شبكة قدس الإخبارية

العائدون من سوريا لغزة .. نار التهجير ومذبح التقصير

هدى عامر

غزة - خاص قدس الإخبارية: "خزين الصيف ينفع للشتاء" .. لم يعد هذا المثل صالحاً تماماً حين يتعلق الأمر بالهروب من الموت إلى حياة كالموت، فكل ما جمعه العائد الفلسطيني من سوريا مؤمن سلمان من أخشاب وورق مقوى وسعف نخيل ليعرش مأوىً لأسرته، يقيه شرور الفصول السنوية بعدما عجزت المؤسسات الرسمية والأهلية ذات الشأن عن تشييد منزل له، لم يعد نافعاً ليحميه من برد الشتاء، لأن ما يحتمل الشمس لا يحتمل الماء.

وكان مؤمن سلمان البالغ من العمر (28 عاما) قد عاد هارباً من نيران الحرب في سوريا بعد أن ضاقت به السبل، آملاً أن يجد له ملاذًا آمنا وعيشًا كريمًا في وطنه الأم، لكن ضيق الحال وسوء الأوضاع المعيشية بغزة حالت دون ذلك، خاصةً بعد الحرب الأخيرة.

فمن مخيم اليرموك في سوريا إلى مخيم الشاطئ غرب غزة، الحكاية واحدة والمعاناة مستمرة، فمن حرب لا ترحم إلى حصار لا يغفر، فاختلاف الجلّاد لا يغير من قسوة النتائج.

حارت كلماته على أي وجع تشتكي وأي هم سيلتقف، حتى تجرأ الحرف وعبّر سلمان عن غضبه من تقصير "الأونروا" والأطراف الفلسطينية كافة، وعدم تعاملها بالطريقة التي تليق بهم كلاجئين فلسطينيين، مؤكدًا أن الوضع في غزة أشد سوءاً في ظل المبالغ المالية الكبيرة المطلوبة منه لكي يحيى حياة كريمة في غزة.

يسترجع الزمن، حين كان يعمل بسوريا في محل لبيع الجوالات وأجهزة الحاسوب، لكنه في غزة لم يجد عملاً نظرا لاستمرار الحصار الاسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2006، وإنما يحصل بين الفترة والأخرى على بطالة عمل من الحكومة الفلسطينية بشكل متقطع ولا تكفي لتلبية احتياجات عائلته.

وطالب اللاجئ السوري المسؤولين بدمجهم في المجتمع ليتمكنوا من إقامة مشاريع والحصول على وظائف والنظر إلى مأساتهم، وأوضاعهم المعيشية الصعبة

أما زوجته التي علقت الكلمات في حلقها، وبدت كأنها تتم في سرها هامسة "أي وجع هذا يا الله ؟!"، متسائلة "هل علينا أن ننظر إلى أطفالنا وهم يموتون؟".

وتقول، "قلة الأغطية والملابس في بيت قديم يجعلنا نشعر كما لو أننا نحيا في الشارع في ظل منخفض لم يعرف للرفق طريق"، مضيفة "كنت أتوقع أن أصحو على فاجعة بفقد أولادي".

وتضيف، " م أعرف للنوم مكان، ولم يغمض لي جفن طيلة أيام المنخفض "هدى" وأنا أغطي بأولادي بكل ما هو موجود حتى بالشراشف المخصصة للطاولات".

تبقى الأمنيات مرهونة بالأمل والخوف، ومعلقة على حبال الرجاء، لكن من الغرابة أن يتمنى اللاجئ العودة إلى مخيماتهم في سوريا تحت القصف وفي ظل الحرب، باعتبارها أهون عليه من عيشهم المأساوي في غزة.

يذكر أن قطاع غزة يحتوي أكثر من 260 أسرة فلسطينية نزحت من سوريا إلى غزة أي بمعدل 1200 شخص، بحسب لجنة متابعة شؤون اللاجئين الفلسطينيين.

تحديات كبرى

وأوضح عاطف العماوي رئيس لجنة متابعة شؤون العائدين الفلسطينيين من سوريا إلى غزة أن اللاجئين أصبحوا يفكرون بهجرة خارج الوطن بعد أن كانت ترنوا أعينهم الى العودة إليه نتيجة الأوضاع المأساوية، وزادت الأوضاع سوءا بعد الحرب فقد فقدوا الكثير من بيوتهم وأخذت معهم أحلامهم بالاستقرار.

وذكر العماوي أن مشكلة توفير السكن وفرص العمل هي من أبرز التحديات التي تواجه العائدين من سوريا، مشيرا إلى أن ما يتقاضاه أرباب بعض العائلات العائدة من حملة الشهادات الجامعية الذين يعملون على بند برنامج التشغيل المؤقت بالكاد يكفي لدفع أجرة السكن والمواصلات.

وأوضح أن العائلات الوافدة إلى غزة غادرت سوريا تاركة خلفها كل مقومات حياتها وهي بحاجة إلى الكثير من المتطلبات التي توفر لها العيش الكريم، لافتا إلى أن الجمعيات الإغاثية لا يمكنها تلبية كل احتياجات هذه الأسر، خصوصا في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها سكان قطاع غزة.

وأشار إلى أن أحوال اللاجئين ما تزال سيئة رغم كل ما قدمته الحكومة الفلسطينية في غزة من مساعدات وبطالة دائمة في ظل الحصار المفروض منذ ثمانية أعوام، قائلا، "مشاكل السكن والتعليم الجامعي والعمل الرسمي وتمكين اللاجئين في المجتمع قائمة".

وأوضح العماوي أن اللجنة تسعى لتمكين اللاجئ الفلسطيني من سوريا في المجتمع ليكون شخصا طبيعيا لا ينتظر المساعدة من هنا أو هناك، خاصة أن كثيرًا ممن وصلوا القطاع كان لهم باع طويل في العمل بالمشاريع الخاصة والوظائف المهمة.

وتمنى أن يجري دمج اللاجئ في المجتمع قريبا ليقيم مشاريع في غزة ويحصل على وظائف مناسبة، مستدركًا، "نعلم جيدا أن كل هذه الآمال والطموحات ستصطدم مع واقع الحال في غزة المحاصرة من جانب الاحتلال الاسرائيلي والشقيقة مصر".

خطة إنسانية

بدوره، دعا رئيس شبكة المنظمات الأهلية بغزة مجد الشوا الجهات الرسمية وغير الرسمية كافة للتكاتف من أجل أن تكون هذه القضية قضية رأي عام ووضع خطة لاستيعاب اللاجئين من أجل دمجهم في المجتمع وتوفير كل سبل الحياة لهذه الفئة من أبناء الشعب الفلسطيني، وفي ذات الوقت تأمين مصادر الرزق والكسب لهم حتى يستطيعوا تأمين احتياجاتهم الأساسية.

ومن جانبه، نوّه القيادي في جبهة النضال العربي الفلسطيني محمود الزق إلى أن معاناة اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى غزة تزداد يوما بعد يوم، وجاءت الحرب الأخيرة على القطاع "لتزيد الطين بلة" بعد أن هربوا من الخوف وعدم الاستقرار بحثا عن الأمان في غزة، إلا أنهم فوجئوا واصطدموا بحجم من الإهمال وعدم الاكتراث الذي مارسته الجهات الحكومية والأهلية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" بحقهم، وتعاملت مع الأمر "وكأن شيئا لم يكن"، بحسب قوله.

ودعا الزق إلى تضافر الجهود من أجل مساندة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا من خلال توفير مشاريع صغيرة تساعدهم على الاندماج في المجتمع، لافتا إلى أن معظم هذه الأسر تمتلك من المهارات ما يعينها على مساعدة نفسها.

وطالب الزق رئيس الوزراء رامي الحمد لله أن يولي اهتماما خاصا بهؤلاء "الفلسطينيين المنكوبين" وأن تتولى الأونروا ومؤسسات ال undp مسئولياتها والتصدي لهذه المشكلة "لأنها مشكلة انسانية بمعنى الكلمة ".