خاص قدس الإخبارية: لم يعد معبر رفح البري، النافذة الرئيسية لسكان قطاع غزة نحو العالم الخارجي، متاحاً حتى للحالات الاستثنائية والمرضى والعالقين وأصحاب الاقامات، فضلاً عن الحالمين بسفرٍ طبيعي كعادة البشر على هذه البسيطة.
بوابة المعبر التي تنهار أمامها أي محاولة لممارسة الغزي حقه في السفر، لم تفتح منذ نهاية أكتوبر من العام الحالي، ولا أفق لإعادة فتحه للعالقين فضلاً عن عمله الطبيعي، مما يفاقم المعاناة ويزيدها.
معاناةٌ ليست جديدةٌ على الغزيين الذين طالما لاقوا صنوفَ عذاباتٍ -وإن تفاوتت نسبتها-، الأمر الذي يدفعنا للبحث عن المراحل التي مرّ بها المعبر والآليات التي عمل بها على مدار السنوات الماضية.
فمنذ تشييد المعبر عقب اتفاقية كامب ديفيد للتسوية بين دولة الاحتلال ومصر سنة 1979، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء سنة 1982، بقي تحت إدارة الاحتلال حتى 11 سبتمبر 2005، وهو تاريخ انسحاب الاحتلال من قطاع غزة.
وفور الانسحاب تم العمل باتفاقية "معبر رفح 2005" والتي تنص على تنقل المواطنين بين قطاع غزة ومصر، إلى جانب حركة البضائع تحت إشراف طرف ثالث "الاتحاد الأوروبي"، مع وجود كاميرات تبث ما بداخل المعبر للجانب الإسرائيلي.
اتفاقية اعتبرها أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم، لا تعدو عن كونها "اتفاقية تفاهم أمني يحافظ على أمن الكيان الإسرائيلي بالدرجة الأولى".
ورغم ظهور تسهيلات على حركة الأفراد مقارنةً بفترة إدارة الاحتلال للمعبر، إلا أن مراقبين وجدوا أنها سببت أضراراً للقضية الفلسطينية وشعبها، حيث منحت لقوات الاحتلال كامل الحق في إغلاق المعبر متى شاءت بحجج أمنية واهية، وصلاحيتها بتوصية المراقبين الأوروبيين العاملين على المعبر باعتقال أي إنسان فلسطيني تريده.
تسهيلاتٌ لم تدم، فعقب إجراء الانتخابات التشريعية عام 2006 وفوز حركة حماس وتشكيلها الحكومة العاشر برئاسة اسماعيل هنية، تصاعدت حدة الأزمات وزادت فترات إغلاق معبر رفح أمام حركة الأفراد.
ويقول المحلل السياسي طلال عوكل إن تلك الفترة شهدت تماساً مباشراً بين حركة حماس مع مصر في زمن الرئيس السابق محمد مبارك، مما راكم حدة الازمات الموجودة بفعل تدخلات الاحتلال، ليتم إغلاق المعبر في يونيو 2007، وفتحه للعمل بآلية الطوارئ.
إغلاقٌ استمر حتى يونيو 2010، حيث أمر الرئيس المصري السابق محمد مبارك بفتح المعبر بشكل دائم بعد مجزرة أسطول الحرية عدا يومي الجمعة والسبت والإجازات، من الساعة السابعة صباحاً وحتى السابعة مساءً.
لكن سرعان ما عادت ريما لعادتها القديمة، وجرى إغلاق في يناير 2011 عقب الثورة المصرية وتم فتحه للحالات الإنسانية فقط، والتي تضم المرضى، والطلاب، وأصحاب الإقامات، وحملة التأشيرات.
وتواصل تذبذب فتح المعبر دون آلية تضبطه، حتى تولى محمد مرسي رئاسة مصر، لتفتح بوابة معبر رفح وفق تسهيلاتٍ عديدة، سُمح بموجبها للنساء والأطفال والشيوخ بالعبور دون تأشيرة، فيما يتطلب من الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى أقل من 40 سنة استصدار تصريح خاص، لاجتياز المعبر.
في فترة الانتعاش المروري عبر المعبر تلك، جرى التفكير بتطوير عمل معبر رفح ليتضمن إدخال البضائع كبديل عن الأنفاق التي ظلت تستخدم لإدخال البضائع والأفراد بطرق غير رسمية.
انتعاشٌ انقلبَ على عقبيه مثأثراً بمسلسل الأحداث المصرية، ليشكل تاريخ الثالث من يوليو انتكاسةً جديدة في حق معبر رفح، ولتتالى الأزمات والإغلاقات، لنصل ليومنا هذا والمعبر موصدٌ بلا آفاق لعودته للعمل.
وأدى إغلاق المعبر لاحتجاز مئات الفلسطينيين في مصر والدول العربية والأوروبية، إضافة الى عشرات المحتجزين في مطار القاهرة الدولي، فيما قال مدير المعابر في غزة ماهر أبو صبحة إنهم يجرون اتصالات مع كافة الأطراف لتحريك المياه الراكدة، في ظل عدم اضطلاع حكومة التوافق بدورها.
وأضاف أبو صبحة، أن الادارة حاولت الضغط على السفارة الفلسطينية في مصر كونها الممثل للشعب الفلسطيني، مطالباً الجميع بالبحث الجاد في قضية فتح المعبر وعدم اعطاء مبررات لإغلاق المعبر.
وحول إمكانية فتح المعبر خلال الأيام المقبلة، قال أبو صبحة "حتى اللحظة لم نتلقَّ أي وعود رسمية بفتح المعبر"، وبين، أن من عادة الجانب المصري مفاجأة الجانب الفلسطيني بفتح المعبر في ساعات متأخرة من الليل.
هذه السياسةٌ اعتبرها أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت الدكتور نشأت الأقطش محاولةً معلنة لإخضاع حركة حماس والضغط عليها، رغم أن من يعاني هو المواطن الغزي الذي لا علاقة له بكل هذه السياسة.
ويرى المحلل السياسي هاني البسوس أن إغلاق المعبر "دافعه سياسي بالأساس"، رغم عدم نفيه وجودَ "دواعٍ أمنية لا يمكن إنكارها".
وأضاف "اذا بقيت الأوضاع السياسية بهذا الشكل فمن المستبعد تحسن العمل في معبر رفح، وذلك لاستحالة تحسن العلاقة بين حماس في غزة والنظام المصري".
وكان السفير الفلسطيني بالقاهرة جمال الشوبكي ذكر في تصريحات صحفية أن الجانب المصري اشترط لإنهاء أزمة معبر رفح بشكل جذري "تمكين حكومة التوافق الوطني الفلسطيني من العمل في قطاع غزة، وبسط قوات حرس الرئيس سيطرتها على المعبر".
وأوضح البسوس أن حرس الرئيس لن يتسلم المعبر لوجود مناكفات، "ليس هنالك نية لدى السلطة لاستلام غزة، فهي مسؤولية كبيرة جداً والسلطة غير معنية باستلام المعابر، لأنها ستحمل فوق طاقتها، مرتبات الموظفين والناحية السياسية والأمنية، فهي تحاول التنصل من المسؤولية".
أما المحلل طلال عوكل فيعتقد أن الترتيبات الأمنية المصرية والاوضاع الداخلية الفلسطينية ستساهم في بقاء الأزمة على معبر رفح، ليبقى مغلقاً بنسبة عالية مع إمكانية فتحه في بعض الاحيان لعبور العالقين.
ويبقى السؤال عن موعد فتح معبر رفح بصورة طبيعية، بلا إجابة في وقت تتنصل كل الأطراف من واجباتها ومسؤوليتها لإنهاء هذه القضية الانسانية أولاً وأخيراً.