عاد دحلان المفصول من حركة فتح بقرار من رئيس الحركة محمود عباس إلى المشهد السياسي الفلسطيني بقوة خلال الأسابيع الأخيرة الماضية؛ من خلال بوابة قطاع غزة حيث نظم في القطاع مظاهرة مناهضة لرئيس السلطة محمود عباس بعد مشاركة الأخير في جنازة بيريز، وكذلك قام بتنظيم مؤتمر شارك فيه عشرات من قيادات تنظيم فتح وكوادرها من المحسوبين عليه، وقد احتضنت مصر هذا المؤتمر بالإضافة إلى أنشطة أخرى تقوم بها زوجته في غزة عبر المؤسسات الأهلية.
كان مقابل هذه المساحة التي أعطتها "حماس" لدحلان في غزة فتح معبر رفح لأيام وحديث عن تسهيلات أخرى في هذا الجانب؛ حيث بدا دحلان كما لو كان هو المتحكم في هذه البوابة التي يحتاجها سكان القطاع لأغراض إنسانية وحياتية كثيرة، ومن المؤسف أو المخزي أنها لاتزال تخضع لحسابات المكاسب السياسية لا المصلحة العامة لسكان القطاع المحاصرين، لأنهم بدونها أشبه ما يكونون في سجن.
جوهر الخلاف الحالي يدور حول وريث عباس في مناصبه المختلفة وهو ما يطمح إليه دحلان.
يشتد الخلاف بين عباس ودحلان في هذه الفترة مع اقتراب انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح، وهو أهم مؤتمر للحركة، ويتم من خلاله انتخاب الأطر القيادية والشخصيات التي تتولى قيادة الحركة، ونتائجه شبه معروفة قبيل انعقاده في التاسع والعشرين من الشهر القادم حسب ما هو مخطط، حيث إن التسريبات تُشير إلى أنه يتم العمل من أجل أن تسير نتائج المؤتمر إلى إعادة تجديد الولاء لمحمود عباس وتمكين المحسوبين عليه على حساب إقصاء دحلان والمقربين منه.
وهذا السبب الأساسي خلف تصعيد دحلان الأخير ويتضح أن الخلاف بينهما بلغ ذروته وهو خلاف شخصي لا أكثر، فهما متقاربان في البرنامج السياسي سوى من بعض التفاصيل وطريقة التقديم، ولا يبدو في الأفق ملامح مصالحة بينهما بعد أن فشلت الجهود الإقليمية التي رعتها مصر والأردن ودول أخرى قبل شهور قليلة وجوهر الخلاف الحالي يدور حول وريث عباس في مناصبه المختلفة وهو ما يطمح إليه دحلان.
لكن هذا الطموح يصطدم بالكثير من العقبات؛ وهي سيطرة حماس الكاملة على غزة وسيطرة تيار عباس على مفاصل فتح والسلطة بشكل شبه تام في الضفة مع الاعتبارات الاجتماعية ذات البعد الجغرافي التي قد تكون موجودة، لذلك مهما حقق من اختراقات سياسية يبقى الواقع الميداني على الأرض سدًا منيعًا في وجهه في حال لم يصل إلى شراكة حكم مع أحد الأطراف الموجودة وهو ما يبدو شبه مستحيل هذه الأيام، وأي تفكير بخيارات أخرى غير مشروعة سيكون لها تأثيرات سيئة وفيها مخاطرات كبيرة قد تسفر عن انتحار سياسي إن فشلت خصوصًا إن ظهر انحياز من الاحتلال له سواء سياسي أو ميداني، فالاحتلال الآن شبه محايد في الموقف من الصراع بين دحلان وعباس ولكن قد يكون هذا الحياد إيجابيا لصالح دحلان إن رضي بخطوات دحلان الاقتصادية القادمة.
يستغل دحلان مساحات الإهمال التي تعيشها المخيمات الفلسطينية في الخارج أو الضفة نتيجة غياب الدور الرسمي للسلطة والمؤسساتي في تلك المناطق المهمشة؛ ليصنع لنفسه نفوذا.
إلا أن غزة تعتبر نقطة الارتكاز الأهم لدى دحلان خصوصًا في ظل تنامي شعبيته في أوساط كوادر فتح الشابة التي تنظر إليه كما لو كان منقذ في ظل انسداد الأفق السياسي الفلسطيني، فهو جاء شابًا في فترة عجوز يستطيع تقديم شيء للقطاع من خلال اعتماده على مصر سياسيًا والإمارات ماليًا مع شبه تخلٍ كامل من السلطة عن التزاماتها تجاه القطاع، وعدم قيامها بأي دور فعلي من شأنه كسر الحصار أو تخفيفه، ومن الجيد النظر إلى هذه الأطراف إلى أنها تعمل ضمن حسابات سياسية لا على أنها جمعيات خيرية.
لعل عنوان المقال متعلق بشكلٍ أكبر بخطوات دحلان القادمة والتي ظهر منها أنه يسعى لتحويل معبر رفح البري إلى معبر تجاري، الأمر الذي سيعود بالنفع على الاقتصاد المصري ويوفر له بعض الدعامات بالإضافة إلى فوائد كبيرة لسكان القطاع المحاصر، وهذا يعني - بشكل أو آخر - انقلابا اقتصاديا على السلطة يؤثر في موازناتها السنوية ويؤدي إلى عجز كبير جدًا من الصعب تلافيه، خصوصًا في ظل الحديث عن أزمات اقتصادية تلوح في الأفق بسبب توقف أو تأخر الدعم السعودي للسلطة المقدر بحوالي ٢٠ مليون دولار شهريًا وتوقف المساعدات البريطانية المقررة للسلطة والتي تقدر بمبلغ ١٧٣ مليون دولار سنويًا الأمر الذي سيزيد نسبة العجز في موازنة عام ٢٠١٦ بمقدار ١٠٪ تقريبًا مع انخفاض إجمالي في حجم المنح الدولية المقدمة للسلطة.
فتحويل معبر رفح إلى معبر تجاري يؤثر على الأموال التي تعود على السلطة من الاحتلال بعد جبايته الضرائب والجمارك من بضائع الفلسطينيين المارة عبر المعابر التي يسيطر عليها، وهذه العوائد تمثل ما يقرب من ٧٠٪ من إجمالي الإيرادات التي تحصل عليها السلطة ونسبة ما يتم جبايته عبر معابر قطاع غزة من أموال المقاصة من ٤٠ - ٥٠ بالمائة بمبلغ يتراوح حسب التقارير ما بين ٧٠ إلى ٨٠ مليون دولار شهريًا.
إن لم يقدم عباس هذه المرة حلولا جذرية لمشاكل القطاع ولم يتخلَ عن سلطاته المطلقة من أجل مصالحة حقيقية؛ فسيخرج صفر اليدين.
مما يعني أنه إذا تم تحويل معبر رفح البري إلى معبر تجاري ستخسر السلطة هذه العوائد لأن "إدارة حماس" هي من تسيطر على المعبر من الجانب الفلسطيني، واتفاقية باريس التي تلزم الاحتلال بتسليم عوائد المقاصة للسلطة لا تلزم السلطات المصرية، لذلك فإن العجز في موازنة السلطة قد يصل إلى أكثر من ٤٠٪ وهذا تهديد استراتيجي لقوة السلطة قد يتنامى مع عوامل أخرى ليشكل تهديدا وجوديا وفي المقابل تبدو هذه الأمور مغرية للأطراف الثلاثة:
- دحلان الذي يريد تحسين حضوره ووجوده وكسر عباس.
- مصر التي بحاجة إلى موارد من شأنها إنعاش اقتصادها الهش.
- حماس التي تدير القطاع وبحاجة للتخفيف عن سكانه وموارد تساعدها على تغطية النفقات الحكومية.
والحديث يدور عن سفر ١٠٠ رجل أعمال من غزة للحديث مع الجهات المصرية حول فكرة التبادل التجاري من خلال معبر رفح، وأنباء تنفي بوجود خطة لتطوير معبر رفح من الجانب المصري.
يبدو أن عباس أمام امتحان مصيري لذلك يسارع الخطى نحو تركيا وقطر للتدخل من أجل عرقلة هكذا خطوات بالضغط على حماس، غير أن عباس هذه المرة إن لم يقدم حلولا جذرية لمشاكل القطاع ولم يتخلَ عن سلطاته المطلقة من أجل مصالحة حقيقية؛ فسيخرج صفر اليدين ذلك أن المكاسب العائدة على القطاع من خلال خطوات دحلان أجدى للناس ولحماس.
ولا ينقذه هنا ولا مخرج عام إلا بخطوات ملموسة وحقيقية، وأعتقد أن من بينها إنشاء حكومة وحدة على أساس الشراكة الكاملة، ودعم حق غزة في رفع الحصار وأن يكون لديها مطار وميناء، وأن يقف مسافة واحدة مع موظفي غزة والضفة باختلاف توجهاتهم وأن يبرهن على ذلك بخطوات ملموسة، وإلا فإن الأداة التي استخدمها لقمع معارضيه وهي الرواتب والمال ستستخدم في قمعه وتأليب الناس ضده.
وإن حدث الأمر ولم يتم تدارك الموقف بحكمة؛ ستتأثر السلطة بأزمة مالية حادة سيكون لها أثر سلبي على الموظفين والناس؛ وهنا سيدفع الشعب مرة أخرى ثمن الانقسامات والمصالح الضيقة، ولا مخرج سوى بشراكة وطنية تعلي من شأن الوطن والمواطنين والثوابت الوطنية.