غزة - خاص قُدس الإخبارية: أكثر من 1.35 مليون لتر من المبيدات الحشرية المستخدمة في الزراعة يستوردها قطاع غزة سنويا، بقيمة تقارب الـ 56 ألف شيكل، يتحملها بالدرجة الأولى المزارع، غير أن الآثار السلبية لهذه المبيدات تحفر في عميقا في القطاع وسكانه حتى تصل إلى حليب الأمهات.
وتستورد وزارة الزراعة 38 مبيدا يحظر استخدامها، بالإضافة لـ 46 مبيدا مسرطنا مثل مبيد (كلوربيرفرس) الذي استهلك منه قطاع غزة خلال عام 2014 أكثر من 33 ألف لتر، رغم أن الوكالة الدولية لبحوث السرطان حظرته كونه من مسببات الأورام في جسم الإنسان.
هذه النتائج جزء من دراسة أعدتها الباحثة ناريمان العطاونة، وحصلت إثرها على درجة الماجستر من الجامعة الإسلامية في قطاع غزة، وقد أوضحت فيها أن المبيدات المستخدمة تنوعت بين مبيدات تعقيم استخدمت بشكل أكبر، بالإضافة لمبيدات حشرية ومبيدات فطرية ومبيدات عشبية ومبيدات قوارض، ومبيدات حلزونية تعتبر هي المبيد الأقل خطرا.
مبيدات محظورة
وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا لافتا في نسب الإصابة بالسرطان في القطاع، وهو ما دفع ناريمان لتناوله في بحثها المذكور، وقد واجهت خلال ذلك صعوبة كبيرة في إرسال عينات الدم والحليب للمختبرات المصرية لإجراء الفحوصات اللازمة لإثبات احتواء العينات على مواد مسرطنة.
وتوضح ناريمان لـ قُدس الإخبارية، أن الفحوصات أكدت أن 15 عينة من حليب الأمهات ملوثة بالمبيدات العضوية مثل "الكلورينيه"، و"D.D.T"، و "D.D.D"، فيما احتوت عينات بلازما الدم على "مبيدات كلورية عضوية مثل "D.D.T" و"الديلدرين" ومجموعة "السايكلودايين"، بالإضافة لوجود متبقيات المبيدات على ثمار الزرع في الأسواق.
هذه المبيدات محظورة من قبل منظمة الصحة العالمية بسبب خطورتها العالية، كما أنها محظورة في اتفاقية روتردام ووكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لتصنيفها على أنها مسرطنات بشرية.
وتبين ناريمان، أنه صدر قرار يلزمها بحذف الإحصائيات والأمراض المرتبطة بالمبيدات الحشرية وأعداد المصابين بمرض السرطان، إلا أنها رفضت الحذف، مشددة على ضرورة وصول الأرقام لأصحاب القرار للوقوف عليها ودراستها.
وتوضح ناريمان، أن المبيدات الحشرية المستخدمة لا تسبب السرطان أو تضاعف أرقام المصابين به وحسب، بل إنها تتسبب في أمراض الكلى المزمنة والتهاب الكبد.
متوفرة بسهولة
ويتوفر قسم من هذه المبيدات بسهولة ودون أي عناء أو رقابة في المحلات التجارية بقطاع غزة، وهو ما يؤكده المزارع صالح النجار (51 عاما) الذي يشتري هذه المبيدات لحماية محاصيلة من الآفات والأمراض كما يقول، مستدركا أن بعض المبيدات "عالية السمية" يشتريها بعد الحصول على إذن من وزارة الزراعة.
ويقول النجار، إنه يملك 60 دونما ويستهلك فيها مبيدات حشرية يصل متوسط سعرها لـ 300 شيكل للمحصول الواحد، ما يقلص الربح خاصة في ظل الحاجة لانتهاء فترة الأمان التي يجب الالتزام بها بعد استخدام المبيد.
وتجدول الوزارة المبيدات المسموح استخدامها ويتم إدخالها للقطاع عبر معبر كرم أبو سالم، وفقا لـ أنور أبو عاصي مدير المختبر المركزي للمبيدات الحشرية بالوزارة، الذي قال، إن دور الجدولة هو إرشاد المزارعين بالأدوار المحددة لهذه المبيدات وكيفية استخدامها.
ورغم هذه الرقابة؛ إلا أن المعايير والمقاييس التي تحدد المبيدات المسموح بدخولها للقطاع لا تستند إلى معايير منظمة الصحة العالمية، بل إلى المعايير التي تناسب ثقافة المزارع والمنطقة، كما يقول أبو عاصي، مضيفا، أن المبيدات المستوردة عددها 240 مبيدا تكون صديقة للبيئة لو استخدمت بالشكل الصحيح.
ونفى أبو عاصي وجود 70 مبيد حشري يسبب الأورام في قطاع غزة، مشدداً على أن المبيد الحشري الذي ذكرته الدراسة "D.D.T" يمنع دخوله لقطاع غزة منذ نحو أربعة عقود، ما يطرح سؤالا كبيرا عن سبب وجود نسب من هذه المبيد في العينات التي تم فحصها.
لكن أبو عاصي اعترف باستيراد مبيدات شديدة السمية مثل "النيماكور" و"الكمفيدور"، مبررا ذلك بعدم إمكانية الاستغناء عن هذه المبيدات، ومنوها إلى أن الوزارة تمنع استخدامها إلا وفق إرشاداتها وبحضور ممثل عنها عند الاستخدام.
ويتحدث نقيب المهندسين الزراعيين حسن أبو عيطة، عن تعاون بين الوزارة والنقابة لمنع الغش في المبيدات الحشرية أو التلاعب بها، قائلا، إن المبيدات الحشرية ليست المسبب الأول في تزايد أعداد المصابين بالسرطان في القطاع، بل اليورانيوم المنضب في الحروب المتتالية التي شنها الاحتلال على القطاع.
ويعترف أبو عيطة بصعوبة الاستغناء عن المبيدات الحشرية في الزراعة، مبررا ذلك بأن مشاريع الزراعة وفق استراتيجيات المكافحة المتكالمة تعتبر صعبة التطبيق لضعف المردود المالي على المزارع، حيث يضعف الإنتاج وتتزايد التكاليف، حسب قوله.
وأشار إلى أن نحو 80% من مزارعي القطاع يعتمدون على المبيدات الحشرية في زراعتهم، بينما يعتمد 20% فقط على الزراعة وفق المكافحة المتكاملة (الزراعة العضوية )، مشدداً على أن أساليب الزراعة هذه تحتاج لمشاريع دعم لتشجيع المزارعين على استخدامها.
ورغم نفي الوزارة فإن السؤال الأكبر يبقى قائما؛ حول كيفية وصول المواد المسرطنة وعالية السمية إلى العينات التي تم فحصها وفقا لما أكدته الباحثة ناريمان في بحثها، ما يستدعي الإشارة أيضا إلى احتمالية وجود هذه المواد نتيجة عمليات تهريب معينة أو تلاعب في هذه الجهة أو تلك، خاصة في ظل النسب المرتفعة للإصابة بالسرطان في غزة.