شبكة قدس الإخبارية

نتنياهو حاكما "فعليا" للولايات المتحدة الأمريكية

راسم عبيدات

في قضية يعتبرها نتنياهو ذات صلة مباشرة بأمن "إسرائيل" وتهديد وجودها ودورها في المنطقة كشرطي, كشرطي وحاكم لها، قضية الملف النووي الإيراني، وما يجري من اتفاق "أمريكي- أوروبي غربي" حوله، اتفاق لا يتضمن تفكيك أي منشأة نووية إيرانية أو التطرق لسلاحها الإستراتيجي الصواريخ بعيدة المدى، وإن كان البعض يعتبر ذهاب نتنياهو إلى هناك والإصرار على إذلال أوباما في عقر داره، نوعاً من الدعاية الانتخابية، إلا أن هذا يؤكد على مدى قوة اللوبي الصهيوني في أمريكا وسيطرته على مفاصل الدولة الرئيسية الاقتصاد والمال والإعلام والسياسة الخارجية الأمريكية.

فرغم كل المقاطعة من النواب الديمقراطيين والحديث عن ما قد يلحقه خطاب نتنياهو من ضرر وتدهور مزعوم في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، وأنه نوع من اللغو الفارغ وأنه لم يأتي بفكرة جديدة، أو خطة بديلة واضحة، وهو مجرد "هرج" و"طق" حكي بدون أفعال، ولكن ما حدث في "الكابيتول" المقر الرسمي الذي تحاك وتوجه في كل المؤامرات وتتخذ فيه القرارات، من أجل النهب والسرقة ودعم الإرهاب والتآمر على الشعوب والعبث بمصيرها ومقدراتها، يثبت وبشكل قاطع أن المصالح الإسرائيلية تتقدم على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بالذات في المنطقة العربية على وجه الخصوص.

لقد شاهدنا كيف تصرف نتنياهو وكأنه هو الزعيم الفعلي لأمريكا، فهو يحاضر بأعضاء الكونغرس الأمريكي كأنهم أبناء حزبه، بل لعلهم أكثر تشدداً وتطرفاً من نتنياهو نفسه فيما يخص الحقوق العربية والفلسطينية، فقد صفقوا وقطعوا خطابه بالتصفيق (25) مرة، وبدا أنه المرشد الروحي للأمريكان كما هو حال ولي الفقيه في إيران مع فارق التشبيه...

نتنياهو أذل أوباما رغم كل الثناء عليه والقول بأنه الرئيس الأمريكي الأكثر إخلاصاً ووفاء والتزاماً بأمن ومصلحة "إسرائيل" ووجودها، هذا ال"اوباما" الذي ألقى خطابه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفي شهر حزيران (2009) من على منصة جامعة القاهرة في مصر، خرج علينا القادة العرب، دعاة "الواقعية" و"العقلانية"، وبالمعنى الأصح والأوضح الانهزامية والمنهارين منهم، وبطانيتهم من المرتزقة والمتسلقين إعلاميون، سياسيون، مثقفون، الكتاب ومنظرون بالقول وبلغة العاجزين التبريرية، بأن العلاقات العربية – الأمريكية ستشهد تطوراً كبيراً وإيجابياً لمصلحة العرب والقضية الفلسطينية، وذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك للقول بأن أصوله الأفريقية وجده المسلم، ستجعله أقرب للعرب من "إسرائيل"، وكأن الصفات الجسمانية والشكلية، هي التي ستحدد فعله وممارساته وسلوكه، وليس مصالح وأهداف الطبقة و"الكارتيل" الاحتكاري الذي أوصله لسدة الحكم.

وشيئاً فشيئا بدأت تضح الصورة حيث الوعود التي قطعها بإقامة دولة فلسطينية في ولايته الأولى تبخرت، وكذلك في الولاية الثانية، وبدا في نهجه وسلوكه وتصرفاته على يمين نتنياهو وأقرب إلى "ليبرمان".

نتنياهو الذي الذي بدا في خطابه عند الإشارة إلى الخطر الإيراني على دول الجوار العربية "مسلم سنيط، يعنيه مصلحة السعودية وباقي مشيخات النفط والكاز العربية، و"مرشد روحي" للأمريكان، وهو يلقي خطابه أمام "كونغرسهم"، من حيث شرح مخاطر امتلاك إيران للسلاح النووي، وتوقيع اتفاقا معها، لا يدمر البنى التحتية للمنشآت النووية الإيرانية، وفوق كل ذلك، أي توقع لاتفاق مع إيران يجب أن يتضمن، على حد زعمه وقف دعم إيران لقوى الإرهاب في العالم، ووقف التهديدات بتدمير وإبادة دولة الاحتلال الإسرائيلي، ووقف اعتداءاتها بحق الدول المجاورة.

أمريكا دولة ومؤسسات تتعامل مع العرب بـ"دونية سياسية"، لأنهم تعودوا وقولبوا أنفسهم على الخنوع والذل والاستجداء، رغم أن الاقتصاد الأمريكي منتعش بأموال وتريليونات العرب المستثمرة عندهم والمخزنة في بنوكهم، والاقتصاد الإسرائيلي منتعش بأموال الأمريكان، مفارقة مخزية لكل العربان، ولكن لا يستحقون سوى الركل، فأمريكا تعتبر كل ما يدفعونه من أموال لها، أو تنهبها لقاء الحماية أو بيع أسلحة وبضائع لهم، هي نوع من "الجزية" السياسية يجب عليهم دفعها عن طيب خاطر.

كيف لا وأمريكا صفعتهم مليون مرة؟؟، ويكفي التذكير بما يسمى بالمبادرة العربية للسلام المقرة في قمة بيروت/2002، والتي صاغها الكاتب الأمريكي "توماس فريدمان" والتي أصبحت تعرف بمبادرة الراحل الأمير عبدالله، قبل أن يصبح ملكاً للسعودية، والتي وافقت عليها أمريكا والعرب، وبقيت "إسرائيل" ترفضها والعرب يرحلونها من قمة إلى أخرى ويهبطون في سقفها، حتى تقبلها "إسرائيل"، دون أن يتحركوا جدياً هم وأصدقائهم الأمريكان لفرض تطبيقها على "إسرائيل"، فهم عجزة ومنهارين، وأمريكا خاضعة للوبي الصهيوني.

نتنياهو لم يصفع فقط اوباما، بل وجه صفعة لكل العرب المنهارين والمستجدين وأصحاب ثقافة الاستنعاج، هؤلاء العربان الذين أجزم الآن بأنهم سيخرجون علينا، هم وبطانتهم من المرتزقة والمنتفعين كتاباً وصحافيين وإعلاميين ومثقفين ورديحة ومطبلين ومزمرين، بأن العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية ستشهد حالة من الانهيار، ويجب دعم الإدارة الأمريكية في وجه نتنياهو، سيكتبون التحليلات الصحفية وسيقيمون الندوات واللقاءات المتلفزة، وسيعقدون المحاضرات حول التدهور والتردي المزعوم للعلاقات بين إدارة أوباما ونتنياهو، وربما يصبح اوباما واحداً من أكثر الرؤوساء الأمريكان صداقة للعرب ودعماً لحقوقهم في نهج وعرف العربان المنهارة والمستنعجة قياداتها.

ألم يحن الوقت لتلك القيادات العربية أن تزيل الغشاوة عن عيونها، وترى الأمور على حقيقتها، بأن أمريكا ستبقى عدوة العرب الأولى وستبقى ترى الأمور بعيون إسرائيلية، ما داموا هم يقبلون دور "الدوني" في العلاقة مع الأمريكان، ولا يجرؤون على رفع صوتهم، أو استخدام أموالهم المنهوبة كسلاح تهديد ضد أمريكا وسياستها المنحازة بالمطلق لإسرائيل؟؟ في كل ما يتصل بالصراع العربي- الإسرائيلي.