فلسطين المحتلة؛ وطن لا يغيب عنه غير شهيد صعد للسماء قبل أن يودع أهله، تاركاً وطنه قبل أن يتحرر تاركاً خلفه أمانيه و أحلامه، ويشتاق لها لاجيء خرج من دياره مُرغما على الخروج ليكون وطنه خيمة وهويته كرت من الأمم المتحدة، ولا يتنكر للوطن غير صهيوني حاقد تشرَّب الحقد وتعلم فنون القتل ليمارسه باحترافية ضد أطفال وشباب وفتيات فلسطين.
في ذكرى النكبة الفلسطينية مازالت النكبة مستمرة، والنكبات في ازدياد، فنحن منكوبين في تخلي الدول العربية عنا، تلك الدول التي لم تعطِ عبد القادر الحسيني بضع رصاصات ليستمر في الصمود لفترة أطول من الزمن، تلك الدول التي حركت جيوشها لتُحارب بعضها البعض، ولكنها لم تحرك ساكنا أمام دماء الفلسطينيين بل إنها كانت تتخذ من الصمت والخوف موقفا، حتى أنها أقامت معاهدات سلام مع كيان احتل أرضاً عربية وعاث فساداً ومازال يعيث ببعض الدول الأخرى.
إنَّ النكبة ليست احتلال وطن فحسب؛ و ليست تهجيراً للشعب، بل إنَّ مشاكلنا الداخلية نكبة، و إنَّ ما نحن فيه نكبة أيضا، وأوسلو والمستوطنات واتفاقية باريس نكبات، وركضِنا خلف سراب المفاوضات لأكثر من عشرين عاماً نكبة كبيرة، وتصديقنا بأن "اسرائيل" تريد السلام هذا أيضا نكبة، وحصار غزة نكبة، والحروب على قطاع غزة نكبة كبيرة، وأنَّ أكبر نكبة أننا نغني لجسر العودة، وأننا نعتقد أنَّ فلسطين ستتحرر بالرقص والأغنية.
بعد سنوات النكبة علينا أن ندرك ما نحن فيه حقا، وأن تكون بوصلتنا تشير إلى فلسطين لا إلى المصالح الحزبية والفئوية، فالوطن أكبر من الأحزاب كافة.
علينا أن نستخلص العِبر من هذه السنين والأحداث وأن نكون أكثر جدية ، حتى لا يطول عمر النكبة أعواماً أخرى، و حتى لا تحدث نكبة جديدة قد تطرق الأبواب، أو أنها تستعد لطرق أبواب فلسطين وخاصة شرقي القدس التي تعمل "اسرائيل" جاهدة على إفراغها من أبنائها بشتى الطرق، كمنعهم من البناء، أو هدم البيوت بحجة عدم الترخيص، أو فرض الضرائب الباهظة، أو سياسة سحب البطاقات الزرقاء، فهذا كله يُنذر بهجرة جديدة أو نكبة جديدة، نرى آثارها في شوارع الضفة الغربية التي أصبحت تمتليء بسكان القدس الذين مُنعوا من السكن فيها لأحد الأسباب الآنفة، فسكنوا بعض المدن في الضفة الغربية.
في البداية علينا أن نفرق بين الدولة و الوطن، فالدولة التي يتحدث الجميع عنها هي جزء صغير من الوطن، ومساحتها أصغر من مساحة أرض نصَّ عليها قرار التقسيم، فـ فلسطين ممتدة من رفح إلى الناقورة، وليست عدة مدن يفصل بينها جدار وشوارع تحت السيادة الاسرائيلية.
ثانيا: إنَّ أول طريق لإنهاء النكبة التغلب على مشاكلنا الداخلية التي تعصف بنا، فلا وقت للمناكفات هنا وهناك، هذا إن كان الوطن أكبر همنا.
ثالثا: أن لا نعوِّل على الأمم المتحدة أو الدول العربية، فقد رأينا مواقفهم ودفعنا ضريبة اعتمادنا عليهم وتصديقنا لهم في وقت مضى.
رابعا: أن ندرك أنَّ الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية في فلسطين والشتات، و حتى في أوروبا وأمريكا هم أساس القضية.
خامسا: العمل على إعادة إحياء منظمة التحرير بجميع فصائلها، وبث روح الشباب فيها، لتعود كما كانت في سبعينات القرن الماضي.
في النهاية يمكن أن نقول بأننا على أعتاب النكبة الثامنة و الستين، ويمكننا أن نقول إنَّ جميع المشاكل تبدأ كبيرة و لكنها تصغر شيئا فشيئا حتى تتلاشى إلا نكبتنا الفلسطينية التي بدأت كبيرة بمجازر ديرياسين و كفر قاسم، وتهجير للشعب من أرضه ، و أصبحت أكبر بعد النكسة، وبعد أصبحت أكبر بعد الخسائر والاخفاقات السياسية والعسكرية، وها نحن نعيش في أكبر نكباتنا .
في الذكرى الثامنة والستين، نحن و فلسطين مازلنا منكوبين، ولا شيء في الأفق يُشير إلى اقتراب انتهاء نكباتنا، فنحن لسنا بحاجة إلى إحياء ذكرى النكبة بالمهرجانات والخطابات، بل بحاجة إلى انهاء سنوات النكبة.