شبكة قدس الإخبارية

الإرهاب الحكومي في "إسرائيل".. الهشلمون ليست الأخيرة

هيئة التحرير

رام الله – قُدس الإخبارية: تزامنت وقفة عرفة (اليوم السابق لعيد الاضحى المبارك) مع ما يسمى بـ"عيد الغفران"، وهو اليوم الذي يعتبره الإسرائيليون مقدسا ويمنعون فيه جميع الانشطة لديهم، بما في ذلك البث الإذاعي والتلفزيوني، "كان يوما هادئا"، حسب وصف صحف الاحتلال، لكنه في الواقع لم يكن كذلك.

ففي هذا اليوم أعدمت هديل الهشلمون (18 عاماً) من مدينة الخليل برصاص جنود الاحتلال عند نقطة تفتيش في المدينة، وزعم جيش الاحتلال أن هديل رفضت الانصياع لأوامر الجنود المتواجدين على الحاجز وأخرجت سكينة في محاولة لمهاجمة الجنود، ما دفعهم لأطلاق النار على ساقيها في البداية ثم على أجزاء جسدها العلوية لتفقد حياتها على إثر هذه الإصابات.

هذه الرواية التي أصبحت تمثل إجابة نموذجية لأي أحداث قتل متعمد على حواجز الاحتلال المنتشرة في مدن الضفة لا تجد من يصدقها من الفلسطينيين، ففي واقعة إعدام الهشلمون يؤكد فلسطينيون تواجدوا في المنطقة أن الفتاة لم تفهم ما كان يصرخ به الجنود باللغة العبرية، ليقوم الجنود بعد ذلك بإطلاق النار عليها مباشرة ما أدى لاستشهادها في وقت لاحق.

كما تظهر الصور والفيديو الخاصة بالحادثة حقيقة أن الجنود أطلقوا النار على الفتاة رغم كونها لا تحمل سلاحا، وحتى لو كانت تحمل سكينة فإنها بالكاد تشكل أي خطر على الجنود المدججين بأسلحتهم في ثكناتهم، وبالتأكيد فإن سبب الاستشهاد يعود لتأخر تقديم الرعاية الطبية اللازمة لها بعد إصابتها، وهو ما دفع منظمة العفو الدولية لوصف مقتل هديل بعملية الإعدام خارج نطاق القضاء.

ويبدو أن القناة العبرية الثانية كانت بعيدة عن الواقع اليومي حين تعاملت مع الحدث على أنه حدث غير عادي، فالإحصاءات تشير إلى استشهاد أكثر من 8000 فلسطيني معظمهم من المدنيين على أيدي قوات الاحتلال منذ بداية الانتفاضة الثانية مطلع الألفية الثانية.

ووفق تقرير صادر عن منظمة "يش دين" الاسرائيلية لحقوق الانسان، فإن هناك 16 حالة اتهم فيها جنود بقتل مدنيين فلسطينيين بالعمد، فيما تم اعتقال آلاف الفلسطينيين أدينوا بقتل أكثر من 1200 اسرائيلي خلال نفس الفترة.

ووفق مايكل سفارد، المحامي الاسرائيلي المختص بحقوق الانسان، فقد تم إدانة جندي اسرائيلي واحد بالقتل العمد خلال فترة الانتفاضة الثانية، وحكم عليه بالسجن لمدة وصلت إلى 8 سنوات، مضيفا، أن هذه الحالة فريدة من نوعها ولا تكاد تجد لها مثيلا على الرغم من العدد الكبير من الشهداء الفلسطينيين خلال هذه الفترة.

ويقول سفارد، إن التفسير المنطقي لهذا الحكم على الجندي يعود لكون الضحية متضامنا بريطانيا هو توم هورندال، وليس يكن فلسطينياً، كما أن الجندي من أصل بدوي، وهو ما يجعل احتمالية التحقيق حتى مع الجنود الذين أطلقوا النار على هديل الهشلمون أمراً مستبعداً للغاية.

ورغم كل هذا الظلم و التمييز الذي يتعرض له الفلسطينيون، فإن دوائر الحكم في دولة الاحتلال ترى أن التمييز لصالح الفلسطينيين، بل تعتبر الدوائر الأمنية والقضائية في الكيان النظام المتبع مع الفلسطينيين نظاماً متساهلاً للغاية.

ولمزيد من الإمعان في الظلم، أقر مجلس وزراء الاحتلال يوم الخميس (أول أيام عيد الاضحى) وبعد يومين من مقتل هديل الهشلمون، قانوناً جديداً يعطي مزيداً من التسهيلات للجنود لإطلاق النار على الفلسطينيين خاصة في حالة المواجهات.

وتسعى حكومة الاحتلال عبر هذا القانون الجديد للحد من المواجهات التي يقودها الفلسطينيون بشكل متصاعد في مناطق القدس والضفة، و لعل ما زاد من دراماتيكية الأحداث مقتل أحد المستوطنين إثر تعرضه لأزمة قلبية بعد استهداف سيارته بالحجارة قرب القدس، كما يزعم الاحتلال.

وحتى الآن لم تتضح تفاصيل قواعد إطلاق النار الجديدة هذه، لكن من المؤكد أنها سوف تشمل اطلاق نار القناصة ضد راشقي الحجارة أو المشتبه بهم في حالة تشكيل أي تهديد امني على قوات الاحتلال - وفق ما تقرره القوات نفسها-.

ويبين سفارد، أن قانوناً كهذا يتيح للقناصة استهداف راشقي الحجارة أو حتى من يشك القناص بنيتهم استهداف قوات الاحتلال، ما يعطي للقناص كماً كبيراً من الصلاحيات و القرارات، مثل اتخاذ قرار بأن راشق الحجارة يشكل تهديداً على قوات الأمن، أو أن المار في الشارع قد يكون من المشتبه بهم وينوي إلقاء الحجارة على قوات الأمن، وهذا ما يعني أن حوادث كحادثة قتل هديل في الخليل وغيرها ستزداد بشكل مطرد و كبير.

ويذكر سفارد أيضاً أن العقوبات الدنيا المقررة بحق راشقي الحجارة مبالغ فيها لدرجة كبيرة، إذ لا يحتوي القانون الاسرائيلي على أي حد أدنى كعقوبة للاغتصاب، ويبدو أن قانون الاحتلال يعتبر رمي الحجارة جريمة أكبر من الاغتصاب.

ويتذكر سفارد الذي نشأ في القدس قيام اليهود الأرثوذكس - حتى هذه الأيام - برشق السيارات المارة من الشوارع في أيام السبت منذ  سنين طويلة، و لم يجرؤ أحد حتى الآن على استخدام القناصة ضد هؤلاء المتشددين أو حتى ارسالهم إلى السجن لفترات مختلفة.

و بعد كل هذه الاستدلالات فإنه لا مجال للشك بأن الأساليب الجديدة التي أقرتها حكومة الاحتلال ذات مغازٍ وأهداف سياسية أكثر من كونها ذات أهداف أمنية، حيث لم يتقدم بهذه المبادرات وزير الجيش أو أي من قيادات قوات أمن الاحتلال بل جاءت تحت تأثير ضغط القيادات اليمينية في حكومة الاحتلال.

وكانت وزيرة الثقافة الحالية والمتحدثة السابقة باسم جيش الاحتلال ميري ريغيف، قد  دعت لتغيير قواعد إطلاق النار على الفلسطينيين خاصة بعد الحادث الذي وقع في قرية النبي صالح قبل شهر من الآن، إثر قيام إمرأة فلسطينية (ناريمان التميمي) بضرب جندي اسرائيلي بعد تهجمه على ابنها، ما دفع ريغيف لكتابة منشور على فيسبوك قالت فيه حرفيا: "كل من يحاول إيذاء الجنود أو المدنيين الإسرائيليين يحتاج إلى معرفة لون دماء رأسه على الفور".

ولم يقتصر الإرهاب الحكومي على وزير الثقافة بل تعداها إلى وزيرة القضاء ايليت شاكيد، اللتي غلظت عقوبة الحد الأدني لراشقي الحجارة مخالفة بذلك نصائح المستشار القضائي للحكومة يهودا فاينشتاين.

ومن المعروف عن شاكيد كرهها الشديد للفلسطينيين، حيث أطلقت دعوة إبان عضويتها في الكنيست لاعتبار كل الفلسطيينيين أعداءً يشكلون خطراً على الدولة، بما فيهم كبار السن والأطفال الصغار، وتدعم شاكيد حالياً قانونا جديدا تحت بند مكافحة الإرهاب، يفضي إلى تقنين الاعتقالات الإدارية بشكل أكبر، واعتبار أي عمل "مناصر للإرهاب" حسب وصف القانون عملاً موجباً للسجن لمدة لا تقل عن 3 سنوات.

ووفق القانون فإن أعمالاً كالتلويح بالأعلام  أوالتدوينات في وسائل التواصل الإجتماعي تعد أعمالاً مناصرة للإرهاب.

و كان وزير الامن الداخلي جلعاد اردان أحد الذين دعوا إلى عدم اعطاء الجنود حرية مطلقة في إطلاق النار على راشقي الحجارة، لكن جلعاد نفسه هذا كان قد سبق له أن هدد قضاة محاكم الاحتلال بالطرد إن لم يصدروا أحكاماً مشددة على راشقي الحجارة المعتقلين.

ولعل تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن نيته تغيير الوضع، وأن عمليات رشق الحجارة لن تمر دون حساب شديد، هي التصريحات الأقل حدة بين تصريحات وزرائه وتصرفاتهم.

ومنذ العام 1977 حتى الآن شهدت اسرائيل حكم إئتلافات يمينية باستثناء قترات قصيرة من حكم يسار الوسط، لكن الكثير من الناخبين و السياسيين اليمينيين يشتكون من أن القوة الحقيقة لا تزال في أيدي النخب اليسارية في النظام القضائي المسيطر في الإدارة العامة وقوات الأمن.

إلا أن الانتخابات الأخيرة عملت على تشكيل تحالف يميني دون شركائه من الوسط أو اليساريين للمرة الأولى منذ سنوات عديدة، ويبدو وكأن هذه الفرصة هي المثالية أمام الشباب من السياسيين اليمينيين أمثال أردان و شاكيد وريجيف ووزير التعليم نفتالي بينيت وغيرهم ليثبتوا أن بامكانهم إحداث فرق كبير في سياسة الاحتلال.

وكان بينيت رئيس حزب البيت اليهودي قد دعا إلى وقف ما دعاها "سياسية الاعتذار"، في حملته الانتخابية الأخيرة ويبدو أن دعوته هذه قد أجيبت تماماً، ويبدو أن نية اليمينيين تتجه للضغط على انصار اليسار للاعتذار عن سياساتهم السابقة والتي يعدها أنصار اليمين متساهلة بحق الفلسطينيين.

ومع كل ذلك، يعد ترشيح نائب الرئيس الحالي لجهاز الشاباك روني الشيخ لمنصب قائد الشرطة خطوة في الاتجاه نفسه، حيث خرج المرشح الجديد الذي اقترحه اردان ووافق عليه نتنياهو من داخل مجتمع المستوطنين وعاش في الآونة الأخيرة في مستوطنة بالضفة، ما شكل له خلفية سياسية وأمنية مختلفة تتعلق بطبيعة التعامل مع الفلسطينيين و النظر اليهم.

و يبقى السؤال المهم في هذا الشأن متعلقا بقدرة الخطاب اليميني هذا على تغيير قواعد السياسة الإسرائيلية والتأثير بها على أرض الواقع، حيث لا يظهر جيش الاحتلال متحمساً لتغيير قواعد الاشتباك مع الفلسطينيين، وهي رؤية تشترك فيها معه العناصر الهامة في جهازي الشرطة و القضاء، حيث يخشون بشكل كبير من اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة، وهو على ما يبدو أمر لا يخشاه معظم وزراء نتنياهو وساسة حكومته.

المصدر: ميدل ايست آي – ترجمة: هيثم فيضي