شبكة قدس الإخبارية

قانون منع السفر.. أولى خطوات الدولة البوليسية

شذى حمّاد
رام الله – خاص قدس الإخبارية: بشكل سري، صادق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على قانون "الإجراءات الجزائية"، قافزا عن دور المجلس التشريعي بسن القوانين، ومتجاهلا نشره على العلن. ويتيح مشروع قانون الإجراءات الجزائية للنيابة العامة منع أي فلسطيني من السفر مدة ستة شهور قابلة للتمديد مرات عدة، ما اعتبره حقوقيون "عقاب صامت" سيتم اتخاذه بحق الكثير من الفلسطينيين. ويعتبر القانون الذي صادق عليه عباس مخالفا للمادة (٢٨) من القانون الأساسي والذي ينص على "عدم جواز إبعاد أي فلسطيني عن أرض الوطن أو حرمانه من العودة إليه أو منعه من المغادرة أو تجريده من الجنسية، أو تسليمه لأية جهة أجنبية".

ويأتي توقيع الرئيس الفلسطيني على هذا القانون دون تمريره على المجلس التشريعي المخول بتشريع القوانين، وذلك استنادا للمادة (٤٣) من القانون الأساسي، الذي ينص على أن "لرئيس السلطة الفلسطينية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي إصدار قرارات لها قوة قانون"، فيما يؤكد الحقوقيون أنه لا يوجد أي ضرورة عاجلة وملحة تستوجب اتخاذ هذا القانون الاستثنائي.

كارثة قانونية

وفي جلسة جمعت عددا من ممثلي المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، أجمع الحضور على أن إصدار الرئيس الفلسطيني هذا القانون والمصادقة عليه وما يتضمنه من منح صلاحيات إضافية للنائب العام هو "كارثة قانونية وقضائية واستثنائية"، مطالبين باتخاذ خطوات تصعيدية للتصدي للقانون ومنع نشره والعمل به، والضغط على الرئيس للتراجع عنه.

المستشار القانوني والفني لمركز "مساواة" إبراهيم البرغوثي قال لـ"قدس الإخبارية": "إن نشر القانون بعد أن صادق عليه الرئيس يعني كارثة وطنية وقانونية ودستورية ومساس بحرية وكرامة الفلسطيني"، مشيرا إلى أنه "اختراقا فاضحا لأحكام القانون الأساسي والاتفاقيات الدولية الموقعة، وانتهاك لاختصاص أصيل انيط بالمحاكم".

وبين البرغوثي أن القانون يجسيد النيابة العامة كسلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية، لتتحول إلى "نموذج لقيادة نظام شمولي بوليسي يهدد الأمان والاستقرار".

وعن اتخاذ هذا القرار في ظل الظروف التي يمر بها المجتمع الفلسطيني وبسرعة كبيرة، علق البرغوثي، "هذا سؤال يوجه لمن أعد هذا القانون، لأنه اتخذ لتحقيق مصالح أشخاص وجهات تتحكم بمقاليد السلطة في ظل غياب مبدأ الفصل بين السلطات وغياب المجلس التشريعي".

النيابة تدافع

وفي بيان للنيابة العامة الفلسطينية أصدرته ٢٥ نيسان تعليقا على المطالبات الحقوقية بعدم نشر القانون، أكد على تعديل قانون الإجراءات الجزائية الصادر بتاريخ ١٨نيسان، خاصة فيما يتعلق بإعطاء محكمة الموضوع_ أثناء نظر الدعوى والنيابة العامة أثناء التحقيق_ صلاحية إصدار أمر بمنع المتهم من مغادرة البلاد إذا اقتضت الضرورة ومقتضيات مصلحة التحقيق ذلك في الجنايات والجنح المعاقب عليها مدة لا تقل عن ستة أشهر.

وأشار البيان أن قرار القانون صدر بموافقة مجلس القضاء الأعلى، وقال: "كانت نصوص المنع من السفر جزءاً من مشروع قانون محكمة الجنايات الكبرى المحال للرئيس من مجلس الوزراء لإقراره"، نافيا أن يكون إجراء المنع من مغادرة البلاد يخالف المواثيق الدولية أو القانون الأساسي الفلسطيني بالخصوص.

وردا على الرفض الحقوقي للقانون وطريقة اتخاذه وما يمنحه من صلاحيات للنيابة العامة، قال البيان، "الأوامر القضائية وفق نص المادة 11/2 من القانون الاساسي الفلسطيني تمارسها النيابة العامة بصفتها شعبه من شعب السلطة القضائية، والقول بغير ذلك يتنافى مع القانون والفقه واجتهادات المحاكم...".

اختصاص المحاكم

من جهته، قال محمود الافرنجي منسق مجلس حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية: "إن كافة مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية تفاجأت من صدور تعديل قانون الإجراءات الجزائية، وكشف لـ قدس الإخبارية، عن أن هذه المواد كان منصوص عليها بقانون مشروع محكمة الجنايات الكبرى، وقد تم أخذه من المحكمة وعدل في قانون الإجراءات الجزائية، "واضح أنه يوجد وصاية للنيابة العامة لتأخذ هذه الصلاحية".

وأضاف، "يتوجب أن تبقى هذه الصلاحية لدى المحاكم المختصة وضمن قيود وضوابط كغير الإجراءات المقيدة لحقوق المواطن كإجراء التنصت والتوقيف"، مشيرا إلى أن إمكانية الطعن بالقرار أمام النائب العام ستكون صعبة ومعقدة على المواطن المستهدف بقرار منع السفر.

وطالب الافرنجي النيابة العامة والجهات الرسمية التي تقف وراء إصدار القانون، بالإعلان بشكل واضح وشفاف للمواطنين ما النية والتفسير لإصدار هذه التعديلات وخاصة في ظل الاحتلال وضرورة السعي لتعزيز صمود وكرامة الفلسطيني وليس وضع المزيد من الضوابط والقيود على تحركاته وحريته.

القفز عن التشريعي

أما المجلس التشريعي الذي تم حله منذ الانقسام الفلسطيني عام ٢٠٠٧ فلم يسمع أعضاؤه ونوابه عن القانون إلا من خلال وسائل الإعلام، فتقول النائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني خالدة جرار لـ"قدس الإخبارية"، "القانون سيء جدا ويتعارض مع القانون الأساسي وهكذا قانون لا يصدر إلا من قبل الأنظمة الديكتاتورية".

وأكدت جرار على أن كافة التشريعات والقوانين تتخذ بعيدا عن المجلس التشريعي ودون الرجوع إليه، "لا يوجد أي أهمية الآن للمجلس التشريعي" مشيرة إلى أن نواب التشريعي استطاعوا التصدي لبعض القوانين التي كان هناك محاولات لتشريعها كمشروع الضمان الاجتماعي الأخير إلا أنهم لم يستطيعوا إيقاف عدد كبير جدا من القوانين والتي أصدرت بذات الطريقة ويقدر عددها بأكثر من ١٢٠ قانون".

ويجمع كثيرون على أن توقيع الرئيس عباس على قانون التعديلات الجزائية وما تشمله من قانون منع السفر يأتي لتحقيق أهداف سياسية وأمنية لخدمة الاحتلال، وخاصة في ظل تصعيد الاحتلال من قرارات منع السفر التي اتخذها مؤخرا بحق الفلسطينيين.