شبكة قدس الإخبارية

في الميزان: مشاركة فلسطينيي الداخل في المسابقات الإسرائيلية

ميساء أحمد

برزت في السنة الماضية قضية مشاركة فلسطيني الداخل في الأراضي المحتلة عام 1948 في برامج المسابقات الترفيهية على القنوات الاسرائيلية، مثل "ماستر شف" الذي وصلت فيه الممرضة "سلمى الفيومي" من كفر قاسم إلى المرتبة الثانية، و"ذا فويس" الذي حصدت فيه الشابة العكاوية "لينا مخول" اللقب الأول.

لم تكن هذه المشاركة هي الأولى من نوعها، سوى أن المشاركين من العرب قد وصلوا الى مراتب متقدمة جدا هذه المرة، الأمر الذي استقطب المشاهد العربي وجعل يتابع المسابقات في أدق تفاصيلها بالاضافة الى تحوّلها لموضوع الساعة في الجلسات الاجتماعية وكذلك الصحافة المحلية.

يعتبر الموقف من هذه المسألة غير محسوم الى الآن لدى فلسطينيي الداخل حول مدى "الشرعية السياسية" للمشاركة في هكذا برامج، وتعتبر مسألة أخرى من ضمن الكثيرات التي يواجهها أهالي الداخل في حياتهم اليومية في ظل غياب جسم سياسي موحد يشكل بوصلة الرأي العام لديهم، وبدا هذا التباين جليا لمجموعة من الشباب قمت باستطلاع آرائهم حول الموضوع، انقسموا بين مؤيد ومعارض مع استحضار تبريراتهم المختلفة.

التطبيع مقابل الاندماج

انقسمت هذه المسألة بين المستطلعين حسب رؤيتهم الخاصة للسياق الذي يعيشون فيه، فالبعض لا يزال يرى أنه جزء لا يتجزأ من السياق الفلسطيني العربي، ويقول أن المشاركة في هكذا برامج هي تطبيع للعلاقات مع كيان محتل وتضر بسمعة انتمائنا لامتدادنا الطبيعي في الضفة وغزة والشتات، خصوصا أنها لا تسهم في نضالنا المتعلق باستجلاب الحقوق والمساواة، وهي تختلف بالتأكيد عن المشاركة في البرامج السياسية والاقتصادية.

يرى البعض الآخر أنه لا مبرر لرفض المشاركة في هكذا برامج لأن حياتنا برمتها أصبحت مرتبطة بالمؤسسة الاسرائيلية، والا فلماذا نبعث أبناءنا الى الجامعات ولا نبعثهم للمشاركة في البرامج و"تقديم صورة جيدة عن المجتمع العربي"، حسب تعبيرهم. كما أن الاندماج بين المجتمع الاسرائيلي والمجتمع الفلسطيني في الداخل لا يمكن أن يتحصّل من طرف واحد، بل على كلا الطرفين أن يسهما في ذلك، ومن هنا تنبع أهمية مشاركة أشخاص من بيننا في هذه البرامج، لا يجب التحدث عن أن المجتمع الفلسطيني هو الوحيد الذي سيتأثر من هذا الأمر، بل ان المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع خاضع للتأثير، ونقدم نحن له فرصة لكي يغير نظرته تجاهنا، ونتصدر أيضا عبر البرامج الفنية والترفيهية الحيز العام. هذا قولهم.

ترويج لديمقراطية اسرائيل

تقول إحدى المستطلعات مشككة في نوايا الاسرائيليين الطيبة تجاه دمج الفلسطينيين في هذه البرامج، لا يعقل أن يحدث هذا الأمر فجأة، فجأة بروز المشاركين العرب والأقليات الأخرى كاليهود الأثيوبيين، سوى بتخطيط مسبق لذلك. في السنوات الأخيرة شهدنا علو نبرة المجتمع الدولي وانتقاده لل- "الصهيونية" واعتبارها متناقضة مع المباديء الديمقراطية العالمية. الاسرائيليون معنيون في استخدام العرب الفلسطينيين في الداخل كورقة لتبييض وجهها المليء بالتشوهات أمام الرأي العالمي، وخطاب نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي الأخير ليس عنا ببعيد، لا توجد مشكلة مع الموضوع لو أن الواقع يشبه ما يقال على شاشات التلفاز والخطابات، واقع الهوة السحيقة بين مخصصات ما يحظى به المجتمع الاسرائيلي مقابل الفلسطينيين من قبل المؤسسة الاسرائيلية.

في المقابل يقول مستطلعون آخرون، ما الذي يمنعنا أن ننتهز هكذا منصات حتى نبيّض وجهنا نحن، ونثبت أننا مجتمع قادر، لديه من المواهب والقدرات ما لا يقل عن سواه، بالتأكيد ان من يشارك في هكذا مسابقات ليس أي شخص وضع ليملأ خانة "العربي" ويستخدم لصالح اسرائيل، بل هو شخص ذكي، واثق من نفسه ولديه قدرات تضاهي قدرات المتنافسين الآخرين.

قرار فردي-شخصي أم جماعي-سياسي

ينظر بعض المستطلعين الى مسألة المشاركة في هذه المسابقات ليست سوى أمر شخصي يعود الى الفرد نفسه، فهذه فرصة عملية ومواتية قد تمنح البعض مجالا للتقدم وبابا للشهرة كان مغلقا في السابق في وجه الشباب العربي، خصوصا مع غياب البديل. فيما يرى البعض أن المشاركين العرب الذي يدخلون هذه المسابقة هم ضمن معايير محددة ومسبقة وضعها القائمون على هكذا برامج، بالطبع هم لا يتعاملون مع عينة ممثلة، انما تلك التي تخضع لشروط "العربي الجيد" الذي يتجنب الحديث عن السياسة وأيضا هويته الفلسطينية والعربية غير ذي أولوية ولا تزعج آذان المتابع الاسرائيلي، بالاضافة الى مساهمته في تمييع الخطاب الهوياتي للفلسطينيين في الداخل.

يقول احد المستطلعين أن "لينا مخول" الحائزة على لقب "ذا فويس" الاسرائيلي، ظهرت لديها العديد من المغالطات في صفحتها الرسمية على الفيسبوك من خلال تصريحاتها غير المترجمة بدقة بحيث يتلاءم كل تصريح بلغة معينة مع جمهوره. ويشير الى مثال آخر فيما يتعلق ب"سلمى الفيومي" في مسابقة الطبخ الاسرائيلية "ماستر شف"، التي وجدت نفسها تتحدث باصطلاحات الهوية الصهيونية، عندما كان يشير كل مشارك من أي بلد "هاجر" الى اسرائيل ومن أية أصول هو، لتقول هي بدورها أنها من أصول مصرية لتتناغم مع الايقاع الهوياتي الصهيوني، طبعا هذا لم يعفها من تبادل النكات على مواقع الشبكة، أبرزها كان تحت عنوان "سلمى تصر على حق العودة" أي الى مصر..!!

مسألة مركبة

عدد لا بأس به أيضا ممن استطلعتهم يعتقد أنه لا يمكن حسم القضية بنعم أو لا، ولا يمكن تحويلها الى قضية رأي عام، أو العكس، لا يمكن اعتبارها مسألة شخصية، بل هي سياسية شئنا أم أبينا، الأمر الذي أودى لدى البعض الى تحميل القيادات الفلسطينية المسؤولية عن ترك الحبل على غاربه لدى المجتمع الفلسطيني في الداخل، في قضايا وأسئلة يومية يواجهونها تمس حياتهم ولكنها في المقابل تعتبر أيضا ذوات أبعاد سياسية، وبحاجة الى اجماع وقرار جماعي فيها كي تكون مؤثرة وتحظى بشعبية لدى عامة الناس.