رام الله- خاص قُدس الإخبارية: منذ اندلاع أول شرارة للانتفاضة الحالية قبل ستة أشهر، هب المتظاهرون ليشعلوا مجددا نقطة الاحتكاك مع جيش الاحتلال في محيط مستوطنة بيت ايل شمال البيرة، لتكون المواجهات الأعنف في محافظة رام الله التي لم تلبث حتى تم إحهاضها.
متظاهرون من كافة قرى المحافظة، طلبة جامعات، إناث وذكور، تواجدوا بالمئات بالقرب من ما يسمى بحاجز الارتباط العسكري "بيت أيل" المحيط بالمستوطنة القريب، شمال مدينة البيرة، والذي يعد أحد مداخل مدينة رام الله الرئيسة، ليعيدوا تجسيد مشاهد الانتفاضة الأولى، ويردد من يرى المشهد، إحدى الأغاني الثورية الشهيرة المنسية، "نزلوا صبايا وشبان يتحدوا للدورية، شعلانة الضفة بنيران الانتفاضة الشعبية".
ثلاثة شهداء ارتقوا، وأصيب عشرات، خلال قمع جنود الاحتلال للمواجهات بكل ما يملكونه من وسائل قمعية لم تردع المتظاهرين وتمنعهمم من المشاركة اليومية في المواجهات، حتى جاء قرار السياسي من السلطة الفلسطينية وبدأت أجهزتها الأمنية بملاحقة المتظاهرين في المكان.
الناشط الشبابي والمصور سعد عمر، قال إنه في الأسبوع الأول من شهر تشرين أول الماضي، هاجم مستوطنو بيت أيل منازل في الجلزون، ليهب شبان مدينة رام الله في ساعة متأخرة للدفاع عن المنازل والتصدي للمستوطنين، لتكون هذه شرارة بدأ المواجهات في محيط مستوطنة بيت أيل.
وأضاف عمر لـ قُدس الإخبارية، أن محيط مستوطنة بيت أيل أصبح نقطة احتكاك مباشرة بين المستوطنين وجنود الاحتلال من جهة، والمتظاهرين الفلسطينين من جهة أخرى،" أصبحت نقطة احتكاك رئيسة يتوجه إليها المتظاهرون في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين على المارين بالقرب من المستوطنة للوصول إلى مدينة رام الله".
ويعتبر محيط مستوطنة بيت أيل، منطقة حساسة أمنيا بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال، حيث أوضح سعد أن حاجز DCO المقام في المنطقة يستخدمه مسؤولو السلطة ورجالاتها، والوفود والرئاسة للخروج بطريقة سلسة من مدينة رام الله، بعيدا عن الطرق الطويلة التي يسلكها المواطن الفلسطيني العادي، "يبدو أن السلطة كان تخجل وتخاف من منع المواجهات في المنطقة، كما كانت معنية بامتصاص الهبة الشعبية بوجود تنفيس في المنطقة .. إلا أن عرقلة مرورهم عبر حاجز DCO بسبب المواجهات اليومية ما دفعهم للبدء بقمع المتظاهرين"
فيما تروي إحدى المتظاهرات والناشطات، أن المواجهات في محيط بيت أيل كانت تبدأ الساعة الثانية عشر ظهرا حتى الثالثة من فجر اليوم التالي، وكان يشارك بها عشرات الشبان، ويرتفع العدد إلى المئات أحيانا خاصة أيام الجمع، منوهة إلى استشهاد ابراهيم داوود ومحمود عليان والطفل أحمد شراكة خلال المواجهات.
وتضيف لـ قُدس الإخبارية، أن الأجهزة الأمنية بما فيها عناصر المخابرات كانت تتواجد بشكل دائم بين المتظاهرين وكانوا يتحدثون عبر الأجهزة اللاسلكية بشكل علني، حيث كان يدور الحديث دائما عن تقييمهم للمواجهات إذا كانت عنيفة أم لا وأعداد المتظاهرين وغير ذلك، مضيفة أنهم بدأوا بنشر الإشاعات بين المتظاهرين وأقاموا "كشك" قريب وأصبح مقر لعناصر مخابراتهم.
وتشير إلى أنه في إحدى الأيام، انسحب جيش الاحتلال بشكل مفاجئ وتقدمت عناصر الأمن الفلسطيني وبدأوا بقمع المتظاهرين بالقوة، متذرعين بوصول وفد من اليونان، مؤكدة،" معظم المواكب التي كانت تمر من منطقة بيت ايل كانت مواكب وهمية".
بالعودة إلى سعد، الذي يرى أن اندلاع المواجهات في المنطقة القريبة من معسكر بيت أيل، كان يضغط على مستوطني بيت أيل ليبقوا بعيدا عن الشارع الرئيس، ولا يخرجوا من منازلهم خلال المواجهات اليومية والمتواصلة لساعات طويلة، كما أن المواجهات أصبحت ترهق الاحتلال ماديا حيث بات يعمل على زيادة تحصين المنطقة ويقيم الأبراج العسكرية وكاميرات المراقبة.
الأجهزة الأمنية بدأت بالتدخل لإيقاف مواجهات بيت أيل، متذرعة بمرور الموكب الرئاسي أو مرور وفد ما من المنطقة، يقول سعد "بالبداية كان الحرس الرئاسي ينتشر في المنطقة لحين مرور الموكب، ثم ينسحب ويأتي جيش الاحتلال مكانه وتبدأ المواجهات"، ويضيف،" ولكن مع تزايد الأحداث واعتقال العديد من أعضاء مجلس طلبة بيرزيت والتي كان له دور كبير في المواجهات، وانحصار الحراك ... بات المنع يزداد من قبل الأجهزة الأمنية، حتى أصبح المنع كاملا".
مواجهات بيت ايل لم تكن مجرد نقطة احتكاك تؤرق الاحتلال في المنطقة، بل كانت تشكل دافع لباقي نقاط الاحتكاك في محافظة رام الله، "المواجهات في بيت أيل كان نموذجا وخاصة أنه في مدينة مركزية فيها كل مؤسسات السلطة، ولكن عندما حوصر هذا النموذج وتم منعه، أصبح هناك انحصار في المواجهة الشعبية الواسعة والتي كانت تشكل قلق كبير للاحتلال أكثر من العمليات الفدائية".
ويتوقع سعد أن تشتعل المنطقة مرة أخرى بمواجهات قد تكون أعنف من السابقة، مشيرا إلى أن الاحتلال أيضا يستعد لمواجهة أعنف في المنطقة وهو ما يؤكدة التحصينات التي أضافها في محيط المعسكر والمستوطنة.
دور القوى والاحزاب
أما نائب أمين المنطقة في الجبهة الديمقراطية عاطف جردات، يقول إن نقطة بيت أيل هي من أهم نقاط احتكاك القوية والمهمة في الضفة، إلا أنه وبالرغم من ذلك صدر قرار رسمي من الرئاسة الفلسطينية بعدم إحياء أي فعاليات في المنطقة ووقف المواجهات"، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية بدأت بقمع الدعوات التي كانت توجهها الأحزاب والقوى حيث قمع المتظاهرين بذريعة أن موكب الرئيس يمر من المنطقة.
ويؤكد جردات لـ قُدس الإخبارية، على أن دور القوى السياسية ضعيف جدا حيث رضخت لقرار التي اتخذ من قبل السلطة، وأصبحت دعواتهم للتوجه إلى مواجهات بيت أيل معدوومة، "بيت أيل هي أهم نقطة احتكاك تعمل على تفعيل الشارع الفلسطيني، وقمعها أدى لهدوء الهبة الشعبية وقمعها في المنطقة".
ويشير جردات إلى أن إعادة إحياء المواجهات في المنطقة يتطلب وجود قرار وطني من كافة القوى الوطنية السياسية وخاصة من حركة فتح، بتوجيه مسيرة واسعة بمشاركة الآلاف، ما سيؤدي لعدم قمعها من قبل الأجهزة الأمنية وستصل المنطقة وتشعل المواجهات بها.
فيما يعلق القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد العوري، أن نقطة بيت إيل تشكل رمز لقيادة المنطقة الوسطى لقيادة الاحتلال في الضفة، وهذه الرمزية تأتي من خلال رفض شعبنا لهذا الاحتلال ومقاومته من خلال مواجهات مستمرة كانت خلال انتفاضة الأقصى وكانت دافع في تحريك انتفاضة القدس واشعال نقاط التماس.
ويضيف، أن مواجهات بيت إيل لوجودها في مدينة رام الله، اكتسبت زخما قويا وخاصة أنها مقر لوسائل الإعلام، ولكونها مقرا لكافة المؤسسات فكانت تعتبر أيضا دافعا قويا لكافة مناطق الاحتكاك، مبينا أن منع الاجهزة الأمنية الوصول لهذه النقطة أدى إلى قتل المواجهات.
ويعترف العوري بأن الأحزاب والفصائل الفلسطينية لم تعمل على التصدي لقرار الأجهزة الأمنية الذي تضمن وقف المواجهات في محيط مستوطنة ومعسكر بيت أيل، حتى لا يكون هناك تصادم داخلي، "القوى والأحزاب تعاطت مع القرار، ليس خوفا أو حرجا ولكن حفاظا على المصلحة الفلسطينية العليا وتجنبا لأي احتكاك مع الأجهزة الأمنية، ما أدى لتعزيز دورها السلبي"
من جهته يقول منسق القوى الوطنية والإسلامي في مدينة رام الله عصام بكر، إنه كان الأسبقية أن تبدأ المواجهات في الهبة الشعية من مدينة رام الله، وخاصة في محيط معسكر بيت أيل، لتتواصل المواجهات في المنطقة لحين صدور قرار رسمي بمنع المسيرات والتوجه إلى بيت أيل، وذلك لاعتبارات سياسية معينة حول الوفود الزائرة التي تستغل حاجز DCO للوصول إلى رام الله.
ويضيف عصام لـ قُدس الإخبارية، "حاولنا تدارك الموضوع بالحفاظ على عدة نقاط احتكاك أخرى لتبقى ساخنة، على عدم اقتصارها على نقطة احتكاك بيت أيل مع أهمية الحفاظ عليها وعدم اسقاطها"، مؤكدا على أنه يجب إعادة تفعيل مواجهات بيت أيل لما لها من احتكاك واسع ومباشر مع الاحتلال، "هناك نقاش للعودة إلى مواجهات بيت أيل، ولكن لا نريد أن ندخل بتحديات داخلية فالمعركة والتناقض الأساسي مع الاحتلال".
ويؤكد أن القوى الوطنية والفصائل تتحمل التقصير من عدم وجود دعوات للتوجه إلى نقاط الاحتكاك، والتي تستدعي وجود استنهاض للفعل المقاوم، حيث أن مبرارات اشتعال الانتفاضة ما زالت موجودة ويكررها الاحتلال والمستوطنين يوميا.
وعن وجود دعوات مستقبلية لإعادة اشعال المواجهات في محيط بيت أيل، يقول عصام، "نأمل ذلك ولكن لا يوجد سقف زمني قريب، فهو مدرج ضمن جدول أعمال القوى الوطنية والإسلامية".