وقف فايز حوراني على شباك الزنزانة رقم 17، في سجن عسقلان وصرخ بأعلى الصوت، "يا شباب سجن عسقلان اليوم إضراب كامل حتى تتحقق كافة المطالب".
ركض السجانون باتجاه الغرفة، لكنهم لم يتمكنوا من الإمساك به أو معرفة من الذي أعلن الأضراب.
إضراب سجن عسقلان عام 1976، يعتبر من أطول الاضرابات الجماعية في تاريخ الحركة الأسيرة إذ استمر 45 يومًا، حتى تحققت كافة المطالب، حيث شكّل نجاح الإضراب يومها قوة ًوحافزاً للحركة الأسيرة بخوض إضرابات عده وانتهائها فقط بعد الانتصار.
كان الطعام في السجن حينها عبارة عن نصف بيضة لكل سجينٍ وحبتي زيتون وذلك بهدف إشعار الأسرى بالجوع والحرمان، وكانت "الفورة" أي الاستراحة اليومية عبارة عن أقل من٤٠ دقيقة فقط.
انطلق الإضراب، أضرب السجن على دفعتين، حسب الخطة التي وضعتها قيادة الاضراب وهم أبو علي بسيسو ومهدي بسيسو وأبو علي شاهين من غزة، يهدف الإضراب الى تحقيق المطالب الانسانية والمشروعة نعم، ولكن الفكرةَ بأن الجمع إذا اتحد على رد الظلم فلا بد أن ينتصر ولتفهم مصلحة السجون ألا أصعب من مجابهةِ الفكرة!
450 أسير خاضوا إضرابًا بطولياً، صادرت مصلحة السجون ممتلكاتهم الشخصية وعزلت بعضهم في عزل بيت ليد، يروي الأسير موسى أبو كبر الذي يبلغ من العمر اليوم 71 عامًا، ويتذكر مشاركته في الاضراب ويقول، "حاولت مصلحة السجون الاعتماد على أسلوب إنهاك الأسرى بهدف تساقطهم واستسلامهم، فأصدرت الشائعات عن فك بعض الأسرى إضرابهم إلا أن هذا التكتيك لم يجدِ نفعا، كنا مصممين للنهاية وعلى ثقة بأن قيادة الاضراب لن تستسلم إلا بعد تحقيق المطالب"
"أخبار الشارع الفلسطيني والالتفاف حوالينا كانت السبب الأول الذي أعطانا حافزًا للاستمرارية والصمود"، يقول أبو كبر.
اعتمدت قيادة الاضراب داخل سجن عسقلان طريقتين أساسيتين، في انتزاع المعلومة عن أخبار التحرك في الشارع، بعد أن حرموا من لقاء محاميهم وزيارات الأهالي، وهي إرسال أسرى إلى مستشفى سجن الرملة، حيث كان نقطة التقاء مع الأسرى من سجون أخرى وهناك كان يتم تبادل المعلومات فيعود أسرى عسقلان محملين بأخبار الشارع.
إضافةً إلى الاستماع إلى الراديو الذي خبيء سرًا في إحدى الغرف لمعرفة حجم التحرك على الأرض، وفي اليوم الأربعين للإضراب وقف أبو علي شاهين وهو أحد قادة الإضراب وقرأ خطابًا وصفه الأسير موسى أبو كبر بالأسطوري، تحدث فيه عن حركة الجماهير الكبيرة في الشارع إسناداً ودعماً للإضراب، الأمر الذي أعطى زخمًا عاليًا لفكرة استمرارية الإضراب وإحباطاً لمصلحة السجون.
قال الأسير السابق موسى أبو كبر، " كنا هابطين على الصعيد الجسماني فقط، لكن النفسية كانت بالعلالي، خاصه مع أخبار المظاهرات والإسناد في الشوارع".
ما يقارب الـ 20 أسيرًا عربيًا من لبنان وسوريا والأردن والعراق خاضوا الإضراب مع الأسرى الفلسطينيين، أبو عروبة وهو عراقي الأصل سجن على إثر اشتباك مسلح عندما كان في صفوف جيش التحرير، كان يردد بلهجةٍ عراقية "عيني أنا ما أقدر أقف لكن النفسية عالية"
أعلن أبو علي بسيسو عن انتهاء الإضراب، وذلك بعد مفاوضاتٍ شبه يومية مع إدارة سجن عسقلان والتي رضخت لمطالب الأسرى، زادت جودة وكمية الطعام الذي يقدم للأسرى، إضافةً إلى زيادة وقت الاستراحة اليومية، زيارات الأهالي أصبحت منتظمة، تم ادخال الكتب والجرائد وأدوات للكتابة، والأسرى في معركة حريتهم الطويلة رافعين رؤوسهم لا يَهابون بل يُهابون.