أقر المجلس المركزي في البيان الختامي الذي صدر عن اجتماعاته التي استمرت يومين متتالين في رام الله الأسبوع الماضي، توصية بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله مع حكومة الاحتلال، ودعوة "اسرائيل" كدولة احتلال لتحمل مسؤولياتها وفق القانون الدولي، بسب عدم إلتزامها بالإتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، وسطوها على أموال الضرائب الفلسطينية، التي بذلت العديد من الدول الأوروبية الغربية جهوداً كبيرة مع حكومة الاحتلال، من أجل ثنيها عن اتخاذ مثل هذا القرار وتطبيقه، لأنه سيزيد من حالة التآكل في رصيد وشعبية السلطة الفلسطينية المتآكلة اصلاً، وقد يهدد السلطة بالإنهيار، لجهة عدم قدرتها على دفع رواتب موظيفها، او المصاريف التشغيلية لأجهزتها ووزارتها ومقراتها.
ولكن حكومة الاحتلال المقبلة على الانتخابات، التي ستجري في السابع عشر من هذا الشهر، رفضت الطلب الأوروبي، واحتجزت عنوة أموال الضرائب الفلسطينية، وتصرفت بها، بطريقة البلطجة، حيث خصمت منها (300) مليون شيكل، قيل إنها مستحقة لشركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية على شركة كهرباء الشمال الفلسطينية.
قضية التنسيق الأمني تعود لتطفو على السطح مجدداً مع احتدام الصراع والمواجهة مع دولة الاحتلال، فإلغاء التنسيق الأمني، هو مطلب شعبي، حيث يعتبر الكثيرون من أبناء شعبنا الفلسطيني، بأن التنسيق الأمني، هو خدمة مجانية للاحتلال، الذي يواصل كل إجراءاته وممارساته وسياساته القمعية والإذلالية بحق الشعب الفلسطيني، وتغير الوقائع والحقائق على الأرض، عبر "تسونامي" الاستيطان، وسياسات التطهير العرقي.
وكذلك حتى على المستوى الرسمي أكثر من مرة صدرت تصريحات ودعوات ومواقف مطالبة بوقفه، ولعل الجميع يذكر أنه في الحرب المفتوحة التي شنها الاحتلال على الضفة الغربية، ومن ثم إغلاق المسجد الأقصى أمام المسلمين ومنعهم من إحياء ليلة القدر/ 2014، وحرق الشهيد الفتى ابو خضير حياً في 2/7/2014، ومن ثم الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في تموز/2014 وقتل الوزير ابو عين، تعالت الأصوات شعبياً ورسمياً من أجل وقف التنسيق الأمني.
ولكن الذي يحدث أنه ما إن يتم تفريغ الشحنة العاطفية نتيجة هذا الحدث او ذاك، وبعد ان تطلق التصريحات النارية المتناغمة مع الموقف الشعبي الرافض لاستمرار التنسيق الامني في ظل استمرار الاستيطان وإجراءات الاحتلال، تعود الأمور إلى ما كانت عليه ويستمر التنسيق الأمني.
ومن يتابع تصريحات القيادات الفلسطينية خلال الأيام الأخيرة وحجم التناقض في هذه التصريحات حول التنسيق الأمني وطبيعة الخطوات يصل الى استنتاج ان ما يقال شيء و ما يحدث على أرض الواقع شيء آخر.
واضح بأن المجلس المركزي تحت الضغط الشعبي وانسداد الأفق السياسي، وتعنت دولة الاحتلال، اتخذ توصيته بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله مع دولة الاحتلال، تلك التوصية التي سترفع للجنة التنفيذية للمنظمة ولقيادة السلطة من أجل دراسة السبل الكفيلة بالتنفيذ، والسؤال المهم هنا هل ستطبق السلطة قراراً وطنياً جاداً ومسؤولاً حيال الأمر ام ان المسألة كما هو الحال في السابق مجرد تكتيكات واستعراضات؟؟، واذا لم يجر تطبيق قرار المجلس المركزي، وبقي في إطار المناورة والتكتيك من اجل التجاوب مع المزاج الشعبي، وممارسة الضغط على حكومة الاحتلال للعدول عن قرارها والإفراج عن الأموال المسطي عليها، فإن موضوع الأمن والتنسيق الأمني سيصبحان سيفاً على السلطة وليس سيفاً بيدها.
التنسيق الأمني مع الاحتلال يشمل التنسيق المدني، التنسيق العسكري، التنسيق الجنائي والتنسيق الأمني، وقف كل هذه الإشكال يعني بالملموس أننا أمام دفن اوسلو، فأساس وجود السلطة ووظيفتها والتزامها الأساسي، هو التنسيق الأمني، وعدم قيامها بهذه المهمة وكذلك مراجعتها لاتفاقية باريس الاقتصادية، يعني عملياً حل للسلطة، وقيام "إسرائيل" بتفكيك تلك السلطة، وهذا يعني دخول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي مرحلة أكثر حساسية، حيث يلغى الاعتراف المتبادل، والذهاب الى إستراتيجية فلسطينية جديدة للمقاومة والنضال، إستراتيجية تعني بان قيادة السلطة وأجهزتها ستكون جاهزة للمطاردة والاعتقال والإختفاء والشهادة وغيرها.
السلطة وقيادتها تدرك جيداً بأن ترجمة هذا القرار الى فعل على أرض الواقع، يعني بأن حل السلطة هنا في الضفة الغربية، لن يستتبعه حل لها في غزة، حيث حماس هي من تسيطر على دفة الحكم هناك، وهنا مشكلة جدية وحقيقية بدون التوافق على رؤيا وإستراتيجية فلسطينية موحدة، فإسرائيل قد تقدم على طرد قيادة السلطة او اعتقال جزء منها، وتعيد سلطتها كاحتلال مباشر على الضفة الغربية، تردع هذه السلطة وتغير قيادتها وتأتي بسلطة جديدة تتولى مهام وظيفية وخدماتية للسكان المحتلين، وتعمل على جعل قطاع غزة الدولة الفلسطينية، مشروع الدولة المؤقتة الذي رفضه المجلس المركزي.
لا أعتقد بان هناك في الشعب الفلسطيني من يرفض قرارات المجلس المركزي، فحتى القوى الفلسطينية خارج إطار المنظمة والتي لم تشارك في اجتماعات المجلس المركزي (حماس والجهاد الإسلامي) مع قرارات المركزي بتوصيته وقف التنسيق الأمني، ولكن ما نحتاجه إستراتيجية فلسطينية جديدة تتوافق عليها كل مركبات العمل الوطني والسياسي الفلسطيني، إستراتيجية تحقق الوحدة الوطنية وتنهي الانقسام، وكذلك صياغة وإنضاج برنامج وطني يتوافق عليه الجميع، مع إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية وعنوان للشعب الفلسطيني، وبما يضمن إعادة بنائها وتطويرها على أسس جديدة، بحيث تكون حاضنة لكل مركبات العمل السياسي الفلسطيني، وأن يكون هناك وحدة قائمة على أساس المشاركة الحقيقية في صنع القرار.
ولكن اذا لم يجر ترجمة جدية وحقيقية لمقررات المجلس المركزي في توصياته، وبالذات وقف التنسيق الأمني، والتي قد يقول البعض بأنها مجرد لحظة وقرار انفعالي للتجاوب مع الضغط الشعبي، وللضغط على حكومة الاحتلال في قضية الرواتب والمفاوضات، وان المسألة فقط في الإطار التكتيكي والاستخدامي، وهي ليست اكثر من زوبعة في فنجان، يزول أثرها مع إفراج حكومة الاحتلال عن أموال الضرائب الفلسطينية والعودة لمربع المفاوضات العبثية، في حينها ستكون الأمور كارثية على شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني.