شبكة قدس الإخبارية

عيدٌ ثانِ لم يقرع باب عمر وأمير

هيئة التحرير

سلسبيل زين الدين-غزة: حل العيد يلف خاصرته على مشارف غزة بعد حرب ضروس وعيد سبقه خجل من المرور على هذه الحدود، يحاول طرق أبواب المنازل إن وجد ويلتف نحو طريق آخر حينما يجد بيوتا بلا أبواب.

قبل عام تماما احتضنت جدران المنزل المتهالكة أحلام أطفالٍ صغار وأمنيات عائلة تنعم بالسعادة والرخاء، لم يكن جداراً أصماً، بل كان مساحة تنصب من الأرض حتى السماء، على النافذة راقب عُمر وجه الصباح ليبدأ العيد ويتناول الحلوى كما يحلو له بينما يرقد أمير في سريره الصغير ويضحك لوجه أمه يخبرها " عيدك مبارك ".

العشرينية هاجر عمارة والتي كان لها من اسمها نصيباً حيث قضت عيد الفطر مهجرة في غرفة صغيرة مع زوجها وطفليها عُمر وأمير، ولم تعد لمنزلها لأنه أحيل دماراً وبعد وقف اطلاق النار استأجر زوجها حاصلاً لا يعدو عن كونه غرفة ومساحة صغيرة للمطبخ ودورة المياه.

[caption id="attachment_50275" align="alignleft" width="240"]منزل العائلة المدمر منزل العائلة المدمر[/caption]

الغرفة التي كانت تعج بالألوان والألعاب تحولت الى دمار، تحن الجدران الى أصوات الصغيرين فيها إلى بكاءهما وضحكاتهما، ما لا يفهمه الطفلان عمر وأمير أنهما سيقضيان عيداً مختلفاً حيث فقدا منزلهما وغرفة نومهما وملابسهما وألعابهما وفقدوا العيد بذاته.

بينما هذه الليلة التي تسبق ليلة العيد تضرب على وتر الزمن والذاكرة معاً جعلت العشرينية هاجر تسترجع لحظات أفلت من عمق ذاكرتها الحزينة، حيث كانت تبدأ الليلة الأخيرة ما قبل العيد بتزيين المنزل وتجهيز ملابس العيد وصنع كعك العيد، كل تلك العادات التي شهدتها جدران المنزل أصبحت من الماضي.

تعود هاجر بالذاكرة أعواماً مضت وتقول :" كنت أزين المنزل وأسعد باستقبال الأطفال جميعا، وأعد الحلوى بشكل مميز، ولا أتوانى عن فعل أي شيء مبتكر، لأنني أحب العيد " .

عادات العيد المشهورة في غزة  من صنع الفسيخ والسماقية لم تنقطع يوماً عن منزلها، ولكن لأن الحال اختلف في هذا العيد وموت كثير من أقاربها و جرح الحرب الذي لم يندمل جعلها لا تفكر بعمل شيء سوى أن يمر العيد على خير .

العدوان أحرق ملابس العيد

تحاول هاجر التهدئة من روع طفلها الصغير الذي لا يكف عن البكاء من شدة الحرارة وضيق المكان، بينما طفلها الثاني يلح عليها يريد لعبته المفضلة، فتكتم بين عينيها جرحا وتقول " في عيد الفطر اشتريت ملابس العيد قبل الحرب ولكن كلها احترقت ولم يتبقى منها شيء ".

بالكاد توقف عُمر عن اللعبة في سيارته وقبل الحديث معنا، بمجرد أن تسأله ماذا حدث سيخبرك جملة واحدة " بيتنا انقصف " ويضحك كثيراً، عُمر سعيد بالعيد لأنه عيده الأول الذي قضاه في رياض الأطفال وكيف لطفل صغير أن يأبه لحرب او دمار أو حتى فقدان منزل .

10351594_710000495741794_4495244122300866259_n

ويحل عيد الأضحى المبارك من جديد وبين طياته يحمل شيء من الوجع لتغير الحال ولكن يبدو أن الله وحده يرعى مثل هذه الانقلابات وأنه وحده أيضاً يستطيع أن يعيد نفساً الى سيرتها الأولى فيحل الرضا طيفاً على قلب هذه العشرينية لتقول بمرارة :" الحمد لله، حالنا مستورة، وعوضنا في الجنة ان شاء الله ".

وبرغم هذا الوجع الليلي كان ثمة بصيص، هو نور غير مرئي يضيء في وسط العتمة المطبقة، فترتسم على ملامح هاجر ابتسامة تحدي ولو أن عيناً تستطيع أن تخترق الأبعاد لتنظر ما خلف القلوب لرأت وهجاً خفيفاً يتسرب الى القلب الذي يقول بفخر: " سأشتري الملابس من جديد، وسأحضر لأطفالي ألعاباً، نحن سنحتفل بالعيد ".

تماماً لولا هذه المصابيح القوية التي تضيء القلوب لما استطاع الغزيون مواصلة الحياة بعد حرب أكلت الأخضر واليابس، والتي شهدت تضرر 39.500 منزل و 14.667 ذات الضرر الجزئي بينما وصل عدد المنازل المدمرة دماراً كليا الى 2.465 منزل وعلى أثر ذلك  بقي 100.000 شخص بلا مأوى وذلك حسب احصائيات المرصد الأورمتوسطي.