاحقاً يوم الأسير العربي، بما يتطلب ذلك إبراز هذا البعد لتجربة الحركة الأسيرة الوطنية الأسيرة.