القدس المحتلة – قُدس الإخبارية: مجددا يعترف الإسرائيليون أنفسهم بأن إطلاق النار على رأس الشهيد عبدالفتاح الشريف وهو بين الحياة والموت في آذار الماضي بمدينة الخليل لم يكن حالة شاذة، فبعد الكشف عن أن الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد" أعدم بذات الطريقة، جاء الكشف عن قتل الشهيد عبدالقادر الحسيني بنفس الطريقة ليؤكد أن الإجهاز على المصابين منهج يتوارثه الجنود الإسرائيليون.
هذه الرواية سردها المؤرخ الإسرائيلي المتخصص في تاريخ الحروب الإسرائيلية أوري ملشتاين في مقال نشره اليوم الجمعة بصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، مستذكرا كيفية إعدام قائد الثورة الفلسطينية عبدالقادر الحسيني في معركة القسطل عام 1948، وذلك تزامنا مع الذكرى الـ68 للنكبة الفلسطينية.
القاتل حينها كان نائبا في فرقة إسرائيلية تابعة لعصابة "البلماح" يدعى يعقوب سلمان، وقائد الفرقة مردخاي غازيت كان على علم بعملية الإعدام التي نفذت على قمة جبل وفقا لملشتاين، وقد أصبح سلمان لاحقا ضابطا رفيع المستوى في جيش الاحتلال، فيما أصبح غازيت مدير عام مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، ثم سفيرا لدولة الاحتلال في فرنسا.
وتولى عبدالقادر الحسيني قيادة الثوار الفلسطينيين في لواء القدس خلال ثورة عام 1936، وأصيب خلال ذلك أربع مرات واعتقله البريطانيون، ثم أطلقوا سراحه ليسافر إلى العراق ثم يعود سريعا وتحديدا في عام 1938 إلى فلسطين، وإثر ذلك تم تعيينه قائدا لمنطقة القدس من قبل اللجنة العربية العليا.
لكن الحسيني غادر بعد عام إلى العراق مرة أخرى وتعرض للاعتقال على يد البريطانيين أنفسهم، ومن هناك التجأ بعد إطلاق سراحه إلى السعودية ومنها إلى مصر، ثم عاد مجددا مع اندلاع حرب 1948 ليقود الثوار في القدس، حيث كان مكتبه الرئيسي في بلدة بيرزيت قرب رام الله ومكتبه الفرعي في بيت جالا قرب مدينة بيت لحم.
ويعترف ملشتاين بأن الحسيني نجح في إقامة حرب شوارع في القدس، وجعل قوات الاحتلال على شفا الانهيار من خلال تفجير مبانٍ إسرائيلية، مبينا أنه حقق إنجازا سياسيا استراتيجيا عندما دفع الولايات المتحدة إلى التراجع عن تأييد إقامة الدولة اليهودية حسب خطة الأمم المتحدة.
ويتحدث ملشتاين عن معركة القسطل التي كانت آخر معارك الحسيني، وبدأت يوم الجمعة 2/نيسان/1948، عندما سيطرت قوة من مليشيا "البلماح" بقيادة غازيت على قرية القسطل قضاء القدس، وبدأت محاولات استعادة القرية في اليوم التالي، قبل أن يقرر القادة العرب في دمشق بتاريخ 7/نيسان مهاجمة القسطل ليلا بمشاركة الحسيني.
لكن الحسيني قال حينها لنائبه بهجت أبو غربية، "لقد خانونا.. آخر ما رأيته في مطار دمشق هو مخزن السلاح المخصص لفوزي القاوقجي"، علما أن القاوقجي كان قائد ما سمي في ذلك الوقت بـ"جيش الإنقاذ".
وأضاف الحسيني، بأنه يستطيع الذهاب للعراق والعيش فيها سرا، أو الانتحار، أو الموت فلسطين، موضحا أنه قرر الذهاب إلى صوبا وقيادة الهجوم لتحرير القسطل.
وقبل حلول فجر الخميس 8/نيسان زرعت خلية من الثوار عبوات ناسفة قرب مقر قوة "مورية"، لكن غازيت ونائبه سلمان نجحا في تفكيكها، فيما تعرضت الخلية أثناء انسحابها لإطلاق رصاص قرب قبر الشيخ، ما أدى لاستشهاد اثنين من أعضائها واستلام ثالث ثم إعدامه على يد جنود قوة "البلماح" ذاتها.
ويوضح المؤرخ الإسرائيلي، أنه قبل طلوع الفجر صعد الحسيني ونائبه كمال عريقات وشخص ثالث يدعى عرفات إلى القسطل، ثم وصلوا عند الرابعة فجرا إلى القمة، وعلى بعد 30 مترا لاحظهما ضابط يدعى مئير كرميول، وكذلك القائدين غازيت وسلمان اللذان كانا قد أنهيا للتو تفكيك العبوات وعادا للموقع.
آنذاك اعتقد كرميول أن الحسيني وزميليه قصاصو أثر من "البلماح"، ارتدى الزي العسكري البريطاني ووضع الخوذة، وقال لهم بالعربية: "اطلعوا يا جماعة"، فيما ظن الحسيني أن كرميول جندي بريطاني هارب فقال له: "هالو بويز". أما سلمان وغازيت فقد ظنا أول الأمر أن الرفاق الثلاثة من جماعة "تبنكين"، لكن عندما سمع سلمان الأصوات صرخ: "مئير هؤلاء عرب"، فأطلق كرميول الرصاص عليهم.
سقط الحسيني مصابا وانسحب عريقات وعرفات، ثم طلب الحسيني شرب الماء، لكن سلمان وضع المسدس على رأس المصاب وسمع صوت ضابط يطلب منه أخذه إلى مكان خال وقتله، لكن سلمان أطلق النار على رأس الحسيني وأجهز عليه، وذلك وفقا لما رواه سلمان شخصيا للمؤرخ ملشتاين.
لم يعرف غازيت وسلمان من هو القتيل حينها، لكنهم رأوا في يده ساعة ذهبية وفي جيبه أقلام ذهبية، وإلى جانبه بندقية أمريكية ومسدس، فأدركوا أنه "سمكة ثمينة"، لكنهم لم يطلعوا على الوثائق التي كانت في جيبه، والتي تضمنت رخصة سياقة مصرية باسم عبدالقادر سليم، وتقرير نقاش مع القنصل الأمريكي في القدس، وخطة هجوم على جبل المشارف، كما أنهم لم يتعرفوا عليه رغم أن صورته كانت قد نشرت كثيرا في الصحف.
في اليوم التالي وصل نبأ اختفاء الحسيني لمركز "شاي" بالقدس، فاتصل المركز بغازيت واستفسر عن الأمر، حينها فقط عرف من هو القتيل. لاحقا تلقي غازيت طلبات بتسليم الجثمان، لكنه أجاب: "لا يمكن إرسال الجثة، العرب يقومون بالقنص".
ويروي الكاتب، أن ضابطا يدعى عوزي نركيس وصل مع مدرعتين أحضرتا ذخيرة وقنابل وملابس وطعاما أمريكيا، وأثناء تواجده بالمنطقة شاهد جثمان الحسيني، فسأل عن سبب عدم دفنه ظنا منه أنه يهودي، ليجيبه غازيت: "هذا قائد عربي"، لكن نركيس لم يصدق حتى شاهد ماكان في محفظة الشهيد، وهي نصف ليرة إسرائيلية، وقرآن، وشهادة تطعيم ضد الكوليرا تلقاها في معبر السويس.
وطلب نركيس مسدس الحسيني فرد عليه سلمان نائب غازيت بأنه سيقدمه له إذا أخذ الجثمان معه، لكن إطلاق نار استؤنف في تلك اللحظات فطلب نركيس من غازيت إرسال الجثمان للقدس مع الجنود الذين سيغادرون عندما تأتي قوة بديلة لهم.
ويوضح ملشتاين، أن يغئال ألون قال بعد ستة أيام لدافيد بن غوريون في "تل أبيب"، إن الحسيني قتل على يد جنودهم بعد أن وصل بالخطأ لموقع الفرقة الإسرائيلية، وأن الجنود تعرفوا عليه بعد فحص وثائقه، مبينا أن ألون لم يكن يعرف عبدالقادر الحسيني ولم يهتم بأخلاق الحرب.
ويشير المؤرخ الإسرائيلي ملشتاين إلى أن تخليص جثمان الحسيني تم بعد معركة انتصر فيها العرب وسيطروا على القسطل، وقتلوا خلالها العشرات من رجال كتيبة مورية ومن مقاتلي البلماح أيضا، مضيفا أن أحدا من النخبة الإسرائيلية التي سيطرت عشرات السنين لم يهتم بكيفية قتل الحسيني وهو مصاب ويطلب الماء.