القدس المحتلة - خاص قدس الإخبارية: "حتى لما أكبر رح أضل كاعد هون فوق روس اليهود وأضل أجاكر فيهم"، هكذا عبر الفتى عيسى عما سيبقى يفعله اليوم وغدا في جولات الدفاع عما تبقى من الخاصرة الغربية للقدس قرية "النبي صموئيل".
تعيش هذه القرية التي تقع شمال غربي القدس المحتلة، اليوم حالة غريبة ليست تعيشها الكثير من القرى الفلسطينية، فمنذ احتلالها عام 1967 ولا تزال ممارسات الاحتلال تضيق على أهلها وتخنقهم في كل أمور حياتهم، حتى وصل عدد سكانها اليوم إلى 250 شخصا فقط، حيث اضطر العشرات من أبناء القرية لتركها إلى السكن في أماكن أخرى يستطيعون فيها الحركة وإدخال الطعام والمواد التموينية على الأقل بعكس ما يجري في قريتهم.
عزل عن محيطها
عزل الاحتلال قرية النبي صموئيل عن محيطها كقرى بيت حنينا وبيت إكسا والجيب وبيرنبالا منذ إقامة جدار الضم والتوسع حولها عام 2007، وصنفتها منطقة "ج" لتكون كغيرها من هذه المناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة ولا تستطيع السلطة الفلسطينية دخولها إلا بتنسيق مع الاحتلال، ولكن الفارق في قرية النبي صموئيل هو أن الطريق بينها وبين مدينة القدس مفتوح تماما، ومع هذا يحرم أهلها من دخول القدس ويعاقبون بالغرامة أو بسجن قد يصل أحياناً لسبعة أشهر في حال دخولها.
ليس هذا فقط بل يحرم حتى أهل القرى المجاروة من حملة هوية الضفة الغربية دخول النبي صموئيل، لتصبح بذلك قرية معزولة عن كل القرى ولا يسمح لأي أحد دخولها إلا السكان الأصليين المسجلة أسماؤهم على حاجز الجيب كمقيمين في القرية.
الأكل ممنوع
ولا يقتصر الأمر على منع الأهالي من حملة هوية الضفة دخول القرية، بل يتفنن الاحتلال في تشديد الخناق على أهلها، حيث يشكل حاجز الجيب المقام على مدخل القرية كابوساً لسكانها، فهم ممنوعون من إدخال المواد التموينية أو حتى الأدوات المنزلية التي يحتاجونها إلا بتنسيق مسبق بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، يقول لنا عيسى أنهم وفي أحد المرات احتجزوا الباص الذي ينقلهم من وإلى المدرسة لأنهم وجدوا فيه "طبق بيض"، وبعد احتجازهم لأكثر من 3 ساعات وتفتيشهم بالكامل تم إطلاق سراحهم بعد أن "صادروا طبق البيض وقاموا بتكسيره".
وعدا عن المواد التموينية، يمنعهم الاحتلال من البناء وتتجدد لديهم حالات الهدم كل عام، كان آخرها هدم غرفة صغيرة تم بناؤها في القرية لعقد الاجتماعات والاحتفالات الصغيرة لجمعية نسوية النبي صموئيل، والحجة الموجودة دائماً أن الاحتلال أعلن القرية "منتزهاً وطنياً" عام 1995، وبناءً على ذلك يمنع البناء في المنطقة أو إضافة حتى حظيرة صغيرة للاغنام أو بيتاً للدجاج.
وتضم القرية مدرسة ابتدائية صغيرة تتكون من غرفة واحدة، ولا تتسع إلا لـ15 طالبا فقط من أصل خمسين طالبا في القرية، مما يضطر أهالي القرية لإرسال أولادهم إلى مدارس القرى المجاورة متحملين بذلك كل يوم التفتيش على الحاجز ومزاج الجندي للسماح لهم بالمرور.
أما على الصعيد الطبي، تخلو القرية من أي مركز صحي أو حتى سيارة إسعاف، ويقتصر الأمر فقط على مرور لجنة طبية كل أسبوع أو اثنين، أما في حالات الطوارئ والإصابات اليومية يتأخر الإسعاف بالساعات أحيانا حتى يحصل على تنسيق وموافقة لدخول القرية ونقل المريض.
وهو ما حصل مع أحد الشبان بعد سقوطه من حافة عالية في القرية، تقول لنا نوال بركات رئيسة جمعية "نسوية النبي صموئيل" إن الإسعاف تاخر كثيرا في المجيء لنقله بسبب تأخر وصول الموافقة على دخوله، وبعد ساعات تمّ نقل الشاب للمشفى إلا انه توفي نتيجة التأخر في التدخل وتدهور حالته الصحية.
كنيس أسفل مسجد
وتضيف بركات أن الاحتلال حوّل جزءا من مسجد القرية إلى كنيس لليهود يأتون إليه يوميا، حيث يعتقدون أن القبر الموجود أسفل المسجد هو قبر النبي صموئيل، وبناء عليه تزداد تضييقات الاحتلال على السكان خلال الاعياد اليهودية فيتم إغلاق القرية بالكامل ويمنعون من الدخول إليها أو الخروج منها، عدا عن استفزازات المستوطنين للسكان ببعض الأفعال المشينة كالسكر وإزعاجهم ليلا عبر الغناء والدوران بسياراتهم داخل القرية وحول بيوتهم.
وينهي عيسى حديثه قائلاً: "حتى لو بخنقونا رح نضل فيها، وما منتركلهم ياها لو شو ما صار".
معركة صامتة تدور حول أبسط مقومات الحياة وحقوقها بين أهالي النبي صموئيل وبين سلطات الاحتلال، ينتصر فيها الاحتلال بقهر السكان وجعل حياتهم أصعب، ويخسر فيها من جهة أخرى بصمودهم وتشبثهم بأرضهم التي تشهد كل يوم على معاناتهم، ويبقى السؤال متى ستحسم هذا المعركة؟!.