شبكة قدس الإخبارية

الرّقابة بأساليبها المتنوعة.. سيف مسلط على حرية الصحافة

عمر أبو عرقوب

من أعْضل المشكلات التي تواجه الصحافيين عند الانخراط في ميدان العمل مشكلة الرّقابة الإعلامية وشعورهم بأنهم مكبّلين ومقيّدين، وهذا أصبح واقع الكثيرين في الوطن العربي وبلدان العالم ومنها دول العالم الأول التي تتغنى دومًا بالحرية والديمقراطية.

لن أتحدث في هذه التدوينة عن الحيادية والموضوعية بل عن عدوتهما الرّقابة، سأتحدث عن الخطأ حتى نستطيع التعامل معه بعد أن أصبح واقعا بدون جدال، على الأقل كي نكون جمهورا واعيا ومدركا لحقيقية ما يجري حولة، سواء كنا إعلاميين أو غير ذلك.

وأستطيع الجَزْم من خلال تجاربنا البسيطة وما سمعته من إعلاميين وصحافيين تعرضوا لمواقف رقابية أودت ببعضهم إلى المحكمة أو السجن، أن الرّقابة سبب رئيسي في إدخال الإحباط إلى قلوب الصحافيين، ليفقدون الدافع الذي كان يحركهم ويقف خلف إبداعهم، لأنه شعور بالفقد لأغلى ما يملكه الصحافي وهي حرية الرأي والتعبير والكتابة والبحث والاستقصاء.

والرّقابة الإعلامية حسب أكثر التعريفات شيوعا أو ما شعرت أنني مُقتنع به هو ما ذكره كونستانس بتسو، بأنها التدخل والتحكم في المعلومات والأفكار والنشر من خلال التلاعب والتضليل وفرض القيود والقمع وحظر المعلومات والتحول في المصادر بهدف إقناع الجمهور بأفكار ومعتقدات ومبادئ وتوجهات الوسيلة الإعلامية أو مالكها.

وفي أبسط التقسيمات حول أنواع الرّقابة يَظهر لدينا مفهوم الرّقابة الذاتية، والتي تكون نابعة من الصحافي نفسه بحيث يمنع نفسه من النشر والإستقصاء عن معلومات معينة خوفا من عصا الرّقابة العامة أو أن تُسبب له عقابا من الجهات المسؤولة، وهي تتناسب طرديا مع مستوى الرّقابة الإعلامية التي كلما ارتفعت مستوياتها ترتفع مستويات الرّقابة الذاتية، كما يحدث تماما مع كثير من الصحافيين في بلدان الثورات العربية حيث يمتلكون معومات في غاية من الأهمية ولكنهم إن نشروها قد تُرتكب بحقهم إجراءات تعسفية هم في غنىً عنها.

أيضا قُسمت الرّقابة الإعلامية إلى رقابة سلبية كمنع النشر وملاحقة الصحافيين لامتلاكم معلومات عن الفساد والقتل...الخ، والرّقابة الإيجابية وتعني التوقف عند حقوق الآخرين والتي تقوم بحجب معلومات ومنع نشرها من أجل أهداف تعتبر نبيلة وقد تختلف من مجتمع إلى آخر، مثلا عدم نشر تفاصيل منفذي عملية في الأراضي الفلسطينية ما زالوا طلقاء، فنشر مثل هذه المعلومات قد يخدم الاحتلال بالتعرف عليهم واعتقالهم.

في ظل هذه المقدمة الموجزة عن الرّقابة الإعلامية وبعض أنواعها أسعى لتقديم والتركيز على سبعة أشكال مهمة وخطيرة في نفس الوقت لممارسة الرّقابة الإعلامية على الصحافيين والمؤسسات الإعلامية كانت شملتها دراسة إعلامية في إيطاليا حول أشكال الرّقابة الإعلامية في عهد بارلسكوني بعد وصوله للسطلة في عام 1994 بالإنتخابات وفوزه لأكثر من مرة بدعم من وسائل الإعلام وبسبب الرّقابة، وهي على النحو الأتي:

الرّقابة المباشرة: كأن يقوم جهاز أمني أو حكومة بمنع نشر معلومات معينة ويهدد من ينشرها من الصحافيين أو المؤسسات الإعلامية، وهذا طبقه الإعلام الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على غزة، حيث منع بالقوة نشر أسماء جنود اختفوا خلال الحرب.

الرّقابة غير المباشرة: وهي أن تسعى جهة إلى عدم التصريح بمعلومات عن قضية معينة لأنها قد تثير غضب الجمهور أو تقلقه، وتكون الرّقابة بتجنب الحديث عن مواضيع معينة، مثلا يذهب الصحفي لجلب معلومات من أحد الأجهزة الأمنية عن سجين فيُواجه بالرّفض لأن المعلومات التي من الممكن أن يُصرّح بها الجهاز الأمني قد تثير موجة غضب.

إجراءات قانونية ضد مصادر المعلومات غير الصديقة: بحيث تكون الجهات المسؤولة راصدة لوسائل إعلام المعارضة و مصادرها الإخبارية، وتقدم ضدها الشكاوى في المحاكم مرفقة بسلسلة من الإجراءات القانونية، فمع تكرار ذلك تصبح هذه المؤسسات غير قادرة على تحمل عبء الإجراءات القانونية بحقها علمًا أنها قد تكون غير مذنبة.

دعوات المقاطعة للإعلام المعارض: كأن يقوم الحزب الحاكم بتنظيم المظاهرات ضد مؤسسات إعلامية بعينها في محاولة لدرعها عن ما تنشره حول الحكومة والحزب، وهذا تكرر كثيرا في أحداث ما بعد الثورة المصرية ضد قناة الجزيرة والقنوات الإسلامية.

تلفيق الاتهامات الباطلة والتسجيلات الصوتية: أيضا الرّقابة تمتد إلى إجبار مؤسسات إعلامية كبيرة وتضليلها لنشر تسجيلات صوتية في الغالب تكون مفبركة وتحوي فضائح لأطراف أخرى كما حصل في تركيا في انتخابات عام 2014.

حجب الثقة عن الصحافيين المهنيّين: وتكون من خلال ملاحقة الصحافيين المهنيين وتهديدهم سرًا وخاصة الذين يعملون على مواضيع مثيرة للجدل وتثير تخوفات وقلاقل الحكومة والجهات السيادية، من أجل ردعهم ودفعهم للإستسلام والتخلي عن القضية التي يعمل عليها كل منهم لخطورتها.

تشجيع الرّقابة الذاتية والخوف: كل ما تم ذكرة عن الرقابة وأشكالها يخلق حالة من الخوف في نفوس غالبية من الصحافيين والإعلاميين ومؤسساتهم، بحيث أصبحوا يفرضون على أنفسهم الرّقابة حتى لو لم تأتيهم تعلميات من جهات معينة.

كل ما سبق ذكره في علم الإعلام في الغالب يعود إلى ما يعرف بنظرية حارس البوابة الإعلامية والتي ترى بأن هناك عدة بوابات تقوم بتصفية والتلاعب بالمعلومات قبل نشرها، لتكون ملائمة لمبادئ وتوجهات المؤسسة الإعلامية أو أصحابها إن كانت حكومية أو حزبية...الخ.

ما أود أن أنوّه له، أنه لا يوجد علاج شافٍ أو وصفة سحرية للرّقابة الإعلامية، وخاصة لأن جزءًا كبيرًا منها مرتبط بالسياسة والأنظمة الحاكمة. القانون الذي استخلصته وأيقنت أنه لا مفر منه، هو أن الصحافي المهني الحقيقي لن يُترك حرًا، فكل منا على ثغرة مهنية فَلَيُؤْتَيَنّ من قِبله، لكننا دوما يتوجب علينا أن نعيد سيمفونية الرفض والتضحية، أن نصنع علاقات جيدة، ونحاول أن نصنع شهرتنا، فالشهرة وقوة التأثير تردع حكومة ارتكاب حماقة بحق صحافي علم.