ملاحظة: أرجو من الفتحاويين عدم توظيف هذا المقال، للتدليل على حرية الرأي والتعبير لدى حكومة رام الله، فحكومة رام الله أولى عناوين تكميم الأفواه. الحكومتان متشابهتان جداً!
حينما تشبك الفتاة الفلسطينية يديها بيد أخيها الفلسطيني لتقديم عرض فلكلوري أو دبكة شعبية، فهي ليست بكافرة أو منحلة، إنما العقل الذي يجد في المرأة فتنةً وعورةً في صوتها وصورتها، فهو أكثر من كونه كافراً أو منحلاً.. لربما لا أبالغ حينما أصفه بالفاجر، يكفر بالثقافة والفن، والمرأة والرجل في آن واحد.. يكفر بفلسطين التي لم تخصص الدبكة الشعبية للذكر، ولم تختر مؤديها من جنس واحد.
هو عقلٌ يخشى أن تظهر المرأة بصورتها الطبيعية والعفوية وهي تحوّل ما بداخلها من حب وحنين لتراثها وأرضها إلى حركات فنية تجسدها على خشبة المسرح بيديها وقدميها، مفجرةً ثورةً في عالم الدبكة الشعبية. هو عقلٌ يجهل أن صفة الدبكة الأولى هي "الشعبية"، فلم تكن يوماً الدبكة "الذكورية" أو الأنثوية"، ناسياً أن لا شعب على هذه الأرض بنيته الذكر دون الأنثى أو الأنثى دون الذكر.
هو عقلٌ يبرر منعه للأنثى التي تربطها علاقة حب تبادلية مع الدبكة من أدائها على خشبة أي مسرح في قطاع غزة المحاصر- وضع خطين أيها القارئ تحت كلمة "المحاصر"- بحجة المحافظة والغيرة على عرض المرأة وشرفها وعفتها وطهارتها، فالشرف عند هذا العقل يتلخص في حوض المرأة ويديها اللتين تتراقصان على أنغام "يا زريف الطول" و"دلعونا"!
شرف المرأة يذهب حينما تخبط قدميها- بكل قوة- على خشبة المسرح وتلّوح بيديها، لكنه لا يذهب حينما يُفقِد هذا العقل الدبكة الشعبية إحدى عناصرها البشرية الهامة، ويضرب أطفالاً لا يتجاوزون الخمسة عشر عاماً، لمخالفتهم لباسه وقصات شعره!
هو عقلٌ نسي أن طهارته ذهبت حينما صافح الأمير القطري المشارك في غزو العراق وقتل أهلها، وكرامته ضاعت حينما أمر باعتقال معدمي مجسم سموه.. فقط لأن سموه ضخّ ملايين الدولارات في جيبته، وتذّكر فقط ذهاب طهارة المرأة بمجرد وضع يديها في يد أخيها لإكمال اللوحة الفتية التراثية من الدبكة الشعبية!
هو عقلٌ تناسى سحلانه وهبوط تفكيره، فوظّف حواسه الخمس في ملاحقة مراهقٍ مرتدٍ بنطالاً ساحلاً ومواطنٍ بسيط، بالكاد يحصل على قوت يومه من بسطة بيع الملابس النسائية الخادشة للحياء بنظره! فالملابس النسائية تخدش حياء الآدمي، بينما عودة هذا المواطن البسيط إلى أسرته دون كسرة خبز لتغلق الأفواه المفتوحة إلى السماء لا تخدش الحياء بالمطلق!
إن المرأة تسيطر على عقله حتى يتمكن بالنهاية من السيطرة على عقلها وإلباسها ثوبه، فإن خرجت عن ثوبه عوقبت بالجلد، فبات لسانه يجلدها ويقذفها ليلَ نهار. هو يحب فقط نماذج النساء المتواجدات في وزارة شؤون المرأة العاملة بأي أمر يخطر على بالك عدا النساء! وزارة فارغة من امرأة حقيقية تشارك النساء المهمشات همومهن، فلا تذهب إلى مناطق سكنهن الحدودية النائية لترى عن كثب قبورهن في الحياة!
صوتٌ أراد أن يحرر المرأة من الغرب وبلاد الكفر ويجعلها تحت إبطه، فالرجال قوامون على النساء، ولا خير في قومٍ ولوا أمرهم امرأة! لا أعرف لمَ تعترضون على من يحب السترة والحشمة للمرأة، فهي حين ترتدي ما يسمى بالزي الشرعي (الجلباب) تتوّج كملكة جمال العالم ويخرج النور من وجهها، على عكس غير الملتزمة بهذا الزي، فيسوّد الله وجهها!
عزيزي القارئ، أتفضل أن تشتري حلوى مكشوفة تكون قبلةَ الذباب، أم مغطاة صعبة المنال؟ بالتأكيد، لن تفكر كثيراً حتى تختار الحلوى المغطاة لتضمن صحتك وحياتك. بالطبع، غير المحجبة في غزة لا يمكن إلا أن تسمع هذا المثال الرديء شكلاً ومضموناً، في محاولة حثيثة لاستفزازها ودفعها لارتداء الحجاب قسراً.هذه إشارة بسيطة لمعظم المبررات التي يسوقها هذا العقل لمنع مشاركة النساء في المارثون أو الدبكة الشعبية.
جميعنا يعلم أن غزة محاصرة وبشدة، فهي تئن من حصار خانق أرداها قتيلة وجعلها خاوية لا من السلع والبضائع الغذائية، بل من زاد أهم يدوم ما بقي الإنسان حياً، ويُحيي الإنسان ما لم ينفذ هذا الزاد.. زاد لا مثيل له عنوانه الأغنية والكتاب. ذاك العقل لا يعرف أن هناك بشراً لا ينبض قبلهم ولا يعمل عقلهم دون سماع الموسيقى الفاسقة التي تقودهم إلى النار!
باختصار، العقل موضوع المقال غير مستور، فعورته ظاهرة للعيان يراها الجميع دون استثناء، فلا يمكنهم غض بصرهم عنها، لأنهم مرغمون على إبصارها.. مرغمون على ملامسة قانون التعليم الجديد.. مرغمون على تأنيث مدارس الفتيات.. مرغمون على الاستمتاع فقط بالأناشيد الإسلامية في الاحتفالات الثقافية.. مرغمون على الاستماع لفتاوى ناشزة تحرّم التصويت لعساف، ولا تجرّم التنسيق الأمني والانقسام والاعتقالات السياسية.. مرغمون على كل ذلك ما دمنا نشكو من حكومتي رام الله وغزة دون أن نثور على تصرفاتهما الكريهة. نستحق كل ما يجري لنا.. نستحق الضرب والسجن والسحل والشبح!