شبكة قدس الإخبارية

إلى غدي فرنسيس: أنتِ من لا تعرفين غزة

عروبة عثمان
من لا يعرف غزة يا غدي فرنسيس، لا يعرف أن عجوزها صاحب الستين عاماً يجرُّ عربةً لبيع الكعك من ساعات الفجر الأولى حتى غروب الشمس، فيجوب بها شوارع قطاع غزة من شماله لجنوبه، علّه يحصل على ثمن ربطة الخبز! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن كثيراً من أطفالها يحتفلون بعيدي الفطر والأضحى بقميصهم الوحيد المهترئ، فينتظرونه حتى يجف على حبل الغسيل كي يعاودوا ارتداءه من جديد! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن معظم أهلها يلازمهم الفقر المدقع في مخيماتها الثمانية الضيقة التي لم تعد تحتملهم، فهم يولدون ويكبرون ويشبّون حتى يشيبوا في بيت لا تتعدى مساحته الأربعين متراً! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن سكانها لم يشفوا بعد من آثار عدوانين ضروسين شُنّا ضدهم، ففي كل بيت هناك شهيدٌ أو اثنان أو أكثر، أو أمٌ فقدت أبناءها، أو أبناءٌ فقدوا لمسة أمهم، فباتوا يحنون لخبزها وقهوتها! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن قطرة الماء النظيفة أمل كثير من المواطنين الذين لا يبصرون أمامهم سوى مياه ملوثة، فيسقون أبناءهم منها ويصابون بأمراضٍ لا شفاء منها، لأن ببساطة ما باليد حيلة! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن جيش العاطلين عن العمل بعدده المهول يهزم العاملين فيها، فيضطر خريج الإعلام أو إدارة الأعمال للعمل كسائق تاكسي، ليدبر أموره وأمور عائلته المسئول عنها! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين يصطفون في طوابير تصل إلى آخر الشارع في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، فيتزاحمون وينتظرون ساعات طويلة ليحصلوا من "الأونروا" على دقيقٍ وأبسط الاحتياجات الآدمية! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن هؤلاء اللاجئين ثاروا على "الأونروا" حينما تنصّلت من مهامها تجاههم، فأصابهم الجنون محطمين مكاتبها وناصبين خياماً للاعتصام أمامها حتى تقرر التراجع عن هذا القرار المجحف بحقهم! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن عائلاتٍ بأكملها قضت حرقاً لانقطاع الكهرباء عن بيوتها لأكثر من ثماني ساعات يومياً، وفق الجدول الروتيني الذي حفظه أهل غزة أكثر من أسمائهم! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن شهداء الكهرباء كانوا لا يملكون ثمن مولد الكهرباء، فاضطروا لإشعال الشموع لأبنائهم الشهداء كي لا يخافوا من عتمة الليل، حتى أحرقت الشموع أجسادهم، فنامت في هدوء وسكينة للأبد! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن مياه المجاري تزور بيوت المخيمات والمناطق المهمشة بشكل يومي، فإن غابت يوماً عنها، حنَّ إليها قاطنوها لأنها باتت إحدى التفاصيل المعاشة إن قبلوا بذلك أو رفضوا! من لا يعرف غزة يا فرنسيس، لا يعرف أن من فترة ليست ببعيدة غرق سكان وادي غزة من مياهه العفنة، ليستشهد عددٌ من سكان المنازل المحيطة به، من ضمنهم فتى وحيد لأبوين انتظراه أكثر من 13 سنة! كل ما ذكرته سابقاً، يثبت أن الصحفية اللبنانية غدي فرنسيس هي من لا تعرف غزة، فقصدتها لتبرز في برنامجها "خط تماس" ما كانت تخطط له قبل أن تدخل غزة.. جاءت ليرى العالم زوراً أن غزة مترفة كباريس أو أكثر بفضل قطر، غافلةً أن معظم سكان غزة يكرهون حمد لخيانته دماء السوريين قبل دمائهم! فرنسيس الساذجة لم تفرّق بين بعض قيادات الحكومة في غزة التي يصل غناها الفاحش إلى حدٍ لا يوصف برعاية قطرية، وبين غزي بسيط تصل فرحته إلى حدٍ لا يوصف إذا ما تمكن من الحصول على عشرة شواقل في اليوم الواحد، فعرضت في برنامجها "خط تماس" على قناة OTV اللبنانية- التابعة للجنرال ميشال عون والمقرب من النظام السوري- فقرةً سميت بـ "فضائح غزة من الداخل"! لم تعرف فرنسيس أن هذه الفضائح فضحت نواياها الخبيثة، بمحاولة تشويهها صورة سكان غزة، فتقول ضمن هذه الفقرة: "من لا يعرف غزة، لا يعرف أن فيها الموفينبيك وروتانا ومنتجعات وفنادق مترفة.. من لا يعرف غزة، لا يعرف أن أهلها يتمتعون بالخدمات المالية المصرفية.. من لا يعرف غزة، لا يعرف أن ثمن الشقة السكنية في حي الرمال يساوي سعر الشقة في منطقة الروشة البيروتية.. من لا يعرف غزة، لا يعرف أن هناك مراكب للصيادين استبدلت العلم الفلسطيني بالعلم القطري.. من لا يعرف غزة، لا يعرف أنها تعتمد على الاحتلال في عملتها وبضائعها وسياراتها"! فرنسيس.. على ما يبدو أنكِ لم تزوري غزة بكافة أحيائها وشوارعها ومخيماتها، فالتقطت عدستك ما يعجب عون والنظام السوري، وترك ما يغضبهما! فلتعلمي أن غالبية رواد الموفينبيك هم أصحاب الدخل العالي وأهل الحكومة والسيارات الفارهة، أما نحن يجبرنا ما في جيوبنا على طرق أبواب المطاعم الشعبية كمعطم "السوسي" وسط غزة، لنأكل الفول والفلافل والحمص! لم أبالغ حينما نقلت هذه الصور والمشاهد من غزة، فمعظم المشاهد موجعة وقاتمة اللون، ورغم ذلك أهل غزة مصرون على إنتاج الحياة من قبور الموت، فلم أنكر أن غزة فيها موفينبيك وخدمات مالية وسيارات فارهة، لكن يا فرنسيس أخبريني بحكم خبرتك الشديدة بغزة من يتمتع بهذا البذخ؟ هل طفلٌ يتوسّل لوالده الفقير، فيقبّل يديه لأكثر من نصف ساعة حتى يعطيه شيقلاً واحداً، ليركض فَرِحاً نحو "دكانة" المخيم، والحيرة تصيبه مفكّراً ماذا عساه أن يشتري؟ أم حاجّة سبعينية تبيع النعناع مفترشةً الأرض في سوق الزاوية؟ أم صيادٌ يصلي الفجر ويغادر المنزل فوراً، علّ السمك يتشبث بشباكه، فيعود إلى أبنائه ويداه مليئتان بالخير؟ إن كنتِ يا فرنسيس على خلاف مع قطر، فنحن أكثر خلافاً معها ومع أموالها ومشاريعها وأجندتها، ودعم حكومة غزة لها، لذا اتركينا وشأننا ولا تقحمينا في جولات انتقامك من "حماس"! أهل غزة لا يعيشون برفاهية وبذخ، فكل ما في الأمر أنهم يصنعون الحياة رغم توفر عوامل الموت التي لا تعد ولا تحصى! فهل المطلوب منهم أن يعيشوا في زمن الجاهلية، فيركبوا الجمال بدلاً من السيارات، ويستخدموا الحمام الزاجل بدلاً من الهواتف المحمولة، كي ترضي يا فرنسيس عنهم؟ هل المطلوب منهم أن يلطموا ويبكوا على قراهم التي شردوا منها، ويعيشوا في حزن دائم لأن الله كتب لهم أن يحملوا الجنسية الفلسطينية؟ هل المطلوب منهم أن يرتدوا ملابس ممزقة، ليثبتوا لجوءهم؟ هل من غير المسموح لهم أن ينسجوا علاقات حب ويقيموا أعراساً في الفنادق "المترفة" ويصفقوا لمحمد عساف حينما يطل على شاشة التلفاز؟ هل تحسدين غزة على امتلاكها فندقاً أو اثنين أو ثلاثاً...! هل يعيب الضاحية الجنوبية التي يسيطر حزب الله عليها وجود المطاعم والخدمات المصرفية المالية فيها؟ أم حلالٌ لكم وحرامٌ علينا؟ حينما تمتلكين الإجابة، أخبريني بذلك يا من طعنتِ غزة بظهرها! صحيح، قبل أن أنسى يا فرنسيس، حينما تجدين بديلاً عن الشيقل "الإسرائيلي"، زودينا به!