على بعد بضع كيلومترات إلى الشمال من المدخل الغربي لمدينة القدس، وفي قمة أعلى التلال، تبرز من بعيد، أعرق وأجمل القرى الفلسطينية، إنها قرية النبي صموئيل، ذات التاريخ والحضارة العريقين، إنها بلد الانتصارات على الحركة الصهيونية، هذه البلدة تتعرض بشكل مستمر، ومنذ عام 1967، إلى عمليات طمس وهدم وتهجير مستمر، حتى بات خطر الانقراض والزوال قاب قوسين أو أقرب منها.
كانت قرية النبي صموئيل والمنطقة القريبة منها، من المناطق التي حاول بن غوريون كثيرًا احتلالها والسيطرة عليها عام النكبة لكنه فشل في ذلك، كان الهدف المركزي قرية النبي صموئيل نفسها، لم يكن ذلك بسبب موقعها الاستراتيجي الهام فحسب، وإنما في الأساس بسبب تاريخها العريق الذي يعود إلى آلاف السنين والمواقع الأثرية التي تحتويها البلدة.
جندت عصابة "البالماح" قوات النخبة لاحتلال قرية النبي صموئيل والمنطقة المحيطة بها، وزودتها بأحدث الأسلحة كانت قد استلمتها للتو من تشيكوسلفكيا، بدأتها بهجوم على قرية بيت اكسا المجاورة بتاريخ 1948/04/22، احتلال قرية بيت اكسا لم يلاق مقاومة قوية، فقامت قوات "البالماح" باحتلالها وتهجير أهلها وفي نفس الليلة تم تفجير وهدم مسجد بيت اكسا.
في صبيحة اليوم التالي بدأت عصابة "البالماح" هجومها لاحتلال قرية النبي صمويل، الاحتلال السريع لقرية بيت اكسا كان قد أوهم قوات البالماح أن احتلال قرية النبي صموئيل لن يكون صعبا، المفاجأة كانت كبيرة وفاقت كل التوقعات، المقاومة الفلسطينية في قرية النبي صموئيل كانت قوية جدا وأوقعت بهم هزيمة نكراء، الجنود الناجون من العصابات الصهيونية هربوا من المعرك تاركين خلفهم عشرات الجرحى والقتلى، هذه الهزيمة أجبرت العصابات الصهيونية على الانسحاب من باقي القرى القريبة التي احتلتها سابقا.
عشرات السنين بعد هذه الهزيمة استمر زعماء عصابة "البالماح" تحميل مسؤوليتها الواحد إلى الآخر، كانت وصمة عار تلاحقهم، حتى هذه الأيام ما يزال النقاش دائرًا حول السؤال من السبب في هذه الهزيمة ومن أعطى الأوامر بترك الجرحى والقتلى، كل ذلك زاد الشعور بالحقد والكراهية عندهم اتجاه قرية النبي صموئيل والرغبة بالانتقام منها، الرواية الفلسطينية لم تخلد هذا الانتصار، ولم تعطه حقه.
يعود تاريخ قرية النبي صموئيل إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وتشتهر البلدة بأثارها التاريخية الغنية وخاصة قبر النبي صموئيل والمسجد الذي يتواجد به هذا القبر، شهدت البلدة حقب تاريخية متعاقبة من الكنعانيين والآشوريين والفرس واليونان والرومان وغيرهم، وتم إطلاق اسم النبي صموئيل على القرية بعد أن سيطر عليها المماليك عام 1260 م، نسبة إلى قبر النبي صموئيل الموجود في المكان.
تقع بلدة النبي صموئيل على بعد سبع كيلومترات شمال غرب مدينة القدس، على قمة أعلى تلال المنطقة، على علو 890 متر فوق سطح البحر، وتطل على الطرق المؤدية إلى مدينة القدس من الناحية الغربية والشمالية، موقعها الاستراتيجي تسبب في عدة معارك للسيطرة عليه، من بينها المعركة الدامية بين الأتراك والانجليز عام 1917.
ما لم تنجح به العصابات الصهيونية في نكبة 48، نجح به جيش الاحتلال في حرب الـ 67، فتم احتلال البلدة والسيطرة عليها، ومنذ ذلك الوقت بدأت عمليات الانتقام من هدم وطمس وتهجير.
مع بداية الاحتلال كان عدد سكان قرية النبي صموئيل أكثر من ألف نسمة، كانوا يمتلكون نحو 3000 دونمًا من الأراضي، عند احتلال البلدة تم تهجير جزء من أهلها إلا أن عملية الهدم والتهجير الواسعة تمت عام 1971، أي بعد أربع سنوات من احتلال البلدة والسيطرة عليها، حينها تم هدم بيوت البلدة وتجميع أهلها في المناطق القريبة من المسجد. اليوم يبلغ عدد سكان البلدة حوالي 250 نسمة فقط. تجدر الشارة أنه لو لم تتم عمليات التهجير لأصبح عدد سكان البلدة اليوم بالآلاف.
تصنّف قرية النبي صموئيل كمنطقة (ج) بحسب اتفاقية أوسلو، أي أنها تحت سيطرة أمنية ومدنية اسرائيلية، وهي تعاني من أبشع أنواع الظلم والمضايقة بهدف تهجير أهلها. لم تكتف المؤسسة الاسرائيلية بهدم أجزاء كبيرة من بيوت البلدة بل حولتها إلى جيتو يصعب الدخول إليه والخروج منه.
عام 1995 قامت سلطات الاحتلال بالاعلان عن مناطق واسعة قرب البلدة كحديقة وطنية بادعاء المحافظة على النباتات الفريدة التي تعيش في المنطقة، وبهذا الادعاء تم مصادرة جزء كبير من أراضي أهالي البلدة.
عمليات مصادرة الأراضي وقطع الأرزاق هي إحدى الوسائل الرئيسية التي تستعملها "إسرائيل" لتهجير الناس باتجاه المدن المجاورة للبحث على أرزاقهم.
أما الوصول إلى باقي الأراضي الزراعية وزراعتها فليس بالأمر السهل، ويحتاج أهل البلدة إلى تصاريح من الإدارة المدنية للوصول اليها وزراعتها، هذه التصاريح قل ما تعطى لهم وإن أعطيت فسوف يجدون الجنود والمستوطنين في المنطقة، يصعّبون مهمة فلاحة الأرض أكثر وأكثر.
محاولات الاحتلال للسيطرة على مسجد البلدة وتحويله إلى كنيس لليهود مستمرة حتى اليوم، قبر النبي صموئيل الموجود في أسفل المسجد، تم السيطرة عليه بالكامل وتم تحويله إلى كنيس لليهود.
تسيطر "اسرائيل" على جميع المناطق الأثرية في القرية،وتقوم بعمليات حفريات كبيرة، جزء منها في البيوت التي تم تهجير أهلها منها عام 1971، ولعل الأمر المبكي أن رجال الآثار الإسرائيليين يقومون بتشغيل بعض أهالي البلدة الباحثين عن أرزاقهم في عمليات التنقيب داخل بيوتهم التي طردوا منها، وكل ذلك بهدف طمس التاريخ العربي والاسلامي للبلدة.
تفتتح "اسرائيل" المناطق الأثرية أمام زيارة الجمهور، حيث تعرض أمامهم الرواية الصهيونية، وتخفي عنهم الحقائق التاريخية للبلدة، ضمن محاولة لطمس معالم وتاريخ الحقيقية، يمنع أهالي البلدة من العمل في هذا المجال ولا يسمح لهم حتى ببيع أغراض بسيطة للوافدين.
قرية النبي صموئيل أقرب ما تكون إلى جيتو، الوصول إلى القدس التي تبعد عن البلدة نحو سبع كيلومترات يحتاج إلى تصريح وهو أمر شبه مستحيل، أما الوصول إلى رام الله فتعيقه الحواجز والجدران العنصرية الفاصلة وتحوله الى مهمة صعبة.
ادخال أغراض مثل "شوال شعير" أو 15 كرتون بيض، إلى البلدة بحاجة الى تصريح، والهدف هو تحويل حياة سكان البلدة الى جحيم.
نجح الإسرائيليون في مهمتهم بتحويل حياة سكان البلدة إلى جحيم، كل ذلك على مرأى ومسمع العالم الذي لم ينبس بنت شفة، انقراض وزوال البلدة العريقة أصبح قاب قوسين أو أقرب، لعل تحرك سريع والوقوف إلى جانب أهالي البلدة ومساندتهم قد يفشل ذلك.