شبكة قدس الإخبارية

الانتفاضة خيار لازم

فيصل الرفاعي

"لا بد لكل جيل أن يكتشف رسالته وسط الظلام؛ فإما أن يحققها وإما أن يخونها".

فرانز فانون

كما هو متوقع، فإن الانتفاضة التي انفجرت شرارتها مع بداية شهر تشرين أول، لم تكن مفاجئة بحد ذاتها من حيث الحدوث، إذ أن بوادرها كانت تلوح بالأفق منذ بداية عام 2013 بعد وصول الحلول السياسية إلى أفق مسدود، وهو الأمر الذي انفجر في عام 2014 بعد عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة في الخليل واجتياح الضفة الغربية في حينها وما تبعه من حرق المستوطنين للشهيد محمد ابو خضير، ثم كانت النهاية بالعدوان على غزة.

الانتفاضة ما بين الحجر والسكين و أسئلة أخرى:

لا يخلو التاريخ الفلسطيني منذ ما يقارب الـ 100 عام وحتى اللحظة من التجارب الثورية والنضالية الغنية والتي كانت ملهمة لكثير من الحركات الثورية على مستوى العالم؛ وهو الأمر الذي لو تتبعناه جيدا وأخضعناه للفحص والنظر، لظهر لنا جليا وبشكل واضح، أن هناك إشكالية حقيقية لدينا كفلسطينيين في خلق حالة ثورية تراكمية تقوم على الاستفادة من كل تجربة سابقة للتقدم مرحلة أخرى نحو التحرير والحرية لفلسطين.

وبشكل سريع، فإن قراءة قصيرة لتجربة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 87 والتي كان عنوانها الحجر كأداة أساسية للتعبير عن رفض الحياة تحت الاحتلال، -وهو الأمر الذي تحول في مرحلة ما لاحقا إلى تعبير "رمزي"-، ثم تطور إلى استعمال السكاكين كاداة فعالة ضد الاحتلال منذ عام 89، حتى وصل الأمر ذروته عام 94 مع العمليات الاستشهادية.

وتجربة الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، والتي استخدمت المظاهر التقليدية للانتفاضة –رمي الحجارة والمظاهرات- في اول 3 شهور لها فقط، ثم انتقلت بشكل سريع نحو عمليات إطلاق النار والعمليات الاستشهادية؛ فإن كل من هاتين التجربتين تشيران بوضوح إلى أن الفلسطينيين عموما عند كل تجربة يبدؤون العمل من مرحلة الصفر ثم يتطور العمل الثوري لديهم نحو مستويات اعلى؛ وهو الأمر الذي يدفعنا للتساؤل هنا، إلى أي مدى قد تصل الانتفاضة الحالية او الهبة الشعبية الحالية والتي بدأت بعمليات طعن قوية وفعالة؟!

مفاجآت الانتفاضة:

عند الحديث عن المفاجآت علينا أن نذكر أمرا هاما، وهو أن معظم الدوائر "الاسرائيلية" كانت تتوقع حدوث انفجار في المناطق الفلسطينية، وهو الأمر الذي دفع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في عام 2014 الماضي لاستغلال عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة في الخليل واجتاح الضفة الغربية وقام بعملية استباقية للقضاء على كل ما له علاقة او صلة بالمقاومة و فرض واقع أمني جديد يجعل من الصعب او المستحيل قيام أي عمل عسكري ضد الاحتلال في الضفة الغربية مع التأكيد على أن معظم من لديهم خبرة في العمل المقاوم في الضفة هم إما معتقلين او مبعدين، وإما شهداء.

ومن هنا، كانت المفاجآت التي أحدثت ارتباكا شديدا لدى قادة الاحتلال بانفجار "حرب السكاكين" في مدينة القدس المحتلة والتي يمكن أن نذكر منها:-

اولا: أن الاحتلال وبرغم تفاخره بأن المدينة المقدسة هي عاصمته الأبدية وأنها أكثر الاماكن أمنا في العالم لليهود إلا أنه بقي عاجزا أمام طعنات المقاومين الاستشهاديين ولم يكن أمامه سوى الانتظار والبقاء في حالة ترقب دائم لموعد العملية القادمة.

الثانية: أنه ورغم كل حملات القمع والارهاب التي يمارسها جيش الاحتلال في الضفة الغربية وملاحقة كل من له علاقة بالمقاومة، إلا أن الضربة جاءته هذه المرة من الجيل الذي كان يعتبره "جيل اوسلو" والذي لا يحمل أي خطر على الكيان، وهو هنا وقع في خطأ تقدير استراتيجي ربما سيكلفه كثيرا.

المفاجأة الثالثة بالنسبة للاحتلال كانت في جبهته الداخلية "الهشة" والتي لطالما تفاخر الاحتلال بها وبقوتها وبأنها الحصن المنيع لصد المقاومة، هذه الجبهة الداخلية التي رأينا جميعنا هشاشتها حينما لم يميز أبنائها بين المستوطن الشرقي والغربي، وما بين اليهودي والعربي.

الانتفاضة خيار لازم:

وفي هذا السياق ايضا علينا عدم إغفال دور المستوطنين في اندلاع المواجهات الأخيرة، بدءا من إحراق الشهيد محمد ابو خضير في شعفاط وصولا لحرق عائلة دوابشة في نابلس وليس انتهاءا بالاقتحامات الدائمة والمتكررة للمسجد الأقصى؛ حيث كانت هذه الاعتداءات المباشرة بمثابة شرارة دائمة ومتكررة لدفع المواجهات نحو الاستمرار والتصعيد الدائم مع الإحتلال، مع الإنتباه هنا إلى أمرين أساسيين،

أولا: أن افعال المستوطنين وإن كانت في ظاهرها عشوائية إلا أنها تأتي في سياق خطط منظمة ومدروسة تتم بالتعاون التام ما بين المستوطنين وأجهزة الامن الاسرائيلية.

ثانيا: أن الاستيطان وإن كان ظاهرا في الضفة الغربية إلا أننا يجب أن لا نغفل عن خطط الاستيطان المستمرة في عموم فلسطين مثل مخطط برافر لتهويد النقب المحتل ومخططات التوسع في محيط المدن العربية في الداخل المحتل عام 1948.

وكنتيجة نهائية. لكل ما سبق، تصبح الانتفاضة ضرورة حتمية للمحافظة على الوجود الفلسطيني وللصمود امام كل المخططات الاستعمارية ويصبح من الواجب أن ننشغل بالبحث عن وسائل لتطوير أداء الانتفاضة وضم أكبر عدد من الكتلة البشرية الموجودة في فلسطين لدائرة المواجهات، بدلا من الإنشغال في البحث  عن اجابات لاسئلة لا فائدة منها.