يوم أمس عبّر إعلامي فلسطيني معروف عن عدم رضاه عن الحالة التي يشهدها الشارع الفلسطيني في جزئية تصاعد عملية التصفية للفتيان والفتيات بسبب محاولاتهم تنفيذ هجمات طعن، سواء كانت زعما من قبل الاحتلال أو أعمالا حقيقية مقصودة. ولإنصاف المنادي بهذا الرأي الذي استنكرَه كثيرون في صورته الظاهرة، فإنني سأسعى لتوضيح فهمي لموقفهم، وهو ما أنظر إليه باعتباره دعوة إلى توجيه العمل المقاوم، حيث أن المستهدف الأول من هذا الخطاب هو "الحزب الفلسطينيّ" بشكل خاص من ناحية أن مسؤولية المواجهة وتكيكاتها لطالما كانت إحدى أدوارهم المهمة.
من أجل وضع النقاط على الحروف
في بدايات الانتفاضات أو الهبّات –سمّها كما شئت- عادة ما يكون النمط الشعبي في الحراك هو السائد، حيث أن الشعب بتشكيلاته الفردية هو من يقرر قصم القشة ويساهم في تحديد توقيت الانطلاق، ويلعب دورا في استمراريته، لكن سرعان ما تصبح المسؤولية في إدارة الصراع ملقاة على كتف الحزب الفلسطيني المقاوم، حيث أن إحدى وظائفه تحت الاحتلال تتمثل في تبني المواجهة "المسؤولة" مع الاحتلال، ودراسة الخيارات المطروحة، والوعي بأماكن الضعف والقوة، واختيار التواقيت المناسبة.
هكذا كانت في بداية الانتفاضة الأولى والثانية في إحدى صورها، ثم ما لبثت الخلايا العسكرية بدء تشكيلاتها لمختلف الفصائل الفلسطينية، وترتيب أوراقها، وتنظيم صفوفها للانطلاق في مواجهة طويلة الأمد استهدفت أماكن التواجد الاسرائيلي وأرهقتهُ وفق دراسة ظروف المواجهة.
إذا، هل حان وقت التدخل للفصائل؟
رجوعا للتاريخ الحديث في مواجهة الاحتلال في فلسطين، فإن الإجابة عن هذا السؤال واضحة، أي: نعم إن الوقت قد حان، لكن قد تمنعه عوامل وظروف، أو تؤخره فقط، والقصد هنا بأن مسؤولية الأحزاب في تنظيم المواجهة يرتبط ارتباطا وثيقا بتوفير الحرية لخلق بيئة عمل مقاوم لهذه الفصائل، خاصة في الضفة الغربية، وهو ما كان شحيحا في السنوات الأخيرة سواء فهمنا الأمر بأنه توجّه سياسي في محاولة لتطبيق رؤية سياسة كما هو الحال في الفهم "الرسمي" للموضوع، أو كما يعتبره المعسكر "المعارض" استهدافا لخيار الكفاح المسلح والاكتفاء بالمقاومة الشعبية السلمية. وهنا الحديث عن الضفة كموقع أساسي في الأحداث الجارية.
ماذا بعد؟
في حالة استمرار المواجهة الشعبية والنمط الفردي في مناطق متعددة في الضفة الغربية تحديدا فإن حالة اللاإستقرار قد تتيح مساحة من الحرية لأحزاب أو منتمين لأحزاب مقاومة ترتيبَ صفوفهم بصورة خلايا تجدد العمل المسلّح والهجمات المنظمة، وهو ما قد يزيد البعد عن حالة الاستقرار السياسي والميداني في مدن الضفة، مما يخلق مساحات أكبر لتزايد هذا النوع من العمل الذي ما غاب عن تاريخ المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي إلا في ظروف استثنائية.
أخيرا، فإن فهم موقف المنادين بوقف الطعن، إن أردنا أن نحسن الظن في التفسير يتمثل بدعوتهم لإعادة توجيه وتنظيم الطاقة البشرية في مقاومة الاحتلال، وهي ما تخبرنا فصول القضية الفلسطينية بأنه مسؤولية الفصائل ودورها الهام، إلا أن هذا التسلسل في تطور مسار المواجهة يصطدم هذه المرة بعائق انعدام بيئة المقاومة وتلاشيها سنوات مديدة، وهو ما يحتاج لوقت إضافيّ إلى جانب ثبات حزبي وشعبي على خيار استمرار المواجهة.