فلسطين المحتلة – قدس الإخبارية: بعيداً عن الصراع الدائر بين المستوى السياسي والعسكري في "إسرائيل"، لا ينقطع تفكير هذين المستويين في خوض حروب تجلب الأمن ما بين فترة وأخرى، وقد كان قطاع غزة خلال العقد الأخير محط الحروب الإسرائيلية بشكل واضح حيث شنت خلاله قوات الاحتلال ثلاثة حروب متتالية لذات الغرض.
لإسرائيل عدد من الدوافع الموضوعية والذاتية الثابتة التي قد تدفعها لخوض حرب جديدة ضد قطاع غزة خلال الفترة المقبلة، وهناك دوافع أخرى قد تكون طارئة يمكن أن تؤدي لنشوب الحرب، وهناك العديد من الأسباب التي قد تشكل مانعاً لخوض هذه الحرب مستقبلاً ربما تكون أقوى من الدوافع ولو في الفترة الحالية.
الدوافع الإسرائيلية
أبرز الدوافع التي قد تشجع "إسرائيل" لدخول حرب جديدة ضد قطاع غزة الرغبة في إيقاف تعاظم قدرات حركة حماس العسكرية وردعها من جديد بعدما أصبحت عملية إعادة بناء قدراتها واضحة بعد عامين من الحرب، حيث أفادت التقارير الإسرائيلية بأن الجناح العسكري لحماس وصل لمرحلة من الإعداد تشابه تلك التي كان عليها قبل حرب 2014 وهذا ما يحتم على "إسرائيل" إعادته عدة سنوات للوراء لضمان استمرار الأمن في الجنوب.
من ناحية ثانية تعتبر معضلة الأنفاق من أبرز الدوافع الموضوعية التي قد ترى "إسرائيل" نفسها مضطرة أمامها لخوض حرب جديدة على قطاع غزة في ظل تقارير إسرائيلية متعددة تشير إلى أن هناك أنفاقا اجتازت الحدود، وقد يكون أي تصعيد غير محسوب خلال الفترة المقبلة.
وقد تستخدم "إسرائيل" مبرر تدمير الأنفاق التي تعبر الحدود كمبرر لشن الحرب، وقد يفرض عليها هذا الأمر في حال استخدمت هذه الأنفاق لتنفيذ خطوة استباقية من قبل حركة حماس في تنفيذ عملية كبيرة ضد أهداف إسرائيلية.
وهناك دافع آخر لإسرائيل يجعلها ترغب من خلال حرب جديدة استعادة هيبتها التي فقدتها خلال حروب العقد الأخير حيث لم تستطع حسم أي معركة مع أعدائها بما في ذلك قطاع غزة.
ولدى "إسرائيل" دافع مالي لخوض حرب جديدة مع قطاع غزة، في ظل السياسة الأمريكية التي تضاعف الموازنة المخصصة لدعم "إسرائيل" بشكل واضح بعد كل حرب تخوضها، ما سيمكنها من توفير ميزانية الجيش بشكل سهل دون الدخول في عراك داخلي مع الأحزاب الإسرائيلية والائتلاف الحاكم وفي ظل وجود العديد من الأطراف التي تعارض ميزانيته الضخمة.
هناك دافع قد يكون محفزاً للدخول في حرب جديدة مع قطاع غزة يتمثل في استعادة "إسرائيل" جنودها المفقودين في قطاع غزة، إلا أن نجاح تسويق هذا المبرر داخلياً في "إسرائيل" لن يجد في ظل وجود مخاطرة عسكرية كبيرة قد تؤدي لزيادة أعداد المفقودين.
الوضع الإقليمي لا شك أنه يعطي الاحتلال دافعا مهما لخوض الحرب يتعلق بالوضع الإقليمي المعقد في منطقة الشرق الأوسط، حيث لن ينتبه أحد لما سيجري في غزة بالإضافة لوجود العديد من الأطراف الإقليمية العربية التي ترغب في التخلص من حركة حماس.
يوجد دافع أخير غير عقلاني يتعلق بطبيعة التفكير اليمينية المتطرفة التي تقود الحكومة الإسرائيلية التي لا مشكلة لديها في الدخول بحرب تقتل المزيد من الفلسطينيين وتضعفهم وتزيح تهديدهم لفترة طويلة.
موانع الحرب
"إسرائيل" تدرك أن الدخول في حرب جديدة ضد قطاع غزة لن تكون نزهة وهذه المرة لن تكون مشابهة للسابق فالخسائر الكبيرة التي منيت بها أخيراً لا يمكن القبول بتكرارها.
ولعل أبرز الموانع أمام صانعي القرار في إسرائيل تجاه الحرب هي الخلافات السياسية التي قد تطيح برئيس الوزراء الحالي "بنيامين نتنياهو" وتقضي على مستقبله في حال عدم تحقيق أهداف ملموسة منها.
هناك أمر آخر يجعل المستوى السياسي الإسرائيلي يفكر في دخول حرب من غزة خلال العامين المقبلين على أقل تقدير هو تبرئة الجيش نفسه -بشكل مسبق- من أي فشل خلال هذه الفترة، من خلال "وثيقة المبادئ" التي أعلن عنها رئيس هيئة الأركان "غادي أيزنكوت" بعد توليه قيادة منصبه والتي تخلي مسئولية الجيش بحجة أنه لم يصل بعد للتدريب والجهوزية الكافية لدخول الحرب حيث يحتاج لعامين كاملين من التدريب وإعادة الهيكلة، وهذا الأمر يجعل المستوى السياسي محرجاً لأنه سيتحمل المسئولية ولن يكون تقرير مراقب الدولة حول الحرب في صالحه.
أيضاً المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل يخشى من عدم قدرته في السيطرة على مجريات الحرب في حال كانت طويلة أو كان الضرر على الجبهة الداخلية كبيراً بما يفوق إمكانية وضع حد له ما سيجعل موقف المستويين محرجاً أمام الجمهور الإسرائيلي.
وفي ذات الإطار يخشى المستوى السياسي الإسرائيلي أن يضطر لإعطاء حركة حماس في حال صمدت في الحرب وحققت إنجازات نوعية مكاسب سياسية تخفف عنها الحصار المفروض منذ سنوات، يما يعطي صورة الخضوع وخسارة الحرب أمام المجتمع الإسرائيلي.
من ناحية أخرى المستويات الأمنية والعسكرية لديها خشية حقيقية من أن تؤدي أي عملية عسكرية في قطاع غزة لتحرك خلايا نائمة وتنفيذها عمليات موجهة مشابهة لعملية القدس الأخيرة تضامناً مع غزة، أو أن تعود المواجهات اليومية بشكل مكثف بما يشبه الوضع الذي كانت عليه، ما يعني فتح جبهتين في ذات الوقت والدخول في أزمة على المستوى الأمني والعسكري بشكل واضح.
أما على مستوى العلاقات الخارجية يخشى المستوى السياسي الإسرائيلي أن تؤدي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لإفشال المساعي الحثيثة لإبرام اتفاق سياسي اقتصادي بين إسرائيل وتركيا كانت تخطط "إسرائيل" على أساسه أن تحتل مكانة روسيا في توريد الغاز ما سيعود على الاقتصاد الإسرائيلي بانتعاشه كبيرة تعزز رؤية نتنياهو الاقتصادية أمام الجمهور الإسرائيلي.
الخلاصة تشير إلى الموانع المذكورة لها أثر كبير على الوضع السياسي في "إسرائيل" ما يعني أن هذه البنود يمكنها أن تكبح إمكانية الذهاب لحرب جديدة مع قطاع غزة خلال الفترة المقبلة على أقل تقدير، ما لم تدخل حسابات الصراع بين الجيش والمستوى السياسي الإسرائيلي منحنيات جديدة.