شبكة قدس الإخبارية

وثيقة حماس.. نضجٌ سياسي أم استرضاء للعالم الدولي؟

شذى حمّاد

فلسطين المحتلة –خاص قُدس الإخبارية: أطلت حركة حماس بوثيقتها الرسمية الجديدة لتحدد فيها مبادئها وسياساتها العامة للمرحلة المقبلة، فما الجديد في الوثيقة؟ وهل تنازلت حماس عن جزء من مبادئها؟ ولماذا تطل حماس اليوم بوثيقة سياسة في ظل ما يمارس بحقها من حصار ونبذ دولي؟ وما المسار السياسي الجديد الذي تشقه حركة حماس اليوم.

جزء من أسئلة كثيرة تدور في أذهان الفلسطينيين الذين تابعوا إعلان حماس وثيقتها الجديدة، حيث لوحظ تغيير بعض المصطلحات وشطب بعض البنود في الميثاق القديم والسكوت حول بنود أخرى، إضافة لتأكيد علني ورسمي على عدة مبادئ طالما تذبذبت الحركة بالالتزام بها سابقاً، وخاصة الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود حزيران عام ١٩٦٧.

ملاحظات ومآخذ

أستاذ العلوم السياسة والكاتب أحمد قطامش يبيّن أن سياسات الاحتلال التوسعية وخاصة في مرحلة أوسلو لم تترك أي مقومات لإقامة دولة فلسطينية على حدود حزيران ١٩٦٧، "القدس بعد توسيع حدودها الإدارية أصبحت أغلبيتها السكانية مستوطنين استعمارين، فيما ابتلع الجدار ١٣٪ من مساحة الضفة الغربية بما فيها خزنات المياه الاستراتيجية وهو حال الأغوار، ناهيكم عن المستوطنات والشوارع الاستيطانية التي ابتلعت باقي الضفة".

ويرى قطامش أن الوثيقة تكرر البرنامج الوطني الفلسطيني المرحلي الذي أقر عام ١٩٧٤ الذي جاء تكيفا مع موازين القوى واسترضاء للعالم حينها، ويعلق، "هذا البرنامج يعني حكما ذاتيا إداريا على مناطق في الضفة وغزة أي يعني سلطتين وانقساما سياسا وجغرافيا.. حماس الآن تحيي البرنامج الوطني القديم".

وأوضح لـ"قُدس الإخبارية" أن "الوثيقة تأتي للتكيف مع الواقع والتناغم مع التوافق الوطني وهو ما قامت به الجبهة الشعبية سابقا والذي قاد بحسن نية أو بمصالح نخبوية إلى المآلات الكارثية الحالية، "الآن مطلوب ضمن رؤية ترامب – نتنياهو انضمام الفلسطيني لمحور إقليمي دولي ضد محور (روسيا، ايران، دمشق، بيروت) دون انسحاب الاحتلال، أي تكريس الاحتلال التوسعي، ودون أن تتحقق الدولة الفلسطينية".

ويضيف قطامش أنه وفي ظل المساعي الإسرائيلية الأمريكية في ضم الفلسطينيين لمحورها الدولي لم تتضمن وثيقة حماس أي كلمة حول الإمبريالية والرجعية العربية والعولمة الرأسمالية والليبيرالية الجديدة على الرغم أنهم الحلفاء الاستراتيجيون والداعم الأساس لسياسة التوسع الإسرائيلية، "الوثيقة تناولت وعد بلفور ولم تتناول سايكس بيكو الذي قاد لتجزيئ العرب وإقامة الأنظمة العربية الرجعية ما حال دون استرجاع الحق الفلسطيني (..) الوثيقة لم تتكلم بكلمة عن الأنظمة وعجزها وتواطؤها".

وأضاف أن "نحقق وثيقة حماس يترتب عليه تشخيص الواقع تشخيصا تاريخيا، وإلا لن تكون إلا وثيقة تغازل الامبريالية وستكون مهددة بإحباطها بأي وقت، وهو ما جرى في تجارب بعض القوى الفلسطينية".

وتابع، "أي إحياء بتنازل سيعود بنتائج سلبية علي القضية الفلسطينية، ووهم الدولة الذي قدمناه لأنفسنا تبدد الآن ولا يمكن بيعه للشعب الفلسطيني الان مجددا".

من جهة أخرى، أوضح قطامش أن الوثيقة تخلو من الاعتراف الواضح بالمواطنة المتساوية، "لا يمكن الاكتفاء بالحديث عن التسامح والمرأة الذي لا يدعمه أساس قانوني وإعداد ثقافي، فلن يكون أمامنا إلا نموذجا دمويا وداميا".

العلاقة بين الشأن الفلسطيني ووثيقة حماس

فيما يبين أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشويكي لـ"قُدس الإخبارية"، أن اقتناع حماس بضرورة وجود شراكة بينها وبين الفصائل الفلسطينية الأخرى، وأهمية دخولها لمنظمة التحرير الفلسطينية، دفعها لإصدار أدبيات جديدة تنسجم مع سلوك حماس السياسي الذي بدأ منذ نهاية الانتفاضة الثانية بتوقيع إعلان القاهرة عام ٢٠٠٥، ثم خوض الانتخابات التشريعية عام ٢٠٠٦.

ولفت إلى أن "ما تضمنته وثيقة حماس من حل مؤقت بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود حزيران ١٩٦٧، ليس تنازلا كما يراه البعض وخاصة أن حماس لم تعترف بحل الدولتين، وإنما اعتبرت إقامة الدولة هو توافق فلسطيني داخلي، وهو ما أكدت عليه في المبادئ التي أكدت على أن فلسطين هي من البحر إلى النهر وأنه لا اعتراف بشرعية إسرائيل، هذا المبدأ ليس جديدا بالوثيقة وهو طرح عام ١٩٩٣، ولكن هذا الحل يختلف عن حل الدولتين الذي يسعى له الرئيس الفلسطيني محمود عباس".

أما عن التغيير الجوهري في الوثيقة، فقال الشويكي: "إن طبيعة المفردات التي استخدمت في الوثيقة والتي استبدلت بالصراع مع الصهيونية الصراع مع اليهود، وإضافة قيم الدمقراطية والنزاهة والتي تعتبر إضافة جديدة على أدبيات حماس".

وأضاف أنه "في السابق كانت تشترط حماس بميثاقها أن تتبنى المنظمة الإسلام حتى تدخلها الحركة، وهو ما لم يعد موجودا في الوثيقة الجديدة، "حماس تتحرر جزئيا من أيديولوجيتها الإسلامية في الوثيقة الجديدة، ولكن سياسيا ما زالت كما هي ولن يكون هناك تغيرات على سلوكها السياسي".

أما فيما يتعلق بالسياق العربي، فأوضح الشويكي أن "ميثاق حركة حماس ١٩٨٨ أصبح يشكل عبءً على الحركة في سياق علاقاتها مع الدول العربية، لأنه يحسب حماس بشكل صريح أنها جزء من تنظيم الإخوان المسلمين، "إصدار حماس وثيقة جديدة لا تشير فيها لعلاقة بينها وبين الإخوان المسلمين، يحررها من عبء هذه العلاقة أمام الأنظمة العربية، وهو ما تحتاجه الحركة بعلاقتها مع الجمهورية المصرية".

وأكد على أن "حماس أخدت تتبنى خطابا أكثر قبولا من قبل المراقبين الدوليين، لأن خطاب الوثيقة يبتعد عن الطائفية والمفردات الدينية وهو انسجام مع ما يريده الغرب، "تنصل الحركة من علاقتها مع الإخوان المسلمين هو تغيير جذري بالحركة، ولكن لا يوجد تغيرات جذرية في علاقات الحركة مع إسرائيل".

هل الوثيقة تعني نضوج حماس سياسيًا؟

المحلل السياسي عامر سعد بين أن "إعلان حركة حماس عن وثيقتها الجديدة جاء مع ما يمر به الشأن الفلسطيني من مأزق خطير على صعيد البرنامج السياسي والفكر والخيارات، "وثيقة حماس هي نتاج طبيعي للكم الهائل من التطورات والتحديدات التي تواجه القضية الفلسطينية وحركة حماس على وجه الخصوص (..) الوثيقة تعبير وانعكاس حقيقي لنضج سياسي تمر به الحركة".

وقال لـ"قدس الإخبارية"، إن "الوثيقة جاءت تنقيحا للموروث الفكري للحركة، كما أنها جاءت لتجاري التطورات الفلسطينية الداخلية والعربية والإقليمية والدولية"، مؤكدا على أن "الرسالة الأهم للوثيقة تضمنت قبول الحركة مرحليا إقامة الدولة الفلسطينية على حدود حزيران ١٩٦٧، إضافة لتعديلات مادتي (١٩٩ و(٢٢) والتي انطوت عليها من أخطاء أيديولوجية كبيرة تحدثت عن الحرب والصراع هو ما اليهود وليس الصهيونية".

"حماس بعثت رسائل وإشارات تطمينية على وجود مرونة ببعض مواقفها وهو نضج تراكمي يعتمد على مبادرة الشيخ أحمد ياسين عام ٢٠٠٣ التي تضمنت إقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٦٧ ومراجعة أساليب المقاومة"، لافتا إلى أن الوثيقة ليست طفرة بل نتاج سياق تاريخي سياسي كامل وكبيرة يمتد لعقدين من الزمن.

فيما أكد سعد على أن الجديد بالوثيقة لا يعني أنها ستقود لتغيير دراماتيكي كبير وخاصة أن الحركة أكدت على مبادئ يعتبرها المجتمع الدولي خطوط حمراء كعدم الاعتراف بالكيان.