شبكة قدس الإخبارية

شهيدة تقدم واجب العزاء

هيئة التحرير

غزة – قدس الإخبارية - طلال حويحي: نسرين الزوجة والأم لـ 7 أفراد ، نافست الموت على الحياة بمزيج من الحظ والإرادة فكانت الغلبة لها بعد أن أصبحت رقما إضافيا في عداد الشهداء .

بدأت المغامرة القسرية في الحرب الأخيرة على غزة خلال شهر رمضان من العام الماضي، بعد أن خرجت عائلة نسرين بصحبة عمومهم وأقاربهم والجيران من بيوتهم في بلدة بيت حانون شمال القطاع تحت تهديد القصف، يجرون أنفسهم مع التيار الى أن وصلوا إلى مدرسة لوكالة الغوث، لتجد لدى وصولها أن العجلة أنستها ثيابًا تعين أطفالها على الغربة والترقب.

لم تكن الأوضاع قد بلغت من الصعوبة ما يمنع عودة اضرارية آنذاك، لكن الحظ لم يحالفها طويلا فما إن حزمت مستلزمات أبنائها حتى اخترق مسامعها أصوات الجرافات والدبابات كأنها في الغرفة المجاورة، لم تجد أمامها إلا انتظار المصير في غرفة الأطفال، فلم تعد تستطيع المجازفة بالتحرك قدما لئلا يشعر الجنود بها فينهوا حياتها وحياة جنينها الذي تنتظر قدومه بعد ثلاثة أشهر.

باشرت الجرافات بهدم منازل السكان وتكويمها فوق بعضها البعض مخلفة مكانها أرضًا مستوية لا توحي بآثار بيوت كانت مشيدة هنا، تجمد الدم في عروق الأم وهي تنتظر الموت بفارغ الصبر، حتى بدأت بتلاوة سورة الفيل دون أن تدري لم اختارت تكرارها مع اقتراب الجرافة منها لتضمها إلى أكوام الحجارة.

وصل القدر إلى مطبخ البيت والغرفة المجاورة لتلك الغرفة التي تصلبت فيها نسرين فأيقنت أنها شهيدة لا محالة، وأن لا مهرب من الموت القادم، لكن الجرافة غيرت وجهتها عندما وصلت إلى الغرفة كأنما تحققت معجزة من السماء، وأنقذت الأم التي صارعت مع الموت لثلاثة أيام متواصلة عانت فيها من الخوف وجوع الصيام الذي لم يلحقه إفطار طوال تلك المدة، والتناوب بين اليقظة والمنام الذي يبدأ وينتهي خارج إطار شعورها .

أحست نسرين بهدوء يسري في جسمها بعد أن حلمت في آخر منام بأبنائها يستنجدون بها لتكمل معهم حياتهم، وتقول واصفة الحلم، "كنت قاعدة في الغرفة وأولادي شدوني من ايدي وأخدوني معهم"، وبعد استيقاظها حاولت استثمار توقف أصوات الآليات العسكرية وعودة الهدوء للمنطقة، لتخوض مغامرة الانتقال إلى حيث أبنائها السبعة.

انطلقت نسرين تجري في الشارع الطويل بحذر يشوبه نوع من الشك في أنها مازالت حية ترزق، حيث تحسست جسدها لتتأكد من أن كل أعضائها مازالت موجودة.

أثناء الهرولة في الطريق سمعت وقع خطى أقدام فظنت أنهم جنود مترجلون في المنطقة، واستعانت بشارع فرعي يخفيها قليلا عن الشارع الرئيسي، إلا أنها أيقنت أن الخطوات تعود لحمار تائه يبحث عن صاحبه، وواصلت سيرها ليعترضها ضوء أزرق يضيء تارة ويغيب تارة أخرى، أعاد لها الخوف من دورية راجلة أخرى.

تسمرت نسرين في مكان تعتقد بأنه بعيد عن أنظارهم لمدة تقارب الساعتين الى أن كسر الملل جمودها، وأ كملت طريقها لتجد الضوء يعود لسيارة مقصوفة لأحد السكان، يضيء كلما وقعت به الشظايا كأنما يستغيث ولا حياة لمن تنادي .

ظلت نسرين تهرول إلى أن وصلت مستشفى بيت حانون وهدأ اضطرابها حين وجدت بعض الناس قرب المشفى، فالموت مع الجماعة رحمة كما يقول المثل، ثم أكملت مسيرها إلى المدرسة التي قصدتها عائلتها حيث وصلتها في الحادية عشر ليلا، لتجد أن أبناءها قد نقلوا إلى مدارس جباليا.

لدى وصولها المدرسة، وجدت نسرين أهلها يستقبلونها بصدمة جعلتهم يتصلبون واقفين وهم ينظرون للشهيد التي عادت إلى الحياة، بعدما فقدوا الأمل من عودتها وفتحوا لها بيتًا لاستقبال المعزين، فيما ألقى الأطفال أجسادهم المتعبة في حضن أمهم العائدة من فم الموت.