بعدما ودّع الدكتور حداد مجموعة "باتريك أرغويللو" (الفدائي نيكاراجوي الجنسية ورفيق ليلى خالد في خطف طائرة العال الصهيونية آواخر العام 1968)، وصل كل من "كوزو أوكاموتو" واسمه الحركي أحمد و"ياسويوكي ياسودا" وإسمه الحركي صلاح و"أوكودايرا تسويوشي" واسمه الحركي باسم، وهم من الجيش الأحمر الياباني (منظمة ثورية متفرعة عن الحزب الشيوعي الياباني) عبر طائرة فرنسية إلى مطار مدينة اللد (البلد الأصلي لحكيم الثورة جورج حبش).
استلمت المجموعة حقائبها من على آلة التفتيش في المطار، أخرج كلٌ منهم بندقيته ومئة طلقة وما تيسر من القنابل اليدوية، في قلب الأرض المحتلة وفي أكثر المواقع الصهيونية حساسية واستراتيجية وفي إطار المواجهة مع الإمبريالية وأدواتها وعند الساعة 9:45 من مساء يوم 30/5/1972 بدأ إطلاق النار على رجال الأمن والجمارك في المطار.
سيطر الفدائيون الثلاثة على المطار مدة 15 دقيقة، دمروا خلالها طائرتين تابعتين لشركة "العال" الصهيونية، وبعد نفاذ ذخيرتهم قام المقاتلون الثلاثة بتفجير قنابل يدوية في أجسادهم حتى لا يقعوا رهن الاعتقال، إلا أن القنبلة التي كانت بحوزة "أحمد" لم تنفجر، فوقع أسيراً في أيدي الصهاينة.
حكم على "كوزو " بالسجن المؤبد وفي جلسة المحاكمة وقف قائلاً: "إنني كجندي في الجيش الأحمر الياباني أحارب من أجل الثورة العالمية وإذا مت سأتحول إلى نجم في السماء" قضى "كوزو" 13 عاماً في السجون الصهيونية جمعيها في العزل الانفرادي، أراد العدو من ذلك تحطيمه جسدياً ومعنوياً، تحرر في في عملية تبادل "الجليل" عام 1985، واستقبل في ليبيا وذهب متخفياً إلى بيروت، إلا أن الكرم العربي الأصيل وحكومة رفيق الحريري قابلت تضحية الثائر الأممي باعتقاله في السجون اللبنانية والحكم عليه 3 سنوات مع 5 من رفاقه بتهمة دخولهم بجوازات سفر مزورة وانتهاء تأشيرة دخولهم.
مما لا شك فيه أن الثورة الفلسطينية وفي سنين صعودها أي حقبة السبعينيات، استطاعت أن تصل إلى العالم كله، وأن تكون ملهمة لنضال الشعوب، ومحط أنظار لكل ثائر حر، وهذا لم يكن لولا العبقرية الثورية والأمنية التي كانت الصفة الأهم لقادة العمل الفدائي آنذاك.
صحيح أنه لم يقال الكثير عن العملية على الرغم من أهميتها، أمنياً وسياساً وعسكرياً وحتى اقتصادياً، ربما لأن أبطالها ليسوا عرباً وبعضهم استشهد، فاللغة مهمة وتساعد على تسجيل التفاصيل بشكل دقيق، إلا أن للعملية الكثير من الأهداف كان أهمها فرض الحظر السياحي على الكيان الصهوني وضرب فكرة تسويق "إسرائيل" للعالم "المسيحي" التي بدأت في تلك الفترة، إضافة إلى حجم الرد الصهيوني على العملية باغتياله الشهيد غسان كنفاني والذي تتفق جميع المصادر على أن اغتياله كان مرتبطاً بالعملية حيث يظهر في إحدى صور الأرشيف يقال أنها في العام ١٩٧١، أثناء التحضيرات للعملية البطولية مع الثائرة "فوساكو شيجينوبو" قائدة الجيش الأحمر الياباني.
كنفاني الذي يتحدث عن متابعته للصحف الغربية وردود الفعل على العملية في آخر مقالٍ له قبل اغتياله "ملحمة المعزاية والذئب" والذي نشرته مجلة الصياد بعد استشهاده بخمسة أيام، ويروي بأسلوبه الساخر عن هجوم الإعلام الغربي على العملية ومنفذيها مقابل صمته عن جرائم المحتل ويتناول كنفاني تحليل محرري صحيفة "الإكسبرس" الفرنسية لعمليات المقاومة بقولهم "إن الطائفة الأرثوذوكسية في العالم العربي قد تأثرت بالإسلام إلى حد صارت تسمح لنفسها بالقيام بعمليات همجية ضد الآمنين المدنيين والمتربعين بسلام فوق الأراضي المحتلة" وافتتاحية مجلة التايم الأمريكية "لماذا يجب ان يقتل يابانيون حجاجاً بورترويكيين"؟
بكل تأكيد لم يعرف المناضل الأممي فوتشيك أبطال هذه المعركة شخصياً عندما قال كلماته بأنه "سوف يأتي يومُ يصبح فيه هذا الحاضر ذكرى، وسيتحدث الناس عن عصر عظيم وعن أبطال مجهولين صنعوا التاريخ، وليكن معلوماً أنهم ما كانوا أبطالاً، إنهم بشرُ لهم أسماء وقسمات وتطلعات وآمال، وأن عذابات أصغر هؤلاء شأناً ما كانت أقل من عذابات من خلدت أسماؤهم"،
لكنه عرف أبطالاً كثر، آمنوا بالإنسان والحرية، وأن الظلم واحد، والاضطهاد واحد، والاستعمار واحد، وإن تعددت الوجوه وأن "كوزو أكوماتو" ورفاقه وكل أحرار العالم ممن ساروا على درب هؤلاء الأبطال.
بالمناسبة الرفيق "كوزو" مقيم حالياً في شقة بسيطة في بيروت ويحظى برعاية أفراد من الجبهة الشعبية، ولكل من يستطيع الوصول إليه أن يصله ويزوره كحد أدنى إن لم يستطع السير على دربه.