الثاني من أيار لعام 2016 تاريخ لن يُنسى من ذاكرة كرة القدم، إنه اليوم الذي أُعلن فيه رسميًّا نادي ليستر سيتي بطلًا للدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم لأول مرة في تاريخه، وهو الدوري الذي لم نعتد على أن تحدث فيه مفاجأة على مستوى الفوز باللقب منذ سنوات بعيدة.
لم يكن أحد يرشح ليستر للفوز باللقب، فقد منحته مكاتب المراهنات نسبة واحد على خمسة اَلاف للتتويج باللقب، وهذا شيء طبيعي؛ فليستر نجا بأعجوبة في نهاية الموسم الماضي من الهبوط لدوري الدرجة الأولى.
بمدرب إيطالي خبير بلغ من العمر 64 عامًا ولم يفز يومًا بلقب الدوري، رغم أنه درب عددًا من الفرق الكبرى في أوروبا، وحقق معها عدة ألقاب على مستوى الكؤوس، ولاعبين في غالبيتهم مغمورين أو مطرودين من فرقهم بحجج كثيرة منها: قصر القامة، وضعف البنية، وعدم الرغبة في هذا اللاعب أو ذاك، وبسخرية النجم الإنجليزي الشهير غاري لينكر لحظة إعلان ليستر سيتي رانييري رسميًّا مدربًا للفريق حينما قال: "كلاوديو رانييري؟، هل هذا جدي؟، إنه خيار متواضع جدًّا"، كانت بداية موسم ليستر سيتي.
لكن بالكثير من التضحية والعطاء والصبر والإيمان، نجح ليستر وبقيادة مدربه رانييري بالتتويج باللقب، وكلنا يذكر تصريح رانييري الشهير قبل أحد عشر عامًا حينما أقيل من تدريب نادي فالنسيا الإسباني، حينها قال: "الاَن يبدو رانييري الحمار الأكبر من بين كل الحمير، في البداية كان كل العالم يقول للرئيس: رائع لقد تعاقدت مع رانييري، والاَن يبدو رانييري حمارًا هنا يحملونك أولًا ثم يحرقونك".
وأخيرًا فاز "the normal one"، بأول لقب دوري في مسيرته الطويلة، ورد اعتباره أمام كل من سخر منه في يوم من الأيام، فاز بواقعيته وخبرته وحسن توظيفه للاعبيه، وبراعته في استغلال مواهبه المميزة، مثل رياض محرز وكانتي، ولاعبين لم يحالفهم الحظ في مسيرتهم كفيردي.
قال بعضهم موسم محظوظ، ونسي هؤلاء أن الحظ جزء مهم في لعبة كرة القدم، وتكلم بعضهم عن تراجع المانيو والستي، وانهيار تشلسي، وفشل أرسنال المتكرر مع أرسين فينغر، وهذا حدث فعلًا لكنه لا يكفي وحده، ولو كان هو السبب فلماذا ليستر من فاز مثلًا وليس سوانزي؟ فوز ليستر جاء نتيجة الاجتهاد والواقعية والعمل الجاد والصبر والإيمان والتضحية والرغبة في تحقيق ما لم يحقق من قبل.
فوز ليستر هذا الذي بصم عليه لاعب عربي كبير دخل التاريخ من أوسع أبوابه كأول عربي يتوج بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، بعد أن دخله أولًا كأول عربي وأفريقي يتوج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي، ألا وهو الجزائري الرائع رياض محرز، سيدخل ضمن مجموعة القصص الرائعة التي تحكي عن فرق صنعت التاريخ والمعجزات، تلك القصص التي جعلتنا نعشق كرة القدم.
تنضم قصة ليستر الآن إلى قصص كالياري وفيرونا فيتشينسا وفينيسيا في إيطاليا، وإلى ليدز وبلاك بيرون وأبسوتش تاون في إنجلترا، وريال سوسيداد في إسبانيا، وإلى منتخبي الدنمارك واليونان حينما فازا بلقب أمم أوروبا للمنتخبات.
فوز رانييري هذا أثبت أنه لا مستحيل في عالم الكرة فمن سخر منه غاري لينيكر ومورينيو وغيرهم الكثيرن، هزمهم كلهم، وفي الميدان لا عبر وسائل الإعلام، فغاري لينيكر الذي قال: "لو فاز ليستر بلقب الدوري الإنجليزي سأقدم برنامجي بالملابس الداخلية"، اعتذر لرانييري، وأجبر مورينيو على تهنئة رانييري على اللقب.
إذن؛ فوز ليستر هذا يجعلنا نحلم من جديد بأنه من الممكن أن تنتصر الفرق الصغيرة على المال، رغم أن المال سينتصر على المدى البعيد لكنه سيبقى الأمل قائمًا بلا شك.
وأختم بتصريحات رانييري بعد التتويج باللقب حيث قال: "هذا انتصار للاعبين اعتبرتهم الأندية الكبيرة قصار القامة، أو بطيئين ولم تتعاقد معهم"، مضيفًا: "ما حصل مع لاعبي ليستر يمنح الأمل لكل لاعب يقال له أنه لا يملك المستوى الكافي ليبدع في مجاله".
كما كشف رانييري عما قاله للاعبيه في بداية الموسم: "أرغب في أن تلعبوا من أجل زملائكم، نحن فريق صغير وعلينا أن نكافح بكل قوة"، مضيفًا: "لا يهمني المنافس كل ما أريده هو أن تقاتلوا، إذا كانوا أفضل منا حسنًا، ولكن عليهم أن يثبتوا أنهم الأفضل".