شبكة قدس الإخبارية

أينما تكون بندقية التحرير يكون الوطن

سامر عطياني

يقول الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".

ويقول حكيم الثورة الفلسطينية الدكتور جورج حبش "المثقف غير الواعي سياسيا كأنما يصوب البندقية نحو صدره".

استنبط الزعيمان الراحلان –اتفقنا معهما أو اختلفنا- مقولتيهما من نضال عايشاه لسنوات وسنوات، وهي ناتج عن عمل ثقافي ثوري تراكمي مسنود بتجربة عملية امتدت على مدار سنوات قاتلا فيها العدو الصهيوني والامبريالية العالمية على كافة الصعد السياسية والعسكرية.

السياسية من خلال مواجهة الآلة الإعلامية والسياسية للكيان الصهيوني، وقدرته على استقطاب أقطاب العالم ودوله العظمى من خلال اللوبيات الصهيونية المنتشرة في أمريكا وأوروبا والضغط على الحكومات الغربية، مما شكل حالة إسناد له في عصبة الأمم ومن بعدها في الأمم المتحدة.

وعسكريا عن طريق المواجهة المسلحة والاشتباك مع العدو الصهيوني في الأرض المحتلة أو خلف العدو في كل مكان كما قال وفعل الشهيد وديع حداد وقام بتصعيد الثورة الفلسطينية لتصل إلى مرحلة خطف الطائرات الصهيونية والبريطانية والألمانية مما جعل أنظار العالم كلها تتجه نحو الأرض المحتلة وتسمع صرخة شعبه المكلوم والمظلوم والمهجر.

ولكن من هنا يبرز السؤال، هؤلاء كانوا قادة كبار، نحن كشعوب بسيطة إلى ماذا وصلنا؟ والى أي القناعات امتدت ثقافتنا؟

نستطيع القول إننا كلنا مدفوعون بالحمية والغيرة والوطنية، وكلنا يرى الطريق نحو الحرية والتحرر حسب اعتقاده الخاص ووجهة نظره التي شكلها من قناعات رسخت في دماغه بطريقة أو بأخرى.

قد تكون تلك القناعات قد تشكلت نتيجة قراءة عميقة وثقافة واسعة، مما أتاح لك أفقا واسعة من المعرفة تمكنك من استغلالها وتوظيفها لزيادة قدرتك على التفكير والتحليل والاعتماد على الحقائق المثبتة والوقائع المبرهنة بالدليل وبالتالي الوصول للقناعة الأقرب للصحة والدقة.

أو قد تكون ناتجة سمعيا من الوسائل المرئية والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يعني تبنيك لرواية الطرف الذي تستمع إليه في حال عدم إصغائك لوجه النظر الأخرى وتحكيم العقل فيما بينهما دون إغفال النظر إلى الأدلة الواقعية والملموسة وهي الجزء الأساسي والأهم الذي يسندك في اتخاذ القرار الصحيح ومسيرك في طريقك.

وفي حالة أخرى قد تكون نتاج ما سمعته من آخرين، وتختلف هذه النقطة عن التي سبقتها في إنها غير مسنودة "في الأغلب" على دلائل مادية حقيقة ويكون مصدرها ومرجعها الأولى والأخيرة -على الأغلب أيضا- قالوا لي، وفي أحيان أخرى على روايات شهود عيان قد يكذبوا أو يصدقوا القول، ومن المحتمل أن يكون هؤلاء الشهود قد تبنوا وجهة نظر معينة قد تؤثر سلبا عليك في اتخاذ قرارك الصحيح، ومن هنا نتذكر المقولة الشعبية "لا تصدق نصف ما ترى وثلثي ما تسمع"،

ولكن في كل الحالات المذكورة أعلاه يجب أن نتذكر دائما أنها اجتهادات شخصية بشرية تحتمل وجهة النظر فيها الصواب والخطأ، وتبقى خاضعة للنقاش والنقد والتعديل والتغيير بما يتناسب والقضية التي تناضل من أجلها طالما أنها ليست من الحقائق العلمية الثابتة والمسلمات الإلهية الواردة في المرجعيات الدينية.

ومن هذا المنطلق تبقى مقولة الدكتور جورج حبش مرجعية أساسية في تعاملنا مع العدو إلى حين ظهور ما يدحضها ويفندها وظهور أسلوب أكثر نجاعة في المقاومة والتحرير وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس كاملة غير منقوصة حبة تراب واحدة.

تبقى ناجحة في أن على كل مقاتل يجب أن يكون مثقفا وواعيا سياسيا ليصبح قادرا على إدراك ما يدور من حوله وتحليل الأحداث بشكل صحيح وسليم مما ينقذه ويساعده في اتخاذ قرارات التصعيد بالاشتباك أو التهدئة لحين لملة صفوف المقاتلين، كما بلورها الشهيد باسل الأعرج بمقولته "بدك تكون مثقف، بدك تكون مشتبك، ما بدك تشتبك لا فيك ولا بثقافتك" وطبقها عمليا في أسطورة استشهاده.

بالتالي، وفي واقعنا الفلسطيني الحالي والمتأثر بكل الظروف المحيطة به من كل حدب وصوب، يبقى الطريق الوحيد للوصول إلى الوطن، بندقية ثائر حملها على كتفه ومضى يبحث عن وطن، فالعدو المسنود بقوى الامبريالية العالمية الهادفة لسرقة بلادنا، بالإضافة إلى غياب الرادع الداخلي الفلسطيني المشتبك، وفي ظل التدهور الثقافي الحالي سواء في المدارس أو الجامعات وعدم القدرة على استيعاب الطرف الآخر في أي نقاش وحوار، سيبقى العدو متغطرسا يقتلنا عند كل حجر ومضر، وسيظل يبنى مغتصباته فوق أحلامنا وطموحاتنا ويبقى يتمدد على حساب دماء الشهداء التي روت الأرض الطاهرة بطهرها فزادتها طهارة، فمن وضع يده في يد قاتل دلال المغربي "من أجل السلام كما يدعي" لن يبني لنا الوطن الذي ننشده.

فأينما تكون بندقية التحرير الثائرة يكون الوطن.