شبكة قدس الإخبارية

جندي القدس المجهول .. عاش ثائرًا وترجل شهيدًا

شذى حمّاد

القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: لم يغب يومًا عن أفراح المقدسيين وأحزانهم، صاحب الكلمة الأخيرة والحل الناجع للمشكلات العشائرية في القدس المحتلة، والمرابط الأول في باحات المسجد الأقصى، والحاضر دائمًا في التصدي لانتهاكات الاحتلال واعتداءات جنوده.

قائمة أعمال الجندي المجهول تطول وتطول، وتاريخه خفي بين سطور لم تكتب، تاريخ تركه محمد حشيمة بعد أن ترجل شهيدا عن عمر يناهز (62 عامًا) مودعا أبناءه الخمسة، بل أبناءه المقدسيين كافة، فقد كان مرجعا لهم ضمن لجان الإصلاح التي يعود المقدسي إليها لحل مشكلاته الاجتماعية والعشائرية في ظل غياب سلطة فلسطينية في المدينة تفض النزاعات.

ففي التاسع من أيلول 2014، استهدف جنود الاحتلال محمد حشيمة من بلدة القدس القديمة، بقنبلة صوت ورصاصة من النوع المعدني المغلف بالمطاط خلال قمعها جنازة الشهيد محمد سنقرط، "ذهب أبي إلى الجنازة لتأدية دوره، وكان له دورا رئيسيا فيها" يقول عهد نجل الشهيد حشيمة مؤكدًا أن إصابة والده كانت مباشرة وجنود الاحتلال تعمدوا استهدافه.

فورا نقل حشيمة إلى إحدى المشافي الإسرائيلية لتلقي العلاج من إصابة لم تكن بالهينة على رجل مسن ومريض بالسرطان منذ سنين طويلة، "كان قويا جدًا واستطاع التغلب على مرض السرطان لسنوات طويلة"، يضيف لـ قُدس الإخبارية:

عاد حشيمة إلى منزله متنفسا الصعداء من علاج أرهقه، إلا أن صحته  لم تعد كما كانت، فبعد أسبوع من خروجه من المشفى أخذ يعاني من تدهور في صحته.

ويقول عهد، "ظهرت على جرحه بكتيريا وفيروسات، ولأنه مريض السرطان فإن مناعته ضعيفة، تقل نسبة الهيموجلوبين في دمه الذي ينقص في جسده ويصبح أقل من المستوى الطبيعي"، مشيرا إلى أن والده خضع لأكثر من عملية جراحية أدت لتدهور وضعه مجددًا.

ويبين عهد أن إصابة والده سببت له نزيفًا داخليًا في الدماغ، كما أدت لتراجع وضعه الصحي بشكل خطير وجعلته يمضي آخر أيامه بين غرف المشافي والأطباء، خاصة أن التعامل مع مريض سرطان زاد الأمور تعقيدًا وحصر سبل علاجه في الكيماوي بشكل مكثف.

بتاريخ 30 / كانون أول الأخير، لم يكن محمد حشيمة في الصف الأول ينظم ويرشد ويوجه كعادته، بل محمولا على أكتاف آلاف المقدسيين الذين ودعوه في باحات المسجد الأقصى لينقلوه إلى مثواه الأخير الذي سينعم به بسلام لطالما أراد أن يصل إليه بالشهادة.

 الشهيد محمد حشيمة الذي تغلب لسنوات على مرض السرطان نالت منه رصاصة الاحتلال بعد أن استنزفت ما تبقى لديه من قوة وصبر، "كانت جنازة والدي مهرجانًا وطنيًا نفتخر ونعتز به، وخففت ألمنا وفقداننا المؤلم لأبينا".

جرح مؤلم ترك رحيل حشيمة في قلوب عهد وأشقائه، قلوب فرحت في ذات الوقت لرحيل والدها كما كان يتمنى ويريد، "ترك لنا سمعة طيبة سننقلها لأولاد أولاد أولادنا"

الشهيد محمد حشيمة لم يكن له دور اجتماعي مهم في مدينة القدس فقط، بل كان رجلا عسكريا لسنوات طويلة حتى أطلق عليه أهالي بلدة القدس القديمة "قيصر الشهداء".

إلا أن الشهيد حشيمة كان ورحل كجندي مجهول، فلم يكن يتطرق للحديث عن نضاله في منظمة التحرير في ليبيا ولبنان وتونس والكويت والأردن، وما تحمله من مشاق حتى استطاع العودة سالما لمدينة القدس.

ولأن الشهيد طمح أن يعود محرر للوطن لا أن يعود إليه تحت الاحتلال، ربما كان يحاول تحاشي الاحتلال خوفا من ملاحقته لعائلته وأبنائه، أو ربما حرصا على أن يستطيع القيام بواجبه تجاه المدينة بسبل عدة منها إصلاح حالها الإجتماعي.

عائلة حشيمة وكجزء من المجتمع المقدسي ستفتقد الشهيد العميد محمد حشيمة في كل تفاصيل حياتها الإجتماعية وفي معركتها النضالية ضد سلطات الاحتلال الساعية لتهويد البشر والحجر في المدينة، يعلق عهد "كان يحل مشاكل الناس، كان يكفل الأسرى، وعمل العديد من الأمور التي تركت بصمة في المجتمع الذي يحبه ويحترمه ويقدر ما بذله من جهود".

وأنهى عهد، "الله أعطاني الفخر بأن أكون ابن شهيد وأنال نظرة احترام المجتمع، وسأكون وأشقائي على قدر هذه المسؤولية التي ألقيت على عاتقنا الآن لنحافظ على سمعة والدنا ونكمل الطريق التي بدأ بها، وسنجعله فخورا بنا".

10887928_416159971874186_1957604298_n