عروبة عثمان وعمر زين الدين
بينما شهدت جامعات الضفة الغربية حراكاً انتخابياً واسعاً لاختيار الطلبة مجالسهم بصفة شرعية في الفترة الأخيرة، عاش طلبة معظم جامعات قطاع غزة حرماناً من هذه الأجواء التنافسية بين الأطر الطلابية المتنوعة، وخاصةً بين القطبين الأكبرين المتمثلين في "الشبيبة الفتحاوية" و"الكتلة الإسلامية" في جامعتي الأزهر والإسلامية التابعتين لحركتي "فتح" و"حماس".
ففي جامعة الأزهر، لم يذق الطلبة منذ حوالي 6 سنوات حلاوة طعم الانتخابات والتصويت لمن يرونه قادراً على مواجهة إدارة الجامعة إن أصدرت قراراً تعسفياً بحقهم، خاصةً على صعيد رفع الرسوم الدراسية وعدم مراعاة ظروف أهاليهم الاقتصادية، ليتخرج عدد كبير منهم دون أن يتواجد جسم طلابي حقيقي يدافع عن حقوقهم.
[caption id="attachment_11678" align="aligncenter" width="346"] احتفالات الكتلة الاسلامية في الجامعة الاسلامية[/caption]أما في الجامعة الإسلامية، فقد تبدو الصورة ورديةً للوهلة الأولى، فكان حدث الانتخابات داخل أسوارها في شهر مارس الماضي استثنائياً لدى طلبة الجامعة الذين لم يشهدوا انتخابات طلابية من قبل، لكن هذه الفرحة تبددت بعد انسحاب مجموعة لا بأس بها من الكتل الطلابية من المنافسة، واقتصارها على ثلاث قوائم انتخابية على رأسها "الكتلة الإسلامية".
تبادل للاتهامات بالمسؤولية
وتبادل القطبان الأكبران بالجامعات الفلسطينية الاتهامات حول عرقلة كلٍ منهما المسيرة الانتخابية في قطاع غزة، فالإدارة السياسية العليا لحركتي "فتح" و"حماس" تتحكم بالشأن الطلابي البحت، ولا تنفك عن إملاء بعض الشروط للموافقة على إرجاع الانتخابات إلى بوصلتها الصحيحة.
ويؤكد طاهر أبو زيد، مسؤول العلاقة الوطنية في الشبيبة الفتحاوية بغزة، أن الشبيبة لم تعرقل سير العملية الانتخابية في الماضي، ولن تقف بوجه إتمامها مستقبلاً، موضحاً حاجتهم الماسة لضمانات سياسية تفيد بعدم اعتقال أفراد الشبيبة أو ملاحقتهم في ظل سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة، ومنعهم من تنفيذ الأنشطة والفعاليات الطلابية داخل الجامعات.
وكان 13 إطاراً طلابياً جلسوا قبل حوالي شهر ونصف مع جميل المجدلاوي وجمال الخضري، لبحث إمكانية تنفيذ المبادرة التي طرحها كلٌ من الخضري والمجدلاوي، لحل أزمة انتخابات مجالس الطلبة في جامعات القطاع.
وبإجماع الأطر الطلابية التي تحدثت "شبكة قدس" معها، تم التوافق على 98% من بنود الاتفاق لتبقى قضية فتح مقرات الشبيبة العثرة الوحيدة التي تحول دون التوقيع على الاتفاق النهائي.
وتجمع "الكتلة الإسلامية" و"الرابطة الإسلامية" على أن الشبيبة الفتحاوية لا يحق لها مطالبة وزارة الداخلية في غزة بضمانات سياسية وأمنية تكفل حركة أفرادها وتنقلاتها، وذلك لرفضهما الخضوع لسيف أي حكومة أو أجهزة أمنية تقيّد عمل الانتخابات.
وترى وزارة الداخلية في غزة أن الشبيبة تتذرع بهذا المطلب لإفشال العملية الانتخابية، مشددةً على أن فتح المقرات ليس من اختصاصها الآن، خاصة أن المصالحة وصلت إلى طريق مسدود.
ونفت "الداخلية" ملاحقتها لأفراد الشبيبة وتقييد عملهم الطلابي في جامعات القطاع، على عكس ما تقوم به سلطة رام الله بحق كوادر الكتلة الإسلامية من ملاحقات واعتقالات مستمرة، على حد تعبيرها.
وعدَّ ممثل جبهة العمل الطلابي التقدمية في جامعة الأزهر، أحمد الطناني، أن الشبيبة الفتحاوية والكتلة الإسلامية مستفيدتان من تعطيل الانتخابات في جامعات القطاع، رغم قطع مسافة كبيرة في التوافق على المبادرة آنفة الذكر، وخصوصاً فيما يتعلق باعتماد نظام التمثيل النسبي في جامعات القطاع (نسبة الحسم 2%)، لضمان دخول الأطر الطلابية الأقل شعبيةً لمجلس الطلبة وعدم اقتصاره على إطار واحد.
وأوضح أن أغلب الأطر الطلابية قاطعت انتخابات الجامعة الإسلامية التي جرت في مارس الماضي، لعدم اعتمادها نظام التمثيل النسبي (2%) والاكتفاء بمشاركة حزب الأحرار وقائمة "العودة" للمستقلين، والكتلة الإسلامية التي حصلت على أغلب مقاعد مجلس الطلبة، بعد 6 سنوات من فوزها بالتزكية.
الشبيبة تطالب بضمانات
وبخصوص الضمانات السياسية التي طالبت الشبيبة بها، أكد الطناني تجاوز هذه الأزمة من خلال الاتفاق على تشكيل لجنة مشكلة من مؤسسات حقوقية وقادة فصائل العمل الوطني والإسلامي، لإلغاء العملية الانتخابية إذا رُصدت انتهاكات بحق الشبيبة الفتحاوية.
ويحمّل محمود العبسي، ممثل الشبيبة الفتحاوية في جامعة الأزهر، الكتلة الإسلامية مسؤولية تعطيل الانتخابات والوقوف بوجه أنشطة الشبيبة داخل جامعة الأزهر خصوصاً، مشيراً إلى تمزيق الكتلة عدداً من البوسترات لهذه الأنشطة واعتقاله شخصياً في نهاية مارس الماضي من قبل الأجهزة الأمنية في غزة على خلفية عمله الطلابي وإقامته فعاليات وطنية.
وزعم العبسي أن الكتلة الإسلامية ألحقت أضراراً جسيمة بممتلكات جامعة الأزهر تُقدر بـ 20.000 دولار، واعتدت على إدارة الجامعة والعاملين فيها، فضلاً عن قيامها بحملة مضايقات واسعة للشبيبة الفتحاوية، في محاولةٍ لبسط سيطرتها على الجامعة.
وبيّن العبسي أن الشبيبة جاهزة للتنازل عن شرط فتح مقراتها، إن كان هذا المطلب تعجيزياً، وسيوصل المبادرة المطروحة إلى طريق مسدود، بشرط عدم ملاحقة أفرادها وضمان تحركاتهم وتنقلاتهم بحرية تامة.
وحول مجلس طلبة جامعة الأزهر، يقول العبسي: "لسنا راضين عن هذا المجلس، كوننا غير قادرين على حل مشاكل كل الطلبة وتلبية احتياجاتهم، لكننا مضطرون للبقاء في المجلس بصفتنا الاعتبارية حتى إجراء الانتخابات القادمة".
وأبدى خلف خلف، ممثل الكتلة الإسلامية في جامعة الأزهر، استغرابه من وجود موظفين وخريجين في مجلس طلبة جامعة الأزهر، وأعضاء آخرين باتوا خارج حدود قطاع غزة، وكما أكد أن هؤلاء الأعضاء متواجدون في المجلس لمصالح شخصية وخاصة، وليس لمساعدة الطلبة وتمكينهم من مجابهة مشكلاتهم.
ويوجه خلف، عبر "شبكة قدس"، تساؤلات لمجلس طلبة جامعة الأزهر حول النجاحات التي حققها في سبيل خفض الرسوم الدراسية للطلبة التي أثقلت كاهلهم، ومنع الفصل التعسفي لبعض الطلبة في الجامعة، لافتاً إلى أن المجلس غير مطّلع أصلاً على هموم الطلبة ومشاكلهم داخل أسوار الأزهر.
ونوّه إلى أن إدارة الجامعة لا تعترف إلا بالشبيبة الفتحاوية كإطار طلابي داخل الجامعة، وتعتبر أفرادها فوق القانون، مستشهداً بذلك على أن 400 طالب من المقربين من الشبيبة وإدارة الجامعة تمكنوا من التسجيل للفصل الدراسي الحالي دون دفع رسوم 9 ساعات دراسية بشكل مسبق كباقي طلبة الجامعة، وكما زعم خلف أن أندية شبابية وأجساماً مشبوهة تموّل الشبيبة الفتحاوية داخل جامعة الأزهر، معلناً أن عمادة شؤون الطلبة بالجامعة غير مسؤولة وليست صاحبة قرار نهائي.
[caption id="attachment_11680" align="aligncenter" width="259"] جامعة الأزهر[/caption]وبيّن أن الشبيبة الفتحاوية تتعامل بالنفس التحريضية لا التنافسية مع الأطر الطلابية الأخرى في الجامعة، مدللاً على ذلك بتمزيق بوسترات الكتلة ومنعها أكثر من مرة من ممارسة حقها الطبيعي بتنفيذ أنشطتها وعملها المنوط بها، فضلاً عن تعرضه شخصياً للجان تحقيق بتهمة إدخال أسلحة للجامعة!
ويرفض سعيد الحاطوم، نائب رئيس الكتلة الإسلامية في فلسطين، الاتهامات الموجهة للكتلة الإسلامية بنيتها تعطيل الانتخابات، قائلاً: "الكتلة الإسلامية مصرّة على المشاركة في الانتخابات كافةً، كونها أكثر التنظيمات وجوداً وشعبيةً في قطاع غزة".
وأكد د.ماهر حولي، عميد شؤون الطلبة في الجامعة الإسلامية، أن بعض ممثلي الأطر الطلابية أكدوا خوضهم الانتخابات في الجامعة الإسلامية، حتى لو رفضت إداراتهم العليا السياسية ذلك، لكنهم سرعان ما تراجعوا عن قرارهم، معاتباً هذه الأطر لعدم مشاركتها في الانتخابات في ظل جوٍ من الحرية، على حد وصفه.
ونفى الحولي وضع إدارة الجامعة أي عراقيل من شأنها التضييق على بعض الأطر الطلابية من تنفيذ أنشطتها داخل الجامعة، مؤكداً حفاظ الجامعة على الوقوف على نفس المسافة بين الأطر الطلابية دون النظر للانتماءات والتنظيمات السياسية.
وحول الأزمة العالقة في جامعة الأزهر، اتهم الحاطوم سلطة رام الله بعرقلة إجراء الانتخابات في جامعة الأزهر، قائلاً: "إدارة جامعة الأزهر لا تمتلك قرار إجراء الانتخابات، فهذا القرار تمتلكه سلطة رام الله المعطّلة للانتخابات".
وترى إدارة جامعة الأزهر أن ادعاءات بعض الأطر الطلابية بخصوص مساهمتها في عرقلة المسيرة الانتخابية الطلابية عارية عن الصحة، مؤكدةً جاهزيتها التامة لإجراء الانتخابات حال توقيع الأطر الطلابية على اتفاق ٍ يضمن للجميع كامل حقوقهم.
جامعة الأقصى الأكثر تعقيداً
وذكرت كل الأطر الطلابية التي تواصلت "شبكة قدس" معها، أن أزمة مجلس الطلبة في جامعة الأقصى الحكومية الأكثر تعقيداً، وذلك لعدم معرفة هوية الجامعة إن كانت تابعة لحكومة رام الله أم حكومة غزة، مؤكدةً عدم وجود مجلس طلبة حالياً في الجامعة، حيث تتوكل عمادة شؤون الطلبة بالأمور الطلابية كافةً، لحين الاتفاق مع إدارة الجامعة على إجراء الانتخابات.
وينتظر الطلبة بشغف موعد اتفاق الأطر الطلابية، كي يتسنى لهم اختيار ممثليهم في جامعات القطاع للدفاع عن قضاياهم وتبني وجهات نظرهم وجسر الهوة بينهم وبين إدارة الجامعات.