القدس المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: ما إن تدق قطرات المطر الأولى نوافذ المنازل، وتهب الرياح لتُسقط بقايا الاوراق التي اصفرّت، معلنة بدء فصل شتاء جديد، حتّى تبدأ العائلات الفلسطينية في مختلف مناطقها بالتحضير لهذا الموسم، فقسم منهم يحرث أرضه ليهيئها لاستقبال الأمطار، وقسم آخر يجمع الحطب لاستخدامه في التدفئة، وقسم أخير يتوجه إلى الأسواق للتزود بالمواد التموينية الأساسية.
هوس التموين
وقبل أي منخفض تبدأ العائلات الفلسطينية بتحضير نفسها لاستقباله بشراء كافة المواد التموينية بالإضافة إلى شراء عدد من أسطوانات الغاز، وبعض الكاز الذي يستخدم أحيانا للتدفئة كطريقة بديلة في حال انقطاع التيار الكهربائي أحياناً.
ويقول عزيز قفيشة من مدينة الخليل، إن عائلته قبل أي منخفض ثلجي تشتري المواد التموينية اللازمة للبيت بكميات أكبر، حتى لا يضطر أحد أفراد العائلة للخروج من البيت لشرائها.
أما عبد الرحمن أبو زغاريت من مخيم العروب شمال الخليل فيقول، "هناك هوس في مجال التموين في ظل المنخفضات الثلجية، وذلك بسبب التجارب السابقة في المنخفضات الجوية، والتي كانت تؤدي إلى تراكم الثلوج لأيام عديدة دون تحذير الأرصاد الجوية لذلك".
شتاء خاص في غزة
أما في قطاع غزة فإن كان أهل القطاع يستعدون للشتاء فإن الاستعداد لا يكون من ناحية شراء المواد التموينية أو لوازم طقوس الشتاء المعتادة، بل بالتأهب لمحاولة الخروج منه بأقل خسارة ممكنة، وبتجنب إغراق مياه الأمطار لكرفاناتهم السكنية ومنازلهم في المخيمات، وتجنيب أطفالهم الأمراض قدر الإمكان.
فمحمد هنية من غزة يقول، "الأوضاع الاقتصادية سيئة في القطاع، بسبب تأخر الرواتب عند فئة وانقطاعها عن فئة أخرى، وما خلفته الحروب وعشر سنين الحصار جميعها تتربع على عرش قطاع غزة، وإذا نظرنا إلى الأسواق فإننا سنلاحظ أن العرض أكبر من الطلب".
وفي فصل الشتاء تجمع مدفأة الحطب أو "كانون الحطب" العائلة حولها يتبادلون النكات والضحكات، ويسرد كل منهم تاريخه أيام الصبا، فيما يصنعون أقراص الزعتر أو السبانخ أو اللحمة أو مطبق بالجوز وغيرها من الحلويات والمعجنات، لتناولها مع كاسة شاي أعدت على فحم الحطب.
ويقول أسامة الكحلوت، إن العائلات تجتمع في غزة على كانون الحطب، بسبب انقطاع التيار الكهربائي في كثير من الأوقات، بينما يتم تحضير القهوة أو الشاي على الفحم، ودعوة الأصدقاء والجيران والأقرباء لمشاركتهم شربها والتسامر في العديد من القضايا.
وعن طقوس الشتاء في غزة يوضح محمد هنية قائلاً، إن الشتاء فرصة مميزة لتجمع الأهل والأبناء حول كانون النار وشواء الكستنة وممارسة بعض طقوس الشتاء، لكن في قطاع غزة تحرم الكثير من العائلات من ممارسة هذه الطقوس.
ويضيف، "هناك المئات في الكرافات ينشدون الدفء من اقل القليل ولا يحصلونه، وهناك مئات العائلات التي تصنف تحت خط الفقر ما نسبته حسب الامم المتحدة 40% من سكان غزة وهؤلاء لا يستطيعون تحصيل أقل القليل من طقوس الشتاء وبالتالي حرمانهم من ممارستها، إضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي العام في غزة".
[caption id="attachment_83849" align="alignnone" width="600"] الشتاء في غزة نقمة[/caption]طقوس عامة
أما يامن نوباني من قرية اللبن الشرقية جنوب نابلس فيقول، "تقوم الكثير من العائلات بصنع وجبة الافطار على فحم النار خلال تساقط المطر والثلج، أو شوي البطاطا، بدسها وسط الفحم، وهي عادة تتقنها الحجات، وتقوم بيوت أخرى بصنع أقراص الزعتر والسبانخ واللحمة، وتوزع منها على البيوت القريبة والجيران، وهي عادة جميلة في الريف الفلسطيني".
[caption id="attachment_83848" align="alignnone" width="600"] كستنة.. أكلة خاصة بالشتاء[/caption]ويضيف، "أن الأجواء الباردة في القرية مناسبة لتعرف الناس أخبار بعضها، حيث تكثر الزيارات وفرص التقارب، وتتفقد الناس فيها بعضها البعض، كما أنها مناسبة لعودة لعبة "الشدة" و "النرد" طاولة الزهر، بين الأشقاء والأقارب".
فيما تحضر ربة المنزل "الكرشات" (وهي جزء مستخرج من جوف العجل أو الخروف، يتم تنظيفه بمساعدة الأقرباء أو الجيران، ويتم حشوه بالأرز تمهيداً لطبخ)، أو المفتول الذي يحضر عن طريق "فتل" حبات البرغل الناعم مع القليل من طحين القمح والماء، ومن ثم طبخه على بخار الماء، وبعد نضجه يضاف إليه "اليخني" (وهو مزيج من الخضروات مع صلصة البندورة والماء)، أو شوربة العدس والمقلوبة وورق العنب والخبيزة والمعجنات وغيرها، كما أوضحت السيدة خلود ماضي.
[caption id="attachment_83850" align="alignnone" width="450"] يعتقد الفلسطينيون أن المفتول اشهى في الشتاء[/caption]وعن جو المحبة والألفة الذي يجمع العائلة في الشتاء تقول نورهان المصري من نابلس، "بالأيام العادية لما يكون الجو دافي كل حدا بالعائلة بكون بغرفته، لكن بالبرد كلنا بنجتمع حوالين الصوبة على شكل دائرة بتحيط فيها، وعندنا صوبة اسمها علاء الدين، موديلها قديم بس بتأدي أكثر من وظيفة، يعني بنتدفأ عليها وبنشوي كستنا وبطاطا حلوة وجزر فيها، ودايما إبريق المي عليها، وكمان بنشف عليها الأواعي المبلولة".
وتشترك مدينتا الخليل ونابلس في الحلويات المنتشرة في فصل الشتاء خاصة، كالعوامة والمدلوقة والكنافة والحلاوة بالسميد والمطبق بجوز خلال فصل الشتاء، كما تشتركان بمشروب "السحلب" وهو المفضل خلال فصل الشتاء، كونه يمنح الجسم من دفء وطاقة، كما لا تحلو ليالي السهر بدون الكستنة التي تشوى على الفحم وتؤكل.
نظرة صحية
وحول أنواع الغذاء الملائم لفصل الشتاء تقول أخصائية التغذية هنادي خضر لـ قُدس الإخبارية، إن الشوفان يخلص الجسم من البرودة لاحتوائه على ألياف، كما أن الزنجبيل والبروكلي يساعدان على الشعور بالشبع، بسبب عدم احتوائهما على سعرات عالية.
ونصحت الأخصائية بتناول البطاطا الحلوة والعدس والعسل والتمر لمنح الجسم الطاقة والدفء اللازمين لفصل الشتاء.
[caption id="attachment_83852" align="alignnone" width="450"] البطاطا الحلوة توفر للجسم الطاقة التي يحتاج في الشتاء[/caption]كما ركزت على تناول الدهون النافعة التي تحتوي على فيتامين D، والذي يقل إنتاجه في فصل الشتاء بسبب قلة الوقت الذي تتعرض فيه أجسامنا للشمس.
وتقول رغد خميس من مدينة الخليل، "لا ننسى أبدا من يغرقون في بردهم وأوجاعهم تحت الخيام، كيف لنا ذلك ومنا خرج درويش قائلا (فكر بغيرك)، فالمطر كالحب تماما ينهال علينا بفرح ووجع في ذات الوقت، الذاكرة تشرع أبوابها لهذا الثلج الذي يكون فرحة لطفل ولعنة لطفل آخر".
وتضيف، "كل مطر وثلج أقف على النافذة وارفع يدي داعية الله أن يخفف عن كل من يمكن أن يكون المشاهد الأخير لهذا البياض، المدفأة تجمعنا دوما والحكايات الطويلة والطرف والحب، ولكن لا مدفأة تجمع الكثير هنا وهناك، تجمعهم حكاية وجع برد واحد ولعنة مطر".
تجدر الإشارة إلى أن الفلسطينيين يشتركون في تقسيم الشتاء لفترات محددة تحمل أسماء موحدة، مثل المربعانية لأربعين يوما تبدأ بتاريخ 22/كانون أول، ثم سعد الذابح لسبعة أيام، ثم المستقرضات، ثم سعد السعود، ثم سعد بلع، وبعض هذه الأسماء وردت أيضا في تراث بلاد الشام بشكل عام.