رام الله – خاص قُدس الإخبارية: قبل انفجار الأوضاع في القدس والضفة ثم قطاع غزة، كانت بعض مناطق التماس مع الاحتلال ساخنة بشكل يومي أو أسبوعي على الأقل، قبل أن يأتي الانفجار داخل المدن الكبرى أو على أطرافها ليجذب – نظرا لحساسية المواقع – اهتمام وسائل الإعلام عامة، فيما ظلت المناطق السابقة شبه مغيبة كما يقول النشطاء هناك، رغم صعوبة الأوضاع فيها.
كفر قدوم الأكثر زخما
منذ أربع سنوات ومئات النشطاء في قرية كفر قدوم شرق محافظة قلقيلية والمحاصرة من خمس بؤر استيطانية، يخرجون في مسيرتهم الأسبوعية المطالبة بفتح الشارع الرئيسي للقرية والذي أغلقته قوات الاحتلال قبل (13 عاما) لتتيح للمستوطنين استخدامه بأمان.
وتصنف المواجهات التي تتبع قمع قوات الاحتلال لمسيرة كفر قدوم، بأنها من أعنف وأقوى المواجهات التي تشهدها مناطق التماس في الضفة، بسبب عدد المتظاهرين الكبير الذي يشارك في المسيرة، والقوة المفرطة التي تستخدمها قوات الاحتلال في قمع المتظاهرين، واستخدام الاحتلال أسلحة محرمة دولية بشكل مستمر في قمع المتظاهرين.
الناطق الإعلامي للهيئة الشعبية في قرية كفر قدوم مراد شتيوي، قال لـ قُدس الإخبارية، إن ما يقارب 60 متظاهرا أصيبوا بالرصاص الحي، 10 منهم كانت إصاباتهم في الأطراف العلوية، وذلك خلال المواجهات في القرية منذ شهر تموز 2014 حتى اليوم، إضافة لمئات الإصابات بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط وحالات الاختناق، وبالرصاص الاسفنجي الذي يستخدمه الاحتلال عادة في القدس.
وأشار شتيوي إلى أن قوات الاحتلال اعتقت من القرية مؤخرا 170 شابا، قضوا في السجن ما بين (4-24) شهرا، وأفرج عنهم مقابلات غرامات مالية باهظة، وصل مجموعها الكلي إلى (300) ألف شيقل.
وأضاف، أن قوات الاحتلال خلال المسيرة تطلق نيرانها على أي جسم حي متحرك، "الكل هو هدف لرصاص قناصة الاحتلال التي تعتلي أسطح المنازل بعد اقتحامها".
ويقول شتيوي بأن قوات الاحتلال تحاول بشكل مستمر تنفيذ انتقام جماعي على أهالي القرية، فتستهدف المنازل بوابل من القنابل الغازية، مشيرا إلى أنه في إحدى جولات الموجهات استهدف منزلا واحدا بـ 43 قنبلة غازية، كما استهدفت زوجته وشقيقته وطفلته بغاز الفلفل بعد اقتحام منزله إحدى جولات المواجهات، محاولة بهذه الأساليب تحريض أهالي البلدة على المتظاهرين.
وأدت هذه الاعتداءات إلى استشهاد المسن سعيد علي (85 عاما) عام 2014 إثر اختناقه بالغاز الذي تطلقه قوات الاحتلال بكثافة في القرية خلال المواجهات، فيما فقد أحد الشبان عينه نتيجة استهدافه برصاصة معدنية، وفقد آخر قدرته على النطق إثر استهدافه بقنبلة غازية أصابت رأسه.
وأوضح شتيوي، أن الاحتلال يستخدم المياه العادمة أيضا في استهداف المنازل والمتظاهرين، في سياق انتقامه الجماعي، مؤكدا أن ذلك لم يرهب الاهالي الذين باتوا ينظمون مسيرة ثانية كل يوم سبت، ناهيك عن المواجهات التي تندلع بعفوية بشكل شبه يومي إثر اقتحام القرية.
بيت امر.. المواجهات فصل يومي
منذ بداية عام 2015، قدمت قرية بيت أمر شمال مدينة الخليل أربعة شهداء وهم، فلاح أبو ماريا، وابراهيم عوض، وابني العم جعفر وزياد عوض، حيث تشهد قرية بيت أمر شبه يوميا، مواجهات عنيفة جدا مع قوات الاحتلال المتمركزة في النقطة العسكرية المقامة على مدخل القرية.
الناطق باسم لجنة المقاومة الشعبية في بيت امر محمد عياد عوض، بين أن قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات يومية في القرية طالت منذ بداية الانتفاضة مطلع الشهر الماضي 150 شخصا من البلدة، من ضمنهم 60 طفلا.
ويوضح عوض لـ قُدس الإخبارية، أن مواجهات مستمرة تشهدها القرية نتيجة استفزازات جنود الاحتلال المتواجدين داخل النقطة العسكرية المقامة على مدخلها، إضافة لإغلاق مداخل البلدة بشكل مستمر ومداهمتها واقتحام المنازل فيها.
ويقول عوض، إنه وعلى الرغم أن بلدة بيت أمر أصبحت منطقة منكوبة، إلا أنها لا تحظى بالاهتمام الإعلامي اللازم، رغم وقوعها على شارع رئيسي ومحاصرتها بخمس مستوطنات، مرجحا أن يكون ذلك عن غير قصد في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها مناطق عديدة في الضفة.
ويضيف، أنه على مدخل القرية يوجد سوق مركزي يستخدمه المزارعون لتجارة وتوزيع مزروعاتهم من الخضار والفواكه، لكن قوات الاحتلال تقتحمه باستمرار وتتمركز فيه وتضيق على المزارعين والمتوافدين.
ومن بين المضايقات التي تفرضها قوات الاحتلال مصادرة الجرارات الزراعية الخاصة بمزارعي القرية وإجبارهم على دفع غرامات مالية باهظة مقابل استردادها، هذا عدا عن اعتداءات المستوطنين بحماية الجيش على المزارعين أثناء عملهم في أراضيهم.
صفا مغيبة تماما
على الرغم أنه نادرا ما يرد اسم قرية صفا الواقعة غرب مدينة رام الله في الإعلام، إلا أن ما يدور فيها من أحداث يصنف من أعنف وأقوى المواجهات في محافظة رام الله، وفقا للنشطاء والمتابعين.
ويبين الناشط الحقوقي مهند كراجة، أن القرية المحاذية لجدار الفصل العنصري تشهد بشكل دائم مواجهات عنيفة تطلق خلالها قوات الاحتلال زخات من الرصاص الحي ووابلا من القنابل الغازية الصوتية، مضيفا أن القرية تنتفض دائما وتواكب أي هبات شعبية تشهدها مدن الضفة.
ويضيف لـ قُدس الإخبارية، أنه خلال الانتفاضة الحالية أقدم متظاهرون من البلدة على قص جزء كبير من السياج الذي أقامه الاحتلال، ما أثار جنونه نتيجة الخسائر المادية التي تكبدها بسبب هذه الخطوة، ما دفعه أيضا لتكليف حراس بمراقبة السياج لحمايته.
ومنذ ذلك الحين، صعدت قوات الاحتلال من انتقامها من القرية باقتحامات يومية، فيما زادت حدة المواجهات قرب الجدار في القرية، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال وخلال اقتحاماتها اليومية الليلة تستهدف المنازل بالقنابل الصوتية لإثارة الخوف بين سكانها ودفعهم لمنع أبناء البلدة من أعمال المقاومة.
ويوضح كراجة، أنه العشرات من أبناء البلدة أصيبوا بالرصاص المعدني المغلف بالمطا والرصاص الحي، ناهيك عن ما ألحق من أضرار بالمنازل وبعض الأماكن في القرية نتيجة استهدافها بالقنابل الغازية والصوتية.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت مؤخرا شابين من القرية واعتدت عليهما بالضرب المبرح، ثم أطلقت سراحهما لاحقا، حيث مازال أحدهما يتلقى العلاج في المستشفى حتى الآن نتيجة الاعتداء الذي تعرض له.
ويشتكي كراجة من عدم اهتمام وسائل الإعلام بما يحدث في القرية، وهو ما ضاعف من اعتداءات الاحتلال وأشعر أهالي البلدة بالعزلة، مضيفا، "إذا كان الإعلام الفلسطيني يسعى لإنجاح الانتفاضة فعليه التركيز على الهبات الشعبية الصغيرة المندلعة هنا وهناك، بدل تركيزه على مراكز المدن فقط، فهذا يشجع الريف الفلسطيني بشكل عام على الانضمام للفعاليات الاحتجاجية وتوسيع نطاق المواجهة".
في سلواد.. الانتفاضة عمرها عامان
عامان مرا على اندلاع الانتفاضة الحقيقية في بلدة سلواد شرق رام الله، والتي تصنف مواجهاتها أيضا من المواجهات الأعنف في الضفة، خاصة أن الاحتلال يستخدم الرصاص الحي بشكل أساسي في قمع المتظاهرين.
وبدأت حالة المواجهة المستمرة في بلدة سلواد إثر محاولة مستوطنين السيطرة على أحد أرضيها وضمها لمستوطنة "عوفرا" العشوائية المقامة على أراضي البلدة من الجهة الشرقية، وذلك في الوقت الذي يحاصر فيه جيش الاحتلال البلدة من الجهة الغربية بنقطة عسكرية، ويمر بأراضيها شارع (60) الاستيطاني، وهذا كله جعل من سلواد منطقة تماس أخرى شديدة السخونة في الضفة.
شهيد وعشرات المصابين بالرصاص الحي ورصاص التوتو المحرم والرصاص المعدني المغلف بالمطاط، إضافة لمئات حالات الاختناق هو ما خلفته مواجهات سلواد خلال العامين الماضيين، والتي صعد الشبان فيها من تصديهم للاحتلال بإلقاء المولتوف والأكواع والمفرقعات النارية.
وشهدت البلدة اشتباكا مسلحا مؤخرا استمر 35 دقيقة وانتهى بانسحاب المقاوم، لترد قوات الاحتلال باقتحام عنيف للبلدة وإطلاق وابل من القنابل الغازية تجاه المنازل، كما وتشهد البلدة اقتحامات ومداهمات شبه يومية يتخللها حملات اعتقال، ورغم كل ذلك إلا أن البلدة لا تشهد حضورا لوسائل الإعلام ولا يتم تغطية ما يدور بها الشكل المطلوب.
أحد النشطاء في سلواد حمل مؤسسات البلدة المسؤولية عن عدم استثمار المواجهات بطريقة صحيحة في رفض خطة توسيع مستوطنة "عوفرا" ومصادرة المزيدة من أراضي البلدة، مضيفا، أن شبان البلدة حملوا على عاتقهم مواجهة المحتل وتحديه وليكونوا مواكبين لكل هبة شعبية تولد في فلسطين، حيث أن وتيرة المواجهات تواصل ارتفاعها رغم ارتفاع أعداد المعتقلين والمصابين.
وأشار الناشط الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه وغيره من الشبان الين يشاركون في الموجهات يحاولون توثيق ما يحصل ونشرها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لإيصالها للعالم، وهو ما ساعد بمعرفة ما يدور في البلدة، "في ظل إهمال وسائل الإعلام المتعمد وغير المتعمد لما يدور في البلدة"، حسب قوله.
وأكد الناشط أن مؤسسات البلدة والأهالي لم يبذلوا الجهود المناسبة لاستقطاب الصحفيين، ناهيك عن قيام البعض بطردهم واتهامهم بتحريض الشبان على إلقاء الحجارة.
ويدعو المراقبون بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة في الريف الفلسطيني، لما لذلك من أهمية في دعم الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال وتعزيزها، وهو ما يستدعي كما يقول نشطاء اهتماما إعلاميا أكبر في المناطق الريفية التي تعتبر مناطق مواجهة مستمرة مثل تلك المذكورة سابقا.