شبكة قدس الإخبارية

حركة المعلمين وصناعة الزمن

مالك ريماوي

التربية ليست سيرورة صناعية، بل هي مرافَقَة لانبثاق ذات حرة.

إن حراك المعلمين هو جزء جوهري من الحراك الفلسطيني، فقد تواجد المعلمون دوما في قلب حركة الشعب الفلسطيني، بوصفها حركة تحرر وطني وحركة بناء اجتماعي ثقافي للوطن المتخيل، وما يحسب لحركة المعلمين أنها حركة تملك أبعادا عدة، فهي حركة نضالية متضمنة في مشروع المقاومة الفلسطيني، وهي حركة نقابية يمكن أن تشكل رافعة للعمل النقابي وتطور البنى الديمقراطية الفلسطينية، وهي حركة حقوقية يمكن أن تؤسس لمسار حقيقي باتجاه مجتمع أكثر عدالة بحيث يتم انصاف قطاع المعلمين وقطاع صغار الموظفين في الوزرات وأجهزة السلطة الأخرى، والأهم هي حركة في التعليم والثقافة، فبمقدار ما نمكن المعلم من عوامل القوة والفاعلية نؤسس لتعليم وثقافة قادرين على المقاومة والبناء.

ولذلك، فإن انتصار المعلمين هو انتصار للوطن وتطوير للمجتمع، وتواصل حركة المعلمين وبناء منهجيات جديدة في عملهم النقابي والسياسي، سيفضي لرفع الحراك السياسي الفلسطيني، ويطور دور المعلمين في الحركة السياسية الفلسطينية، المعلمون الذين كانوا دوما جيشا احتياطيا للوطن، لكنه جيش مقطوع الرأس، أو جيش برأس اصطناعي، ليأخذ المعلمون كامل فرصتهم، في بناء الهيئة التي تمثلهم وتحديد شكلها وطريقة عملها، فليس مطلوب من أحد أن يعلم المعلمين، ولنتركهم يعلموننا.

يجب أن ينتصر المعلم.

سمعت مرة ممثلة وزارة التعليم في فنلندا تتكلم عن التعليم وبعد أن رسمت صورة للتعليم في فنلندا وبينت انجازاته، قالت: إن السبب يعود لوضعية المعلم، وأوضحت كيف يتم تكوين المعلمين واختيارهم، وختمت عندما يكون هناك تجمع لأناس من فنلندا في حفلة أو مهرجان تتمنى أن تقدم نفسك كمعلم، فالشعب الفنلندي لا يقف لا لرئيس ولا لوزير يقف فقط إذا عرفت عن نفسك بأنك معلم، عندها يقفوا ولسان حالهم يقول: هذا هو الشخص الذي يعلم ابناءنا، وأضافت: شعبنا يقدس العلم والثقافة ولذلك يمنح هذه المكانة للمعلم.

متى سنمنح هذه المكانة للمعلم؟

أقول عندما نمنح هذه المكانة للمعلم ونسمعه ونعطيه حقوقه الحياتية والثقافية والنقابية وعلى رأسها المهنية، حقه في أن يتطور، لكن كيف يتطور المعلم إذا حرم من حقه في العمل السياسي النقابي، وحقه في العيش الكريم، عندما نعطي المعلم هذه الحقوق سنطالبه بأقصى ما يمكنه أن يعطي، نطالبه أن يكون معلما ومثقفا وناشطا مجتمعا وشخصا متطورا ومطورا للمجتمع، عندها فقط ننتصر للوطن وننتصر للمجتمع وننتصر للمستقبل.

في الماضي كانت هناك تحركات للمعلمين، ترافقت مع انتفاضات شعبية أو مع هجمات من الاحتلال على الضفة أو غزة، ودوما تنازل المعلمون عن حركتهم لأجل الوطن، نؤجل موضوع المعلمين، ونؤجل قضايا التعليم والمجتمع لأجل انجاح الانتفاضة الأولى، لأجل انتظار السلطة، لأجل توحيد الجهود ضد الاحتلال، لقد انهزم المعلمون مرات متعددة لأجل الوطن، فهل أنتصر الوطن؟

مع أن المعلمين قبلوا التراجع دوما، وتنازلوا عن حركتهم لأجل الوطن فأن الوطن لم ينتصر ولم ننجز لا مشروع التحرر ولا مشروع البناء.

لذلك لنفكر ونقلب الفرضية، ما الذي سيحصل إذا عملنا لأجل أن ينتصر المعلمون، لنجعل انتصار المعلمين أولوية، لنقبل أن نهزم نحن والوطن والنظام والسياسيين لأجل أن ينتصر المعلم، أظن أن هذا قد يكون الطريق للتغيير الحقيقي أو التصويب باتجاه الطريق الحقيقي.

يجب أن نعمل لكي ينتصر المعلم، لأن الوطن والمجتمع يحتاجان معلما منتصرا قويا منبثقا، فمعلم مكسور مهزوم مطحون لن يساهم إلا في انتاج مجتمع بائس وثقافة يائسة، وبما أن التربية ليست سيرورة صناعية، بل هي مرافَقَة لانبثاق ذات حرة؛ فحتى يساهم المعلم في انبثاق ذوات حرة وثقافة فاعلة ومجتمع مؤهل للمضي نحو مستقبل واثق، نحن نحتاج معلمين منتصرين... لننتصر للمعلم ونتركه ينتصر هذا طريقنا نحو مصير غير المصير الذي يمكن أن نقع فيه إذا ما تم قمع المعلمين.