مصطلح الانقسام يعني في اللغة أن يصبح الشيء الواحد شيئين، أي أن الأصل في الانقسام، أن يكون المنقسم هو جسد واحد، بمعنى إذا قلنا انقسمت القبيلة، فذلك يعني أن القبيلة كانت جزءا واحدا، وعندما وقع عليها فعل الانقسام تشتت.
هذا المصطلح ليس غريبًا على الفلسطينيين، بالرغم من أنهم لم يكونوا جزءا واحدا، على الصعيد السياسي على الأقل، فالمجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات لديه اختلافات عديدة، إن كانت مناطقية، أو جغرافية، أو دينية، أو فكرية، وصولًا للسياسة وأسلوب مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
لم يكن "انقسام" فتح وحماس، إن جازت تسميته أصلا بالانقسام، هو الأول في تاريخ القضية الفلسطينية، فالتاريخ يسرد لنا جملة من الانقسامات التي حصلت داخل حركات التحرر الوطني الفلسطيني على مر الزمن، من بينها انشقاق أبو صالح وأبو موسى، وأبو خالد العملة عن صفوف حركة فتح، وإطلاق حركة فتح الانتفاضة، ما أسفر عن ذلك اندلاع حرب مخيمات في لبنان، ما بين 1985 إلى 1988، والتي شاركت فيها كل من حركة أمل، والجبهة الشعبية القيادة العامة.
وقد أسلف انشقاق فتح، انشقاقات أخرى في صفوف اليسار الفلسطيني من أهمها، انشقاق نايف حواتمة عن الجبهة الشعبية، وتأسيسه للجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين، والتي تغير اسمها لاحقًا للجبهة الديمقراطية، بالإضافة لانشقاق أحمد جبريل عن الجبهة الشعبية وتأسيس القيادة العامة.
نعود للتاريخ المعاصر، وعجلة المصالحة التي لا تبارح مكانها بين حركتي فتح وحماس، اللتين تسيطران على الضفة المحتلة وقطاع غزة، ونقف مطولًا أمام الفوائد المرجوة لشعب يقبع تحت الاحتلال من مصالحة بين تنظيمين فلسطينيين، يشكلان قطبا المعادلة السياسية، أحدهما يطرح خيار المقاومة المسلحة، الآخر يطرح خيار السلام، فكيف للنقيضين أن يتفقا، وما شكل الاتفاق وما سيترتب عليه؟.
لنقول بصيغة ثانية، إن تمت المصالحة بين فتح وحماس، هل ستسمح حماس لفتح بسحب سلاح المقاومة في قطاع غزة، وكيف ستتمكن الأولى من الحفاظ على بنيتها العسكرية والتنظيمية في ظل وجود فصيل آخر في صفوف الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وتحديدًا في أجهزة أمنية كجهازي المخابرات العامة والأمن الوقائي، والتي تربطهما بحماس علاقة سيئة السمعة منذ تأسيسهما؟!
وهل المصالحة تعني أن تسمح فتح الممثلة بالسلطة في الضفة المحتلة، لحركة حماس من ممارسة دورها التنظيمي على الصعيدين العسكري والسياسي؟.
الشواهد والأسئلة السابقة تجعلنا نفكر بواقعية أكثر من ماهية المصالحة، والتأكد على أنها مناورة سياسية بحتة، ولا بوصلة فيها لإعادة النفس الثوري والحالة النضالية للمجتمع الفلسطيني، وتحديدًا هنا يستحضرني تصريح القيادي في حماس موسى أبو مرزوق، الذي قال فيه قبل أيام "إن الفيتو الأمريكي والإسرائيلي قد رفع عن ملف المصالحة، فما النتائج الإيجابية لشعب تحت الاحتلال، من أي قضية تحصل على رضا أمريكا وإسرائيل؟!".
نتيجة لما سبق، يتبين أن خلاف فتح وحماس ليس انقسام فعلي، إنما هو نتيجة طبيعية لفكرين وسياستين ونهجين، لكل منهما سلبياته وإيجابياته، ولسنا بصدد الحكم على ذلك، إنما ما نحن بحاجة للحكم عليه والبحث معمقا فيه هو في حال تمت المصالحة، ما الذي سيصبح عليه الشكل النضالي للقضية الفلسطينية، في ظل ارتباط كل من الحركتين بأطراف إقليمية وعالمية، الكم الهائل من الحاجة السياسية والنضالية والمجتمعية لكسر القالب الذي وضعت فيه القضية بأيادي الحركتين.