شبكة قدس الإخبارية

عماد عقل .. أسطورة المقاومة وعراب عمليات "نقطة الصفر"

هيئة التحرير

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: يصادف اليوم الذكرى الـ 25 لاستشهاد "عماد عقل" أحد أوائل المؤسسين لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، والذي اغتاله جيش الاحتلال في 24 / تشرين الثاني لعام 1993.

عقل الذي أصبح رقماً صعباً وبطلاً جهادياً وهو في مقتبل شبابه، إذ نفذ خلال سنتين من المطاردة أكثر من أربعين عملية بطولية، كان أبرزها عملية (مسجد مصعب بن عمير) أول عملية مصورة في تاريخ المقاومة الفلسطينية.

نشأة على المقاومة

ولد عماد حسين إبراهيم عقل في 19 من يونيو (حزيران) عام 1971م، في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، في ظروف جعلت همه الأول مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والرد على جرائمه.

التحق عماد عقل بصفوف كتائب القسام عام 1990م، ثم أصبح المسؤول عن التواصل بين قادة الكتائب ومجموعة الشهداء، وهي المجموعة الأولى لكتائب القسام في شمال قطاع غزة، وكان من أبرز ما نفذته مجموعة الشهداء العملية الجريئة والتي استهدفت فيها موكب قائد شرطة قطاع غزة الجنرال يوسيف آفنيبغد في مايو عام 1992م، إلى أن كُشفت المجموعة وطُورد جميع عناصرها بمن فيهم عماد.

لم يكن الاحتلال قد تجرع علقم عمليات إطلاق النار من مسافة قريبة جداً بعد، واعتقد أن عملية استهداف قائد الشرطة كانت محض صدفة، لكن الحقيقة أنها كانت انطلاقة لمرحلة جديدة من العمل العسكري عنوانها "مسافة الصفر".

في الضفة

بعد رحلة من المطاردة قضاها عماد عقل متنقلاً بين محافظات قطاع غزة، وحفاظاً على إخوانه المطاردين برفقته؛ انتقل إلى الضفة المحتلة لتوفير الجهد في الحصول على ملجأ آمن لهم، والانطلاق في تكوين خلايا عسكرية تابعة لكتائب القسام.

لم يمضِ الكثير من الوقت حتى تولى عماد عقل مسؤولية قيادة كتائب القسام في مدينة الخليل، ليؤسس لمرحلة جديدة من العمل العسكري في الضفة المحتلة، مرسخاً أسلوب المهاجمة من مسافة الصفر.

في أكتوبر من عام 1992م، حدث ما لم يكن الاحتلال يتوقعه، حيث بزغ فجر كتائب القسام في الضفة المحتلة عندما أطلق عماد عقل النار على سيارة عسكرية في محافظة الخليل تقل ضابطة وثلاثة جنود أدت إلى إصابتهم جميعاً.

ولم تكد تنقضي أربعة أيام على هذه العملية حتى هاجم عقل ومجموعته معسكراً لجيش الاحتلال بالقرب من الحرم الإبراهيمي أمام مرأى ومسمع الجميع وفي وضح النهار؛ أدت إلى قتْل جندي وإصابة آخر بجراح خطيرة.

ترك القائد عماد عقل مدينة الخليل وتوجه مجدداً إلى غزة في نهاية نوفمبر من العام 1992م، ولم يلبث سوى أيام حتى نفذ سلسلة من العمليات فائقة الشجاعة والجرأة والتي أدت إلى قتْل وإصابة العشرات من جنود الاحتلال في قطاع غزة.

الجرأة التي امتلكها عماد عقل جعلت منه بطلاً يتغنى به الفلسطينيون، في حين غدا اسمه مادة شبة دائمة في الإعلام الإسرائيلي، وأصبح الشغل الشاغل لقادة الاحتلال من سياسيين وعسكريين.

عملياته

وعن إحدى عملياته البطولية والتي أسفرت عن قتل ثلاثة جنود بجيش الاحتلال، يروي الشهيد عوض سلمي رفيق الشهيد عقل في مذكراته قصة عملية منطقة الزيتون التي شارك بها مع الشهيد عقل، وعوض سلمي هو أحد عناصر القسام الذين قامت على أكتافهم بدايات العمل العسكري في فترة التسعينات برفقة الشهيد الأسطورة عماد عقل والشهيد المهندس يحيى عياش، وكان الشهيد عوض قد تدرب على يد الشهيد عماد و ساعده بتشكيل عدة خلايا في قطاع غزة، اعتمدت أسلوب الاشتباك المسلح من نقطة الصفر من خلال إعداد الكمائن أو عمليات التجاوز (عمليات التجاوز: تقوم مركبة المقاومين بالاشتباك أثناء التجاوز عن مركبة العدو)

يقول عوض سلمي في مذكراته: "كانت العملية تقوم على استهداف جيب عسكري صغير يطلق عليه "الطراد" في منطقة الزيتون القريبة من مسجد "مصعب بن عمير" يستقله ثلاثة جنود على الأغلب، وتهدف العملية لقتل الجنود داخل الجيب العسكري الاسرائيلي و اغتنام أسلحتهم، دور عوض سلمي اقتصر على استلام أسلحة الجنود من عماد عقل و إخفائها، وكان دور عماد عقل مباغتة الآلية برفقة مقاوم آخر بهدف قتل الجنود و محاولة أخذ اسلحتهم".

وصل عماد ورفيقه إلى موقع العملية واتخذوا مكمناً بين البيارات المجاورة للشارع، ظهرت الآلية في بداية الشارع، انتظر عماد حتى اقتربها لمسافة أمتار قليلة و صاح "الله أكبر"، ثم فتح نيران رشاشه باتجاه الدورية، لسوء الحظ تعطلت بندقية المقاوم الآخر الذي كان برفقة عماد ولم يستطع الدخول في الاشتباك، فوضع بندقيته داخل صبارة شائكة بجانب الشارع وانسحب، بقي عماد وحده فخرج من مكمنه و طارد الآلية مسافة مائة متر فاتحاً نيران بندقيته وهو يصرخ "الله أكبر.. الله أكبر"، تدهورت الآلية و ارتطمت بجدار المسجد، ذهب عماد نحوها مسرعاً وفتح باب الآلية، كان السائق مصاباً وجنديين آخرين يصرخان هلعاً طالبين الرحمة من عماد، أطلق عماد ثلالث رصاصات فجر فيها رؤوس الجنود الثلاث، تطايرت أدمغتهم واتسخ معطف عماد بجزء منها "كي تكون شاهدة أمام الله على قتلهم"، كما يقول عوض.

 أخذ عماد بندقيات الجنود الثلاث من نوع "ام١٦" و انسحب مسرعاً نحو سيارة أعدت سلفاً للانسحاب من الموقع، انطلقت السيارة بأقصى سرعة وخرج عماد من شباكها وبدأ بإطلاق النار في الهواء وهو يصرخ "نحن كتائب القسام، نحن كتائب القسام" بهدف تبني العملية حيث كان يواجه مشكلة تبني فصائل أخرى لعملياته، سلم عماد عقل البنادق لعوض سلمي لإخفائها.

عقل شهيدا

مضت سنتان من مطاردة مخابرات الاحتلال لشبح لم تُمسك بعد بطرف خيطه عنه، بل أنها أفردت وحدات خاصة لمتابعته والبحث عنه، ووظفت العشرات من الضباط للعمل على حل هذا اللغز المعقد، حتى تمكنت من ذلك في الرابع والعشرين من نوفمبر عام 1993م، حيث رُصد القائد عماد عقل في منزل خنساء فلسطين أم نضال فرحات، وخاض اشتباكاً مع قوات الاحتلال التي حاصرت المنزل إلى أن ارتقى إلى العلياء شهيداً.

ورغم أنه لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، وأن مسيرته الجهادية لم تتعدَ سنوات ثلاث، إلا أنه استطاع تنفيذ العديد من العمليات النوعية التي أدت إلى قتْل ما يزيد عن خمسة عشر جندياً إسرائيلياً وإصابة العشرات، كما أن التاريخ خلده كأسطورة للعمل المقاوم الشجاع، والقتال من نقطة صفر.

عماد عقل صاحب المقولة المشهورة: "سنقرع بجماجمهم أبواب الجنة" .. واستشهد وفي يده 15 جمجمة لجنود الاحتلال.