القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: متى سيأتي؟ وهل سيدفن؟ وأين سيدفن؟ وهل بالأصل سيدفن أم لا؟ أربع أسئلة لا تدري عائلات شهداء مدينة القدس المحتلة المحتجزة جثامينهم الإجابة عن جوابها المفقود منذ أكثر من شهر، والذي يتطلب قرارا سياسيا كما تقول سلطات الاحتلال.
ألم وقلق، تعيشهما عائلة الشهيد بهاء عليان من جبل المكبر، منفذ عملية الطعن والدهس في مستوطنة "أرمون هنتسيف" الشهر الماضي. فيقول والده محمد عليان، إنه قلق على جثمان بهاء الموجود في ثلاجة درجة التجمد فيها عالية ما سيؤثر على جثمانه.
ويعرب عليان عن قلق العائلة أيضا من دفن ابنها في مقابر الأرقام، مضيفا، "في كل صباح نسأل، هل سنودعه اليوم؟ نعد الثواني والدقائق والساعات والأيام لنرى ونلقي نظرات الوداع على بهاء وأخوته شهداء الوطن".
ويتابع عليان، "نحن نتألم لفقد الشخص بحد ذاته مهما كانت أسباب الوفاة، فالفقد حالة إنسانية لا نستطيع تجاهلها، رغم ذلك نحن صامدون صابرون، مؤكداً فخره بنجله بهاء واعتزازه بكونه والده وبالعملية التي نفذها.
ويعتبر عليان أن حكومة الاحتلال تريد باحتجاز جثامين الشهداء معاقبة عائلاتهم، لكنه يرى أن هذه السياسة لن يكون لها أي أثر على امتداد الانتفاضة، فلا استمرار احتجازهم ولا الإفراج عنهم سيشعلان الأوضاع أو يهدئانها.
وأصدرت سلطات الاحتلال أمس الخميس قرارا بهدم منزل عائلة بهاء، وذلك في إطار سياستها الانتقامية من العائلة، كما فعلت بحق عدد من عائلات الفدائيين الذين نفذوا عمليات طعن ودهس وإطلاق نار مؤخرا.
عائلة أخرى تعيش الوجع ذاته في القدس أيضا، هي عائلة الفتى اسحق بدران الذي استشهد بتاريخ (10/تشرين أول) الماضي في حي المصرارة وسط القدس، بعد طعنه مستوطنين استفزاه وحاولا الاعتداء عليه. وهنا تقول والدته إن تفكيرها المستمر بمصير جثمان بكرها جعلها غير قادرة على الاعتناء ببقية أبنائها.
وتقول شيرين بدران، "القلب يشتاق والعين تدمع على الفراق، وما بين هذا وذاك نقول الحمد لله على كل شيء، فالشهادة ثوابها عال والله اختاره مع النبيين والصديقين".
لكن أم اسحق لا تخفي حالة الترقب المستمر لدى العائلة منذ استشهاده، "في الساعات الأولى كنا ننتظر الثانية تلو الأخرى، ومرت الثانية والدقيقة والساعات والأيام والشهر ولم نرَ جثمانه ولم نودعه، فأصبح حلمنا في الدنيا القاء نظرات الوداع الاخيرة عليه وملقانا الجنة التي وعدنا الله بها".
وتضيف، "لا يكتفي الاحتلال بحرمان الاهل من وليدهم، بل يقهرونهم بالاعتداء عليهم، فقد اقتحمت قوات الاحتلال منزلنا بعد فترة من استشهاد اسحق وفتشته وأخذت قياسات المنزل، مع العلم أننا مستأجرون ونقيم في العمارة مع عائلتين من ذوي الشهيد".
كما حجزت سلطات الاحتلال على بعض ممتلكات والد الشهيد، وفتحت ملفا ضريبيا مغلقا منذ عدة سنوات بقيمة 100 ألف شيكل، كما حجزت على دخله الشهري.
وأقامت عائلات الشهداء اليوم في جبل المكبر وقفة احتجاجية على استمرار احتجاز جثامين أبنائها، مطالبة بالإفراج الفوري عن الجثامين ووقف هذه السياسة بشكل نهائي، ووقف سياسة هدم منازل ذوي الشهداء، حيث طوقت قوات الاحتلال الوقفة لمنع أي تصعيد من قبل المحتجين.
كما أطلقت عائلات الشهداء هاشتاغ #استعادة_جثامين_الشهداء بالإضافة لصفحة على موقع فيسبوك تحت نفس العنوان، وسط تفاعل مستمر مع الأخبار والأحداث المتصاعدة في الأراضي المحتلة، بانتظار أخبار سارة حول الجثامين المحتجزة.
هذه الأخبار تنتظرها أيضا عائلة الشهيد أحمد أبو شعبان بين لحظة وأخرى، فكل اتصال هاتفي تخفق معه قلوب أفراد العائلة بشدة متمنية أن يكون اتصالا من سلطات الاحتلال لإبلاغها بموعد الإفراج عن جثمان نجلها الذي ارتقى بتاريخ (14/تشرين أول) الماضي في المحطة المركزية غرب القدس المحتلة.
ويقول والد أحمد، إن العائلة حرمت من ابنها ثلاث سنوات بسبب اعتقاله، وبعد أشهر من الإفراج عنه وقبل أن تكتمل الفرحة به، حرمت منه للأبد، وتكررت تجربة أسره لكن بعد أن فارق الحياة هذه المرة.
ويضيف، "هو حي ونحن الأموات، لكننا نريد إكرامه بدفنه ورؤيته لآخر مرة، فقد فقدنا عزيزا دون وداع ونريد أن نكحل أعيننا بوداعه".
وعمقت سلطات الاحتلال من جراح العائلة بفصل شقيقي الشهيد محمد ومحمود من عملهما، بالإضافة لاقتحام منزل العائلة عدة مرات وتفتيشه، ومصادرة مبلغ بقيمة 22 ألف شيكل بزعم أنه حق لحكومة الاحتلال، كما طالبت بلدية الاحتلال بدفع مبلغ 10 آلاف شيكل بدل ضريبة أرنونا عن السنة السابقة، مهددة بأن الموعد النهائي للدفع هو الـ 28 من الشهر الجاري.
وناشد أبو شعبان جميع المؤسسات الوطنية والحقوقية والأجنبية المساهمة والمساعدة في تسليم الجثامين، مضيفا، "لقد ناشدنا السلطة الفلسطينية لكن كأننا ننادي في واد عميق حتى صدى الصوت فيه غير مسموع".
تجدر الإشارة إلى أن عدد شهداء القدس المحتجزة جثامينهم بلغ حتى الآن 11 شهيدا من القدس المحتلة، وقد شكلت هذه العائلات لجنة قانونية لمتابعة القضية، فيما بلغ عدد الشهداء المحتجزة جثامينهم من الخليل 13 شهيدا.