القدس المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: قبل ثلاثة أشهر، وصل خليل محمود (17 عاما) بحالة موت سريري لمستشفى المقاصد في مدينة القدس، بعد أن أصيب برصاصة من سلاح M16 في رأسه خلال مواجهات شهدتها قرية العيساوية شمالي المدينة، لينجو من موت محتم بعد عملية جراحية تكللت بوقف النزيف الذي أصابه.
خليل لم يعد للحياة بعد، لم يرجع لمقعده الدراسي، ولا لملعب كرة القدم في قريته، فيما يزال سريره في المنزل فارغا ينتظر عودته من المستشفى الذي ما زال يقبع فيه حتى الآن، حيث فقد خليل قدرته على تحريك أطرافه، كما لم يعد قادرا على نطق أي كلمة، "خليل في وضع مآساوي، وصحته في تراجع دائم" يقول سلطان محمود عم المصاب خليل.
خليل نجا من الموت ولكن
بعد سبع عمليات جراحية لم ينجح الأطباء في استخراج الرصاصة التي استقرت في رأس خليل، بل نجحوا فقط في وقف النزيف ومحاولة تنظيم سوائل الدماغ، "خليل أصبح هيكلا عظميا لا يزن أكثر من 40 كيلو غرام، لا يستطيع الحركة أو الكلام، كما لا يتناول الطعام"، يصف سلطان الحال الذي أصبح عليه خليل.
وفي محاولة للسيطرة على الوضع الصحي لخليل، زرع الأطباء "برابيش" لتنظيم السوائل في الدماغ، نتيجة للأضرار التي سببتها الرصاصة، فيبين سلطان أنه أحيانا ترتفع السوائل في رأس خليل وأحيانا أخرى تنخفض بشكل كبير، وهو ما يسبب تدهور خطير على صحته ما دفع الأطباء لوضع "برابيش" تصل بين رأسه ومعدته، لافتا أن ذلك أدى لتحسن طفيف على صحة خليل.
بعد العمليات الجراحية التي خضع لها خليل، لم يعد المشفى قادرا على تقديم مزيدا من العلاج له، نظرا لحاجته لعلاج طبيعي غير متوفر فيه، "خليل الآن يحتاج لعلاج طبيعي يأهله ليستطيع استعادة قدره على النطق، والحركة، وهو علاج غير موجود في مشفى المقاصد" يقول سلطان، مشيرا إلى أن العائلة ترفض نقل نجلها للمشافي الإسرائيلية،" لا نستطيع وضع ابننا لدى من حاول قتله".
[caption id="attachment_83780" align="alignnone" width="338"] خليل بعد اصابته[/caption]من مكتب مسؤول إلى آخر، ينتقل والد خليل عسى أن يستطيع توفير العلاج لنجله دون أن يتلقى سوى الوعودات التي لم تطبق أي منها حتى الآن، والتي كان من ضمنها تكفل السلطة بإرسال خليل إلى الأردن لتلقي العلاج، "ذهب أحد أشقائي إلى المدينة الطبية في عمان للتأكد من توفر علاج لخليل بعد الوعود التي قدمتها السلطة، إلا أن الأطباء هناك أكدوا لنا أنهم لا يستطيعون تقديم العلاج اللازم له".
وخلال بحث العائلة عن علاج لنجلها وجدت أنه متوفر في تركيا، ويبين سلطان أن المسؤولين الذين توجهت لهم العائلة يتلاعبون في أعصابها متجاهلين الحالة التي أصبح عليها خليل، فيما يسبب كل يوم تأخير تدهورا جديد على صحة خليل، "السلطة تتحمل المسؤولية الكاملة لما يحصل لخليل، نحن نتساءل دائما لمصلحة من تتعمد هذا التأخير؟".
رصاصة مطاطية تجمد حياة أحمد
غائب عن دروس الدبكة وتدريبات كرة القدم، مقعده الدراسي فارغ، كما لم يعد صوت أحمد أبو الحمص (12 عاما) يسمع في منزل.
ففي السادس من كانون ثاني، وخلال عودة أحمد من زيارة شقيقته، تفاجأت به إحدى المجندات في جيش الاحتلال خلال تواجدها في مواجهات اندلعت في أزقة قرية العيساوية، فأطلقت عليه النار من مسافة قريبة جدا.
ويقول شقيقه وديع، "أصيب أحمد برصاصة مطاطية بالجهة اليسرى من رأسه، ما سبب له نزيف داخلي، نقل حينها عبر إسعاف الهلال الأحمر إلى مركز صحي في القرية".
دقائق قليلة وتراجع وضح أحمد بشكل كبير، ما استدعى طلب سيارة إسعاف إسرائيلية مزودة بوحدة العناية المكثفة لتنقله بشكل عاجل إلى مشفى هداسا عين كارم، وهناك أخضع أحمد لعملية جراحية فورية لوقف النزيف، ونجح الأطباء في ذلك، إلا أن الرصاصة سببت كسور وأضرارا في الجمجمة.
وحسب ما أخبر به الأطباء عائلة أبو الحمص، فإن نجلهم الطفل لديه حالة نادرة طبيا، حيث أن النصف الأيسر من دماغه هو المسؤول عن الحواس والاستيعاب، وقد أفقدته الرصاص هذه الحواس فهو اليوم لا يستطيع السمع أو الكلام.
ظل أحمد لـ 12 يوما في غيبوبة، ويتعمد الأطباء تمديد فترات نومه ليستطيعوا تقييم حالته وفحص التغيرات التي قد تطرأ على دماغه، فيما يشير وديع إلى أن أحمد عانى مؤخرا من تكلس العضلات العصبية الهوائية والرئتين، ولم يكن قادرا على التنفس بشكل طبيعي ما استدعى وضعه في العناية المكثفة.
وبعد 15 يوما؛ استطاع أحمد الاستيقاظ إلا أن الأطباء ما زالوا غير قادرين على التأكد إن كان قد فقد حواسه أو بعد، طالبين من العائلة نقله إلى مركز "ألين" الإسرائيلي للتأهيل.
[caption id="attachment_83783" align="alignnone" width="600"] أحمد بعد إصابته[/caption]ويوضح وديع، أن العائلة تعيش حالة من الخوف على نجلها الطفل، كما تخشى أن يرفض التأمين الإسرائيلي تغطية علاجه، حيث تبلغ تكلفة عمليته ما يقارب 40 ألف شيقل، إضافة لمخاوفها من ملاحقته من قبل مخابرات الاحتلال بعد أن يتم علاجه.
وتسعى العائلة لمقاضاة جيش الاحتلال، وقد بدأت بالإجراءات القانونية اللازمة وعملت على تقديم شكوى عبر محاميها وما زالت تنتظر في الرد.
5 رصاصات تزيد إصراره على الحياة
في 21 كانون أول، خرج أحمد جمال حماد (14 عاما) من بلدة سلواد شرق رام الله لزيارة أحد أصدقائه في قرية يبرود المجاورة، ليطلق عليه جنود الاحتلال النار خلال اقترابه من المدخل الغربي للبلدة.
وعمد جنود الاحتلال لإعدام أحمد بإطلاق خمس رصاصات من النوع الحي تجاهه فأصابته جميعها، ويروي أحمد، أن جنود الاحتلال وبعد إطلاق النار عليه حاولوا إسعافه قبل وصول إسعاف البلدة الذي قدم الإسعافات اللازمة له لوقف النزيف الحاد الذي أصابه.
لم يكن أمام أحمد الكثير من الوقت، فإحدى الرصاصات التي أصابته قطعت شريان رئيسي في يديه، وهو ما دفع إسعاف البلدة لتسليمه للإسعاف الإسرائيلي الذي وصل للمكان ويحتوي على وحدة عناية مكثفة، لينقل فيما بعد بطائرة مروحية إلى مستشفى "شعاري تصيدق".
شهر كامل بقي أحمد في المستشفى وخضع خلاله لخمس عمليات جراحية، تضمنت زرع "بلاتين" في قدمه، وعمليات زراعة جلد وشرايين إضافية بدل المتضرر.
وتقول والدته، إن العملية الأولى كانت لوقف النزيف، فيما تم في العملية الثانية فتح قدمه وإخراج شريان منها لزراعته في يده اليمنى، ثم عملية ثالثة لزراعة بلاتين في قدمه، وعملية أخرى للتأكد من سريان الدم في شريان قدمه، كما أخضع لعملية أخيرة لزراعة جلد لتجميل المنطقة المصابة.
أحمد فقد القدرة على تحريك يده اليمنى وقدمه اليسرى، بسبب الرصاص الذي أصابهما، وتبين والدته أنه يعاني من ضعف كبير في يده اليمنى فلا يستطيع تحريكها أو حمل شيء بها، كما لا يستطيع تحريك قدمه التي بات لا يشعر بها، مضيفة، أن الأطباء لم يستطيعوا إزالة إحدى الرصاصات التي استقرت في عظام قدمه.
وأخضعت سلطات الاحتلال أحمد لحراسة مشددة في الأيام الأربعة الأولى من إصابته، وتوضح العائلة أن أربعة جنود كانوا يراقبونه حتى خلال وجودة في غرفة العناية المكثفة، مضيفة، أنهم كانوا يضايقونه بتشغيل الأغاني الصاخبة وحرمانه من النوم، كما كانوا يرفضون تقديم الماء له.
ورغم صعوبة وضع أحمد الصحي، إلا أن ذلك لم يمنع محققي الاحتلال من إخضاعه للتحقيق، فيروي أحمد أن أحد محققين الاحتلال اقتحم غرفته وأخضعه للتحقيق وطرح عليه العديد من الأسئلة، مشيرا إلى أن ذلك حدث حين كان كان يتنفس جهاز التنفس الصناعي ولا يستطيع الكلام.
ميداليات ذهبية وفضي، وبرونزية معلقة جدران منزل أحمد، فهو أحد اللاعبين المتميزين في مدرسته في مسابقات الجري، كما أنه ماهر أيضا في كرة القدم، إلا أن أحمد ولستة شهور أخرى لن يستطيع وضع قدمه على الأرض كما لن يستطيع الذهاب إلى المدرسة، وسيحتاج لعلاج طبيعي طويل ليصير قادرا على تحريك قدمه ويده.