"إذا كان هناك سكان آخرون، يجب أن يتم نقلهم إلى مكان آخر، يجب علينا أن نأخذ الأرض. نحن نملك فكرة أسمى وأفضل من الحفاظ على عدة مئات من الفلاحين العرب". مناحيم يوشكان رئيس الصندوق القومي اليهودي عام 1930.
هناك الكثير من النقاشات حول معنى الصهيونية الآن، كيفية تحديدها وماذا يعني أن تكون معادياً للصهيونية، وهل ذلك يعادل العداء للسامية وهلم جرة. ولكن عبر كل هذه النقاشات يغيب نقاش آخر، هو نقاش ماذا تعني الصهيونية للفلسطينيين أنفسهم.
دعونا ننظر أولاً في بعض التعاريف الخاصة بالكلمة والتي طرحت مؤخراً.
خلال لقاء عبر راديو بي بي سي 4 في وقت سابق من هذا الشهر، قال الصحفي البارز في الغارديان البريطانية "جونثان فريلاند" إن تعريف الصهيوني كشخص: "هو ذاك الشخص الذي يدعم وجود وطن لليهود في فلسطين لا أكثر ولا اقل". دون توضيح ما إذا كان يقصد على وجه التحديد "الدولة اليهودية في فلسطين". أما الصحفي في جريدة التايمز ديفيد أرارونوفتش فقال: "الصهيونية مجرد دعم لفكرة دولة يهودية".
في الوقت نفسه، يمكن تغيير المقترح في قواعد حزب العمل الذي ينادي بدولة الحركة العمالية اليهودية، أن يكون كتعريف آخر للصهيونية وهو ينص: "الصهيونية ليست مفهوما من تعريف واحد، فهي بتعبير أساسي الهوية الوطنية للشعب اليهودي وهي بذلك ممثلة للحق الذي يمتلكه المواطنون هناك".
ووفقاً لرئيس جماعة ضغط موالية لـ"إسرائيل" جيمس سورين: "فالصهيونية حركة تحرر وطني للشعب اليهودي" أما زميله بيثر فيرى أن الصهيونية "حركة جاءت من أجل تقرير المصير اليهودي وإنجاح التحرر الوطني".
نلاحظ أن كل هذه التعريفات تعمل بشكل بسيط وحازم وغير عادل على تجاهل "الآخر" فلا تعقيد في الأمور ولا وجود لأي فلسطيني ضمن هذه التعريفات.
على سبيل المثال لو أخذنا مقالاً نشرته بي بي سي حديثاً بعنوان " الفرق بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية"، وهو المقال الذي يعكس مجموعة متنوعة من الآراء، لكن فيما يخص الفلسطينيين لم يتم ذكرهم سوا باقتباس وحيد وكلمات متفرقة.
أفضل تعريف يمكن أن نحصل عليه هو: "يقول بعض معادي الصهيونية إن الصهيونية أيديولوجية عنصرية بسبب الطريقة - في نظرهم - التي تجري معاملة الشعب الفلسطيني عبرها من قبل اسرائيل"، ولكن هناك في المقال وغيره انعدام تام للتفاصيل عن كيفية التعامل الحقيقي الذي تمارسه "إسرائيل" ضد الفلسطينين .
ومثال آخر ما ورد في صحيفة "نيوزبيت" عبر مقال سعى لتحديد مصطلح معاداة السامية ومعاداة الصهيونية حيث ذكر كاتبه: "بعد المحرقة تم تخصيص أرض للشعب اليهودي حتى يستقر عليها، واعتبروا المنطقة تلك (إسرائيل) وطناً لهم ومع ذلك فإن العديد من الناس العرب الذين كانوا يعيشون في الفعل في فلسطين والمناطق المحيطة بها وجدوا ذلك غير عادل".
ما وجده الفلسطينيون غير عادل، هكذا تقول الصحيفة وبالتالي فإن الاعتراضات الفلسطينية غير مبررة وغير عقلانية أو حتى لا ترقى لتكون اعتراضات بالأساس.
لذا دعونا نتذكر بعض التاريخ السياسي هنا، في عام 1897، انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل، خلال تلك الفترة بلغ عدد سكان فلسطين من العرب 96% بينما كان اليهود فيها 4%. أما في وقت وعد بلفور عام 1917 لم يتجاوز عدد اليهود في فلسطين ما نسبته 10%.
وهكذا، تم وضع تصور الصهيونية كحركة لها الحق في تقرير المصير اليهودي في فلسطين نفسها، قامت بإنشاء دولة تتناقض في ذاتها مع مبادئ الاعتراف الداخلي. عرف النشطاء الصهاينة هذا بطبيعة الحال، وأقر نشطاء يهود من اليوم الأول بامتلاك الدولة الناشئة لمشكلة كبيرة مع الديقراطية.
وحتى بعد عام 1947 وبعد موجات الهجرة اليهودية الكبيرة، كان الفلسطينيون العرب يشكلون ما يزيد على ثلثي سكان فلسطين. في ذلك العام نفسه، حذر مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية من أن مخطط إنشاء دولة يهودية في فلسطين "يتجاهل مبادئ كثيرة مثل حق تقرير المصير وحكم الأغلبية".
وهكذا كان هناك طريقة واحدة لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، وهي باختصار ما حدث، حيث تم إزالة وطرد السكان غير اليهود من فلسطين وخلال الفترة ما بين أعوام 1947 و 1949 تم طراد حوالي 85- 90% من مجموع السكان الفلسطينيين الذين يعيشون فيما بات يعرف لاحقاً بـ"اسرائيل". وتم عمل تطهير عرقي لأربعة من اًصل خمسة تجمعات فلسطينية كبيرة. وصف الفلسطينيون ذلك بـ"النكبة"، وهو المصطلح العربي للكارثة.
هؤلاء اللاجئين الفلسطينيون انتقلوا من المدن والبلدات والقرى المزدهرة وطردوا خارجها ومنعو من العودة بالقوة، وتم تشريع قوانين لمصادرة أراضيهم وممتلكاتهم ومن حاول منهم العودة كان مصيره القتل.
هذه هي الحقيقة التاريخية، على الرغم من أن العديدين يحاولون انكارها، لكن بعد تصديقها، يعود المنكرون ليقولوا أن الأمر كان يستحق هذا.
ويعتقد ونستون تشرتشل ذلك، ففي وقت مبكر من عام 1937 قال للجنة فلسطين الملكية: "أنا لا اعترف على سبيل المثال بأن ما حصل للهنود الحمر في أمريكا أو الشعب الأسود في استراليا كان خطأ، أنا لا اعترف بأن خطأ ارتكب بحق هؤلاء لقد كان سباقاً للأقوى وفاز به من يستحق".
بالنسبة للفلسطينيين، الصهيونية تعني الطرد والاستعمار والنفي والفصل العنصري، وبالتالي فإن غياب هذه الحقائق من المناقشات الدائرة حول تعريف الصهيونية يعكس "العنف المخفي" داخل الفلسطينيين، على حد تعبير أحد المؤرخين الإسرائيلين الذي قال: "الغضب الفلسطيني يكمن في صميم الحلم الصهيوني وقد كان شرطاً ضروريا لتحقيقه".
المصدر: ميدل ايست مونيتور - ترجمة: هيثم فيضي