شبكة قدس الإخبارية

بلال الكايد.. بلال القائد

عزة العزة

الزمان: 2006.. المكان: سجن ريمون/نفحة الصحراوي

هناك حيث يأخذنا الجنود، هناك في بقعة من الوطن لا نحب ان ننتمي لها، تعرفت إلى الرفيق بلال الانسان، ذلك الشاب العشريني الذي يشتعل حماسا وقوة وعطاء.

كنت استلقي على البرش (السرير) اقرأ احدى المجلات للمره الثانية او الثالثة، فالسجن كان حديثا والكتب شحيحة او حتى معدومة، حين وصلت البوسطة (سيارة نقل الاسرى)، بدأت حينها اسمع اسم بلال من الاسرى الاخرين الذين عرفوا بلال مسبقا، وقد شعرت بارتياح حين نظر الى احدهم وقال: "ابو شادي (هكذا نادوني في المعتقل) لقد وصل بلال، الان ستصلك الكتب التي كنت تبحث عنها".

وما بين وصول بلال الى السجن واجراءات دخول الغرفة سمعت ما يكفي لرسم صورة ما في راسي لبلال، وتوالت اسماء الواصلين، ووصل معه الرفيق كميل والرفيق نادر السامري. تبادل الاسرى التحايا والسلامات، وانا ارقب المشهد وعيوني على حقائبهم التي لم تكن تتسع لاشياء كثيرة، وحين افرغوها لم يكن فيها سوى الكتب تقريبا.

بعد يومين او ثلاث تعارفنا جيدا، اقصد انا وبلال وفهمت ان نقلهم الى سجن في اقصى الجنوب كان عقابا احتلاليا ، لهم ولذويهم . عرفتهم على نفسي اني معلم مدرسة ، وكان نادر وكميل يحمل كل منهم شاهدة عليا بسة مؤبدات لكل منهم وشاهدة ماجستير في علم الاجتماع . وصمت بلال كعادته ولم اعرف عنه الكثير وقتها.

كنت قد قضيت اسبوعين في هذا السجن قبل وصوله، وبقي امامي ما يقارب الشهرين لاعود للبيت من فترة حكمي التي تقترب من عام ونصف، وانا على مشارف الدخول في العقد الرابع من عمري، ومن اكبر الاسرى في القسم سنا، واكثرهم شيبا واقلهم حكما.

في اليوم الثالث لوصول بلال طلب من الرفاق عقد اجتماع، جلسنا وكان الرفيق حمدي، وهو عضو لجنة نضالية (قيادية) في المعتقل يقود الاجتماع، وقد امضى في المعتقل من عمر ما يملك بلال من عمره كاملا. افتتح الاجتماع ومن ثم طلب من الرفيق بلال الحديث، كان الرفيق بلال قد امضى خمس سنوات في المعتقلات وهو مثقف وقارئ بامتياز، قسمات وجهه الحادة والجادة والصارمة لا جدال فيها، كما اظهر صفة اخرى في الاجتماع وهي البلاغة والفصاحة الكلامية.

في ذلك الاجتماع ظهرت سمات القيادة جلية من بلال امامي حين اصدر قرارا بانتظام الجلسات التنظيمية والثقافية في غرف الرفاق التي كانت معلقه لحداثة المعتقل، ثم أكمل: ثلاث جلسات يوميا، النظام الداخلي للرفيق فلان وفلان لانهم حديثي التجربة الاعتقالية، جلسة ثانية في القضية الفلسطينية للجميع، وجلسه ثالثة ثقافية وهي اختيارية.

كنت أجلس وأراقب، شعرت بتململ من بعض الرفاق وانتابني شعور بالغبطة لاني سأكون مفيدا سواء في الجلسات الثقافية، أو في ممارسة دور المعلم الذي سيرشد ذلك الشاب المتحمس بلال عن حالة التململ التي لاحظت من بعض الرفاق.

لم يمنحني الرفيق بلال الفرصة، فنظر إلى الرفيق حمدي، قائد مجموعة "النسر الاحمر" في غزة، وقال: "من أمضى أكثر من 18 عاما في السجن معفي من الجلسات، وتكون مشاركته اختيارية، وأتمنى أن نستفيد من خبراتكم وتشاركونا، فظهرت ابتسامة ارتياح على وجه الرفاق الخمسه مجموعة حمدي، وابتسامة القائد الفذ رسمت على وجه بلال القائد القادر على فرض النظام والقوانين والحفاظ على جنوده حوله".

حدقت النظر كثيرا في هذا الشاب المحكوم (15 عاما) واصغر الرفاق سنا، نصف الرفاق كانوا قد أمضوا في المعتقل أكثر من فترة محكوميته، وجميع الرفاق العشرين في المعتقل باستثنائي حكمهم ما بين مؤبد وستة مؤبدات، اي عشرات اضعاف حكمه، وأنا اتساءل: "من أين يأتي بهكذا شجاعة وقوة ويفرض نفسه قائدا؟! أم أنه قائد بالفطرة!".

توجه نحوي قائلا: "الاستاذ ابو شادي، جلسة النظام الداخلي؛ أنت لا بد ان مررت عليها في تجاربك الاعتقالية السابقة. اجبت بسرعة قبل عشرين عاما، فأكمل: انا حينها كنت طفلا، انت معفي من جلسة النظام الداخلي ولا شك اننا سنستفيد اذا ما شاركتنا في الجلسات الثقافية". وهكذا اعطاني تكليفا مؤدبا.

امام اعجابي بشخص القائد في بلال الشاب اليافع وقدرته القيادية، فرضت على نفسي المشاركه في جميع الجلسات، وقد أدارها هو جميعها بجدارة. وبعد اسبوع كنت معه في جلسة رابعة خاصة، كان يدرسني اللغة العبرية التي أتقنَها في المعتقل، فأصبحت طالبا وهو معلم. وفي بعض الاحيان كنا نقرا معا ما كتب من خواطر. نعم للرفيق بلال عشرات المواقف البطولية والانسانية التي ان سمعتموها فصدقوها، فهو انسان وقائد صلب مثقف مقدام معطاء.

لك المجد والحرية ايها الرفيق المنتصر الشجاع دائما وابدا.

* أنهى الرفيق بلال فترة حكمة وتم تحويله الى الاعتقال الاداري بدلا من الافراج عنه، في سابقة هي الاولى في تاريخ الاحتلال والاسرى الفلسطينيين، وهو الان مضرب عن الطعام في السجن الانفرادي منذ اسبوعين.