شبكة قدس الإخبارية

مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات المحلية

عيسى الجعبري

اعتدنا في هذا الوطن على أن تشارك الحركات السياسية في كل الأنشطة المجتمعية، وخصوصًا تلك التي تحدث فيها انتخابات، وتأتي تلك المشاركة في الغالب الأعم بهدف إثبات الوجود، والسؤال الذي يجب طرحه بقوة: هل تعود هذه المشاركة بنتائج إيجابية على المجتمع أم بنتائج سلبية؟

فلنتحدث عن مشاركة تلك الحركات في انتخابات المجالس المحلية (البلديات والمجالس القروية) المزمع عقدها في الفترة القريبة القادمة، كمثال.

في البداية يجب الانتباه إلى أن هذه المجالس مؤسسات خدماتية، وليست هيئات سياسية، فهدفها الرئيس هو خدمة الناس وتحقيق مصالحهم، وليس إثبات وجهة نظر سياسية، ولكن ذلك لا يمنع بالطبع من أن تشارك فيها الحركات السياسية، ولكن بشرط ألا تنسى ولا تهمل الوظيفة الأساسية لتلك المجالس.

إن فكرة الفوز بأغلبية الأصوات في أي عملية انتخابية ثم التوقف عند ذلك ليست فكرة سديدة عندما يتعلق الأمر بهيئات يطلب منها تحقيق أهداف محددة، فالنجاح الحقيقي لأي حركة سياسية لا يتحقق بتحصيل أكبر عدد من المقاعد، وإنما يتحقق بـ (خدمة الناس) وتحقيق مصالحهم، وتحقيق مصالح الناس في هذه المجالس يتطلب تحقق شرطين في الفائزين بعضويتها، الأول منهما: الكفاءة والقدرة على الإدارة، والثاني: الأمانة ونظافة اليد، ذلك أن الأمين الضعيف سيفشل بسبب ضعفه، كما أن الإداريّ الفاسد سيعمل لمصلحته لا لمصلحة المجتمع.

إن مشاركة الحركات السياسية في الانتخابات المحلية يمكن أن تحقق فائدة كبيرة عندما تتوفر أجواءٌ من الحرية والشفافية والنزاهة والتنافس الحر للعملية الانتخابية؛ لأن ذلك يستنفر تلك الحركات لتقديم أفضل ما عندها من مرشحين لضمان الفوز في الانتخابات، والنجاح في تحقيق الإنجازات بعد الفوز، ويخفف من غلواء وتسلط العائلية والمناطقية.

ولكن يتوجب على تلك الحركات حتى تكون مشاركتها إيجابية أن تتصف بـ (بُعدِ النظر) و (تغليب المصلحة العامة)، إذ عندما يغيب بُعدُ النظر عن الأحزاب، ويكون اهتمامها بمصلحة الحزب أو الحركة مقدَّمًا على اهتمامها بمصلحة المجتمع فإنها تقدِّم الثقة على الكفاءة، سعيًا لتحقيق إنجازات آنية للحزب، وتنسى أنها بذلك تدمر المستقبل، مستقبلَها، ومستقبل المجتمع معًا.

نعم: الثقة مطلوبة، من وجهة نظر حزبية، لئلا ينقلب المرشحون على أهداف وبرنامج الحزب، ولكن الكفاءة ضرورية كذلك، وبدونها فقد ينجح الحزب في الحصول على المقاعد، ولكنه سيفشل في تحقيق الإنجاز وتطبيق البرنامج الذي فاز على أساسه.

أما عندما تغيب أجواء الحرية والنزاهة عن الانتخابات، بسبب ممارسة السلطة الحاكمة للقمع والتزوير وممارستها القمع والإرهاب فإن الحركات السياسية المعارضة، تكون في حال اضطهاد، ولا تستطيع – في الغالب – ترشيح أشخاص يتمتعون بالجمع بين صفتي (الثقة) الحزبية، و(الكفاءة) الأدائية، وذلك لأن الكثيرين من أصحاب الكفاءة والثقة من أبناء تلك الحركات سيعزفون عن خوض معركة الانتخابات، إما لأنهم يدركون أنهم لن يحققوا شيئًا في ظل التعسف والظلم، فيربؤون بأنفسهم عن خوض تجربة بلا طموح للإنجاز فيها، أو لأنهم ليسوا مستعدين لدفع الثمن.

وستكون النتيجة أن يتقدم للترشح في قوائم تلك الحركات (ثقات) من أهل الاستعداد للتضحية ودفع الثمن، وغالبًا ما تنقصهم الكفاءة، وهؤلاء قد يفوزون ولكنهم لن ينجزوا شيئًا ذا بال لمصلحة المجتمع، أو يتقدم باسمها مغامرون متطلعون للمناصب ساعون لتحقيق ذواتهم، ومشاركة هؤلاء ستعود في الغالب بالوبال على تلك الحركات، لأنهم ما أن يحققوا تطلعاتهم حتى يتبرؤوا من أصحاب الفضل عليهم بالوصول إلى ما هم فيه لئلا يُطالبوا – ولو أدبيًا – بمراعاة مواقف هؤلاء الداعمين الأولين لهم.

وبالتالي تصبح تلك الحركات المعارضة المضطهدة بين خيارات صعبة: فهي إما أن ترشح (ثقةً ضعيفًا)، قد يفوز ولكنه لن ينجح في تنفيذ البرنامج الانتخابي، أو ترشح (وصوليًّا قويًّا)، قد يفوز، وقد يحقق إنجازًا، ولكنه سيجيِّر ذلك لمصلحته الشخصية في النهاية، وسيتخلى عن الجهة التي دعمته وساعدته.

وهذا التشخيص للمشكلة تشخيصٌ (أغلبيّ)، وقد توجد استثناءات في بعض الحالات، فتجد تلك الحركات ثقات أكفاء تقدمهم للترشح.

هذا عن الأحزاب المعارضة، ولكن ماذا عن قوائم الحزب الحاكم، في حال غياب أجواء الحرية والنزاهة عن الانتخابات؟؟

إن النزاهة لا تغيب عن الانتخابات إلا لغيابها عن عموم المجتمع بسبب القمع، ووجود القمع يدلُّ على أن الطبقة الحاكمة طبقة (فاسدة) يسيطر فيها وعليها الفاسدون وأصحاب المصالح الذي يغتصبون الوطن، ولا يهتمون برأي المواطن، وهؤلاء هم الذين سيتحكمون في تشكيل القوائم الانتخابية التي يرشحها الحزب الحاكم، ولن يكون المرشحون في تلك القوائم إلا من هؤلاء الفاسدين أو من الضعفاء الذين يدورون في فلكهم، وهكذا تصبح مشاركة هذا الحزب سلبية تساهم في تقديم الفاسدين وتمليكهم مفاتيح التحكم في مفاصل المجتمع.

بينما لو كانت أجاء الحرية هي السائدة فإن الحزب الحاكم مضطر حينها إن أراد تحقيق الفوز وكسب الناخبين أن يقدم أفضل ما عنده ممن يحرصون على خدمة المجتمع.

ما أزعم أنه واقع الانتخابات في ظل أجواء الاستبداد والقهر هو أن سلبيات مشاركة الأحزاب السياسية أكبر بكثير من إيجابياتها، فما هو الحل لهذه المعضلة؟

الذي أراه أنه يجب أن يتقدم أكفياء مستقلون، لا يخلو بلد منهم، وإن كانوا قلة، وهم يتمتعون بتقديم مصلحة الوطن على مصالحهم.

عندما يحمل هؤلاء الراية فإنهم يقدمون البديل عن الأحزاب الحاكمة الفاسدة، والأحزاب المعارضة الضعيفة أو المضطهدة، فأين هؤلاء ليقرعوا الجرس؟، وأين هم لنعطيهم أصواتنا؟؟؟