شبكة قدس الإخبارية

قانون "الجرائم الإلكترونية".. أحكام شاقة ومؤبدة لمن يعبر عن رأيه

شذى حمّاد

رام الله – خاص قدس الإخبارية: استشرت سوسة قمع الحريات العامة وانتهاك الخصوصية، وبلغت أوجها بسن قانون "الجرائم الإلكترونية" الذي يعتبر من أسوأ القوانين الفلسطينية التي تم إقرارها منذ قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994.

فبعد أسبوعين من إخفائه، نشرت السلطة الفلسطينية قرار قانون "الجرائم الإلكترونية" الذي صادق عليه الرئيس محمود عباس، ليمنح غطاءً قانونياً لإنتهاكات عدة تمارسها الأجهزة التنفيذية بحق الصحفيين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تمثلت مؤخراً بحجب المواقع الإخبارية، والاعتقال والاستدعاء على خلفية تقارير صحفية أو منشورات على موقع "فيسبوك".

الخبير في القوانين الإعلامية وحقوق الإنسان ماجد العاروري أوضح لـ قدس الإخبارية، أن قانون "الجرائم الإلكترونية" يشرعن انتهاك الخصوصية والمس في الحريات العامة، "القانون سيتحول لأداة لقمع من يبدون آرائهم وهي مسألة خطيرة وغير مبررة تتنافى مع قوانين الجرائم الإلكترونية المعمول فيها بالعالم، إذ تستخدم لحماية أمن وخصوصية المستخدم".

وتتيح قوانين الجرائم الإلكترونية في بعض الدول فرص انتهاك خصوصية الأفراد بعد الحصول على قرار استثنائي من المحاكم وذلك في القضايا الكبير والمستعصية، ويعلق العاروري، "هذه القوانين لا تحقق الأمن والاستقرار وإنما سيكون لها نتائج خطيرة جداً على السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي، رغم أن مجتمعنا كل ما أصيب به من تناقضات وخلافات إلا أنه ما زال يحافظ على درجة من التماسك".

خسائر بالاقتصاد المحلي

وتفرض المادة (32) على الشركات المزودة بخدمة الانترنت، التعاون مع الجهات الأمنية من خلال تقديم معلومات وبيانات المستخدم لها والمساعدة في جمعها، والاحتفاظ ببيانات أي مستخدم لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، إضافة لحجب أي موقع إلكتروني بناء على أوامر قضائية.

ويبين العاروري أنه وفقا لهذه المادة، سيبحث الفلسطينينون عن مزود انترنت آخر غير الشركات الفلسطينية، وذلك لتوفير الأمان والخصوصية لهم، محذرا من كون ذلك سيلحق أضرارا مادية جسيمة بالاقتصاد الفلسطيني وخاصة في مجال الاتصالات.

واستعرض العاروري، تجربة الشركات المزودة بالانترنت الأمريكية التي تقف بصف المستخدمين وترفض ما تحاول فرضه الأجهزة الأمنية أحيانا، "بعد تجربة حجب المواقع الإخبارية أفقد المستخدم الفلسطيني ثقته بالشركات وخاصة أنها لم تتوجه للطعن في القرار".

عقوبات وغرامات صارمة

يتضمن القانون عقوبات صارمة تتضمن السجن يصل إلى 15 عاماً، ودفع غرامة مالية تصل إلى خمسة آلاف دينار أردني، رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق عصام عابدين، أكد لـ قدس الإخبارية على أن القانون يفتقر للشفافية المطلقة إذ لم يعرض على مؤسسات المجتمع المدني قبل المصادقة عليه، رغم ما يحتويه من عقوبات قاسية تتضمن فرض الغرامات الباهظة والسجن لفترات طويلة.

وقال إن المادة (51) مثلا تنص على أنه إذا ارتكبت جريمة من خلال الإعلام الإلكتروني تضر "بالوحدة الوطنية" أو "السلام الاجتماعي"، يكون عقوبتها  الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة تتراوح من ثلاثة سنوات إلى 15 سنة، وتطال العقوبة كل من يشترك "بالجريمة".

ولفت إلى أن القانون يشرع القيام بخطوات سريعة جدا، إذ أن المادة رقم (40) تتيح للنائب العام أو أحد مساعديه تقديم طلب للمحكمة لإصدار قرار بحجب أي موقع إلكتروني خلال 24 ساعة فقط، "القانون يتعارض بمع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في اتفاقية بدبست المتعلقة بالجرائم الإلكترونية لعام 2001، وبما يتعلق بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (19)".

وأوضح أن القانون يستخدم مصطلحات وعبارات فضفاضة وعامة لا يمكن قياس تصرفات الأفراد عليها، وقد يطالهم التجريم بأي لحظة، "المصطلحات المستخدمة تتحمل أوجه كثيرة في تفسيرها، وتفرغ الحق من مضمونه وتتحول لإنتهاك".

القانون غطاء للإنتهاكات

فيما أوضح مسؤول وحدة الإعلام في مؤسسة مدى الحقوقية غازي بني عودة لـ قدس الإخبارية، أن القانون يعزز التعسف وملاحقة الصحفيين وحجب المواقع الإلكترونية، ويفرض العقاب على كل من يحاول الولوج إلى المواقع المحجوبة، "كل الانتهاكات أو جزء منها على الأقل المتصلة بمواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني، لم يكن لها غطاء قانوني قوي للسلطة وكان ذلك يثير الرأي العام، أما الآن فقد أصبح هناك قانون يتم فرضه".

وخلاف للقوانين الصادرة سابقاً والتي تدخل حيز التنفيذ بعد 30 يوماً، إلا أن المادة رقم (61) تؤكد على نفاذ القانون فور نشره في جريدة الوقائع الفلسطينية، فيما نفى بني غازي ذلك وأكد على أن نفاذ القانون وتطبيقه من قبل المحاكم يكون بعد 30 يوما على سنه.

وقال أن المؤسسات الحقوقية والمجتمع المدني يستطيعون الإستمرار في الخطوات الاحتجاجية للطعن في القانون ووقف تنفيذه، وهو ما جرى في قوانين سابقة نجح المجتمع بالتصدي لها كقانون الضمان الإجتماعي مؤخراً.

من جانبه، قال أستاذ الإعلام سعيد أبو معلا لـ قدس الإخبارية، إن "القانون يشكل كارثة على حرية الرأي والتعبير، وخطير على مساحات التعبير التي باتت تقليدية للشعب الفلسطيني، إذ يفرض قيوداً على الناس بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم، دون أن يكون واعياً بخصوصية التحولات التي يشهدها العالم في مجالات الاتصال والتنكولوجيا".

وأكد على أن المجتمع الفلسطيني كان يحتاج لقانون "جرائم إلكترونية" ولكن ليس من منظور أمني كما هو ظاهر في هذا القانون، "العقلية الأمنية كانت مسيطرة على معد القانون الذي جاء بسياق مجموعة من تراجعات السلطة والنظام السياسي الفلسطيني عن إلتزماته المتعلقة بمبادئ حرية الرأي والتعبير".

استغلال غياب المجلس التشريعي

منذ تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2007، إقر الرئيس الفلسطيني مجموعة من القوانين والتشريعات، على الرغم أن المادة (43) في القانون الأساس الفلسطيني لا يتيح ذلك إلا في حالات الطوارئ والضرورة.

النائب في المجلس التشريعي حسن خريشة، قال لـ قدس الإخبارية، إن تعطيل وتغييب المجلس التشريعي أدى للإستخدام المفرط للصلاحيات الممنوحة لرئيس السلطة الفلسطينية، وذلك لخدمة مصالح فئات معينة وليس كل المجتمع الفلسطيني، وبأغلبها كانت متعلقة بالاستثمار والمال.

وعن قانون "الجرائم الإلكتروني" قال، "لا يمكن إقرار هذا القانون لو عرض على المجلس التشريعي، لأن المجلس التشريعي جاء نتاج لانتخاب الناس الذين يسعون لضمان حرياتهم العامة وخاصة حرية الرأي والتعبير، ولا يمكن للمجلس التشريعي أن يقر قانون بمثابة الحارس على لسان كل فلسطيني”.

وأشار إلى أن قانون "الجرائم الإلكترونية" يبرمج حجب المعلومات عن الناس وتقييد حرية الرأي والتعبير والحد منها، إذ يضع مواقع التواصل الاجتماعي تحت الرقابة، "نحن منضمون لكل الاتفاقيات الدولية التي تصون حرية الرأي والتعبير وحق الوصول للمعلومة، إلا أننا مجددا وبقوانينا نثبت أننا لا يوجد لدينا حرية سقفها السماء وهو ما يتعارض مع كوننا نظام ديمقراطي برلماني".