غزة| خاص شبكة قدس: عتبتان على باب منزل جده المسن (والد والدته) اتخذهما الطفل نور حمد (5 سنوات) ملجأ له كي ينتظر عودة والديه، يراقب المارة في شارعهم الضيق أمام منزله السابق ومنزله الجديد، يسألهم بعينيه بعد أن أطبق فمه الصغير فمنعه من الكلام، لتحل مكانه عينيه "أين والدي، هل رأيتموهما، هل سيأتيان؟"، يعتلي العتبتين مع بداية مشرق الشمس حتى مغيبها، آملا أن يعود والديه ولكن دون جدوى.
[caption id="attachment_51523" align="alignleft" width="267"]
صدمة ألقت بظلالها على حياة الطفل نور فغيرت سلوكه بالكامل نتيجة لتأثيرها النفسي السلبي الذين لم يستفيق منها بعد، فهي ليست بالبسيطة حين أصبح شاهدا حيا على المجزرة الإسرائيلية التي ارتكبتها طائراتها الحربية بحق عائلته في باحة منزلهم، هاربين من ظلمة البيت من الداخل في ظل انقطاع التيار الكهربائي، ومن لدغات البعوض التي تنتشر في الصيف في المناطق الحدودية، ولم يجدوا سبيلا سوى التجمع مع باقي أفراد عائلتهم يستمعون للأخبار عبر المذياع ليعرفوا أخبار بلدتهم ومتى ستنتهي الحرب الشرسة التي تشنها "إسرائيل" عليهم.
شهيد حي
جلس نور بحضن والده حافظ (35 عاما) يستمع لنكات أعمامه المجتمعين، وينتظر والدته كي تحضر الشاي لهم بعد أن طلب والده منها أن تحضره، لم تتأخر والدته وحضرت سريعا حاملة "صينية الشاي"،ولكنها في الوقت ذاته لم تشربه لا هي ولا زوجها وحتى أقاربهم المجتمعين، حيث باغتهم صاروخ استطلاع من الجهة الشمالية لمنزلهم، فانتشرت شظاياه في كافة المكان وأصابت كل من كان في الجلسة، ارتقى حافظ وإخوته وزوجته شهداء وأصيب نور بشظايا في بطنه، ثم أطلقت الطائرات الحربية صاروخا آخر، وحينها أغمي عليه وتم نقله إلى المستشفى على أنه شهيد.
"24 ساعة بقي في العناية المركزة، ولكنه استفاق بعدها، وكانت أول كلمة نطق بها، "هل أتت أمي، أين ذهب أبي؟"، وكأنه نسي ما جرى معهم أو حتى أنه لا يريد أن يصدق ما رأته عيناه، فما زال متأملا أنه حلم لا أكثر، ولكن الأيام تثبت له عكس ذلك"، تقول جدته (والدة والدته سها) (67 عاما) والدموع تنهمر بغزارة من عينيها لشبكة قدس.
تضيف الجدة التي تتحدث باللكنة المصرية: "ماحدش كان مصدق أنه يصير فينا كدة، بغمضة عين راحت بنتي وجوزها، وسابوا ولادهم الخمسة يدوروا عليهم"، مشيرة إلى أن ابنتها هي الوحيدة لها إضافة إلى إخوتها الخمسة.
تأثيرات نفسية
وخلفت الشهيدة سحر (33 عاما) 4 أولاد وبنتها الوحيدة "لميس" (11 شهرا)، يزور أطفالها قبرها كل يوم خميس، إلا نور الذي يرفض أن يقول أحد ما "إن والديه توفيا"، يصرخ ويبكي ويركض وهو يقول:" ماما وبابا عايشين وهما حكولي إنهم راجعين، انتو كلكم كذابين".
ويعاني الأطفال الذين تعرضوا للقصف أو كانوا شهودا على المجازر الإسرائيلية في حربها الأخيرة على القطاع، لتأثيرات نفسية سلبية عليهم، حيث أن البعض منهم يعاني من العصبية الزائدة، والعنف والعدوانية، والبعض يذهب إلى الانطوائية وعدم تصديق ما جرى.
[caption id="attachment_51524" align="alignleft" width="400"]
وتقول المحللة النفسية ميرفت ياغي لشبكة قدس: "هذه الحرب خلفت آثارا تدميرية ضخمة في القطاع، حيث أنها كانت الأعنف، وآثارها لا تقتصر على الناحية التدميرية التي طالت كافة مناطق القطاع، وسوى عشرات الآلاف من المنازل بالأرض، ولكن تركت أيضا آثارا نفسية مدمرة ستمتد لسنوات وسنوات تمتد لعدة أجيال"، مشيرا إلى أن الأطفال والنساء هم أكثر المعرضين لهذه الكارثة النفسية.
وتضيف:" وما يزيد الطين بلة، هو الحصار المشدد المفروض على القطاع من كافة النواحي، حيث أن الأهالي هنا يعيشون في سجن حقيقي، ويشعرون بالشلل الحقيقي الذي لم يستطيعوا حتى الآن أن يفكوا قيدهم، وهو ما يجعل الكثير يميل للعدوانية والعنف وكراهية الناس والمجتمع".
وكانت قوات الاحتلال قد شنت حربا شرسة على القطاع استمرت 51 يوما، تعد هي الأعنف على مدار تاريخها بدعوى القضاء على أنفاق المقاومة وعلى حماس وفصائل المقاومة، حيث ابتدعت العديد من الوسائل التدميرية لتترك آثارا تحتاج عشرات السنوات لإعادة إعمار القطاع أو حتى معالجة السكان نفسيا.