شبكة قدس الإخبارية

الأسير الفتى جلال.. سرق الاحتلال ساقه اليمنى ولم يخضع!

٢١٣

 

هدى عامر

الخليل  - خاص قُدس الإخبارية: بدأت عقارب الساعة تتجه ظلامًا ليبدأ نهار العاشر من تشرين أول، وفي تمام الثانية من فجره، دقت قوات الاحتلال باب منزل شاهر الشراونة في مدينة دورا جنوب محافظة الخليل، بينما يتثاقل الأطفال وأمهم من الاستيقاظ متسائلين، "ما الذي يريده الجيش منا والآن؟!"

تفتيش للمنزل واختطاف لصاحبه إلى مستوطنة مجاورة لساعات كانت تتضمن تحقيقًا ميدانيًا بدأته قوات الاحتلال بالسؤال "كم ولد عندك؟ عدّهم لنا" وما إن بدأ بعدهم حتى وصل إلى "جلال" وهنا دقت مقصلة الحكاية!

"ابنك جلال وينه؟" دققت قوات الاحتلال السؤال عنه حتى بدأ قلب والده يغلي، وأجاب "جلال كان نايم في غرفته حتى تأكدوا"، عاودت قوات الاحتلال الرجوع لتفتيش المنزل وغرفة جلال بالتفصيل، لكنها لم تجد بها إلا كتبه الدراسية لمنهج العلمي، فجلال هذا العام طالب في الثانوية العامة وهو مواليد تموز 1997م.

بعد أن وصلت نار القلق إلى أقصاها في قلب شاهر "والد جلال" بادل الأدوار مع قوات الاحتلال وبدأ يتلو الأسئلة بلهفة حارقة، "وين الصبي؟ يجيبه أحدهم "نفذ عملية بمستوطنة "نجهوت" قبل ساعات، ليعاود الأسئلة: "شو عملتوا فيه؟ قتلتوه؟" حتى يجيبه أحد الجنود ابنك مصاب ومعتقل.

في ساعات مساء التاسع من تشرين أول، غادر جلال منزل عائلته ليلًا بعد أن سامر أهله وتناول معهم عشاءه وأطلق الضحكات والتحيات، متوجهًا بعدما غلبهم النوم ودون علمهم إلى مستوطنة "نجهوت" المجاورة، لتنقلب حياته من حينها رأسًا على عقب، بينما يقول الاحتلال أنه أطلق الرصاص تجاه المستوطنين هناك.

يروي والده تفاصيل الحادث نقلًا عن جلال فيما بعد، أن قوات الاحتلال أطلقت وابلًا من الرصاص تجاه ابنه قرب مستوطنة “نجهوت” ثم تركوه ينزف قبل أن يحضروا “روبوت” خاصا بالمتفجرات ليسحبه "سحلا" من المكان مسافة 50 مترًا على الأقل، ثم اعتقلوه ونقلوه إلى مستشفى “سوروكا” ببئر السبع غائبا عن الوعي، مضيفًا "لقد نجا من الموت بأعجوبة!"

لـ 9 أيام، خضع "جلال" للتحقيق في سجن الرملة نال خلالها العذابات ألوانًا، كانت أقساها على الإطلاق هي مساومته على وجعه إثر إصابته، فقدمه التي تنزف طيلة الوقت لم يعد يقوى على تحمل وجعها بينما يساومه الاحتلال عليها بتقديم اعترافات بتنفيذه العملية، مقابل "ابرة مسكن"!.

بقي جلال صامدًا رغم ضغوطاتهم وثقل الوجع الذي يعانيه، لكن حرب الأيام التسعة التي عاشها لم تستطع أن تهزمه أو أن تنتزع منه اعترافًا لا يريد قوله، لقد أثبت جلال أنه رجلٌ بحق رغم صغر سنه، يقول والده.

ولأن جهاز مخابرات الاحتلال “الشاباك” لم يسمح بتقديم العلاج اللازم والكافي للفتى المصاب بالرصاص المتفجر “الدمدم”، ولأنه جرى تحويله مباشرة للتحقيق فقد تعفن ساقه، وهذا ما دفع الأطباء إلى "بتر قدمه" في مستشفى “أساف هروفيه” الإسرائيلي.

أيام مرت لم تعرف العائلة تفاصيل ما يجري مع ابنهم رغم أسئلتهم المتكررة عنه، وبعد محاولات حثيثة من والده بالحديث مع ضابط الاحتلال بالمنطقة للسماح لهم بزيارته ومعرفة أخباره قائلًا "ألستم تزعمون أنكم دولة ديمقراطية وإنسانية؟ لماذا تحرموني من رؤية ابني وهو طفل مصاب وأسير وبعد إصرار وافق الاحتلال على منح تصريح زيارة، لكن لوالدته فقط!

في السادس والعشرين من تشرين أول، حضرّت والدة الأسير جلال نفسها برفقة مندوب الصليب الأحمر لزيارته داخل مستشفى “آساف هروفيه” تعدّ الثواني للوصول إلى ابنها والاطمئنان على صحته وما إن وصلت غرفته حتى تذكرت كلمات زوجها الذي أوصاها أن تتماسك لأجل ابنها وترفع من معنوياته.

أسئلة الأمهات القلقة الممزوجة بالخوف والحب، أحضان وقبلات كثيرة لعينيه المنفختين وأخبار مطمئنة من جانبها لمساندته، "كيف حالك يمّا انت منيح؟ آه يمّا انا منيح، المهم أنتِ وأخواتي، كانوا يحكولي انهم جابوكم وحبسوكم وكانوا يسمعوني أصوات صراخ يقولون إنه صوتكِ أنتِ وأخواتي"، لتطمئنه هي بدورها "كله كذب يمّا مشان يضغطوا عليك، احنا مناح وبندعيلك".

بعد إصرار منها، وتكرار الطلب بأن يكشف عن جسمه لتتأكد من سلامته، "فرجيني إصابتك وين بيوجعك يمّا" وينفي هو أن مسًا قد أصابه لكنها لم تعد تحتمل الصبر، حتى كشفت عنه غطاءه وتصاب بالصدمة الكبرى والإغماء، لقد رأت لأول مرة بساق واحدة وانهارت.

اتصل مندوب الصليب بوالده ليشرح له حالة زوجته بعد الإغماء وأنهم سيضطروا لإرجاعها بالرغم من أن التصريح يسمح ببقائها لثلاثة أيام أخرى، وهو ما دفع "شاهر" للتساؤل عن سبب تعبها ليخبره المندوب أيضًا بأنها تأثرت ببتر ساق جلال، وانتقلت الصدمة للأسرة كلها.

والده أكد في حديثه لـ قُدس الإخبارية، أن الاحتلال نفّذ جريمة نكراء بحقّ نجله، فقد أخبرهم طبيب أنه كان من الممكن إنقاذ ساقه قبل البتر لكنه أمر الاحتلال، كما أن الحالة الصحية والنفسية لجلال صعبة للغاية وأن الإهمال الصحي متعمد بحقه فيما يؤكد مختصون لوالده "أنها خطوة انتقامية فقط"

وسلمت سلطات الاحتلال الساق المبتورة لأهله عبر ارسالها مع السيد عيسى قراقع لدفنها في مقبرة البلدة، بطريقة مأساوية أن يتجزأ الجسد ويموت بعضه، حيث قال والده " لقد دفنت نصف ابني اليوم ونصفه الآخر مدفون في السجن".

الاحتلال بدوره لم يفوت فرصة "بتر ساق" جلال دون استخدامها كوسيلة ضغط مرة أخرى، فلقد عرضوا عليه فيديو تشييع قدمه للتأثير على نفسيته وإضعافه وارباكه بشكل أكبر، مهددينه بأنهم قادرين على التصرف ببقية جسده كما حصل مع ساقه، مع العلم أن قدمه الأخرى مصابة بالرصاص أيضًا.

كما لم يتوانى الاحتلال من حينها بالزيارات المتكررة للبيت والمداهمات وفرض المنع الأمني على كل أفراد العائلة إضافة إلى اقتحام البيت ومسح قياساته، بينما يهدد مسئول المنطقة بجيش الاحتلال "رح أخليك عبرة للمنطقة كلها انت وابنك"

وبحسب والده، فان كل ما يطلبه في هذه المرحلة أن يتماثل نجله إلى الشفاء، وأن يتمكن من استعادة صحّته وعافيته، قائلًا "الاحتلال لا يكترث لطفولته، ويعامله كمجرم من خلال التكبيل والاذلال وإهمال العلاج الذي أودى بساقه كامله، لكننا نقول عالجوه ثم حاكموه"

وتتضمن لائحة الاتهام الموجهة لجلال حسب محاميه، مهاجمة جنود ومستوطنين على مدخل المستوطنة والشروع في تنفيذ عملية إطلاق نار بسلاح شخصي، وبشهادة 15 جنديًا من جنود الاحتلال، حيث تتأجل جلسات محاكمته مرة تلو الأخرى ستكون القادمة في الثامن عشر من نيسان المقبل.

ويرقد جلال حاليًا في مستشفى سجن الرملة منذ 46 يومًا، يشتكي الإهمال المتعمد والصحة التي تسوء لا تتحسن إثر بتر نصف قدمه،  فيما يحتفظ الاحتلال بالملف الطبي باعتباره ملفًا سريًا، بينما ما زال "جلال" يحتفظ بروايته أن مستوطنًا هو من أطلق الرصاص على قدمه حينها.