شهدت الحرب الأخيرة على قطاع غزّة مشاركة فاعلة وديناميكيّة لـ"ألوية الناصر صلاح الدين"، الذراع المسلحة لـ"لجان المقاومة الشعبية"، حيث نظّمت عملها في إطار معركة "لهيب الثأر" التي تمخّض عنها مقتل جنديين صهيونيين، وإطلاق المئات من صواريخ "ناصر" بأجيال ومديات مختلفة.
اتّبعت ألوية الناصر تكتيكاً عسكرياً دقيقاً ومدروساً في الأسبوع الأخير من المواجهة لتغدو قذائف الهاون إحدى ركائز منظومة الردع الفلسطينية وتضاعف تفتيت عقيدة العدوّ القتالية وتخلق جملة من التساؤلات الملحّة لدى الجمهور الإسرائيلي عن مسألة الوجود الآمن في المناطق الجنوبية، كما خاضت الألوية حرب الأنفاق في المعركة البريّة.
تعدّ "ألوية الناصر" التي تضمّ تحت جناحها حوالي 3 آلاف مقاتل من أهم الأجنحة الإسلاميّة المسلحّة التي تشكّلت بقواعد ومبادئ راسخة عقب اندلاع شرارة الانتفاضة الثانية، حيث تأسّست عام 2001 وسط ظروف ساخنة ونشاط غير مسبوق لمختلف الفصائل الفلسطينية.
ومع ذلك، تمكّنت الألوية من إضفاء بصمتها الخاصة على الأداء المقاوم، حيث اقتحمت في باكورة انطلاقها مستوطنة "كفار داروم" وسط قطاع غزّة، ما أسفر عن مقتل 3 جنود صهاينة، كما كان لها الخصوصيّة في تحطيم أسطورة "الميركافا" التي تعدّ أكثر الدبابات تقدّماً وتحصيناً في العالم، وذلك بتفجيرها ثلاث مرات في أقلّ من عامين.
وتمتاز الألوية ببنيتها الممزوجة بين مقاتلين مؤطّرين مسبقاً يميناً ويساراً، وآخرين غير منخرطين بفصائل المقاومة، كما لا تؤمّن الألوية إلا بالسلاح سبيلاً للتحرير، رافضةً كلّ مشاريع تجويف القضية الفلسطينية من مضامينها.
امتلكت الألوية ورقةً رابحةً بيدها عام 2006، حيث لعبت دوراً محوريّاً في إنجاح عملية "الوهم المتبدّد" التي نُفذت بالشراكة مع "القسام" (حماس) وجيش الإسلام، وأسفرت عن استشهاد أحد مجاهديها حامد الرنتيسي، وأسر الجندي "جلعاد شاليط" الذي أُفرج عنه بعد خمس سنوات من أسره مقابل الإفراج عن أكثر من 1020 أسيراً فلسطينياً.
وللتعرّف عن كثب على نشاط الألوية الميداني في المعركة الأخيرة، أجرت "شبكة قدس" هذا الحوار مع عضو المجلس العسكري للألوية أبو وسيم.
نص المقابلة:
• ما هي خطة الألوية لمرحلة ما بعد الانتصار الميداني والشعبي الأخير؟ وما هي عوامل ذلك النصر بنظرك؟
تتمحور خطة الألوية حول تحقيق أعلى درجات الجاهزية والعمل المنظّم لمواجهة العدوّ في المعركة القادمة، حيث باشرنا بالإعداد والتجهيز للمواجهة المقبلة من لحظة إعلان تثبيت وقف إطلاق النار.
العدوّ لا يؤمن مكره ومشوار التحرير ما يزال طويلاً وشاقّاً، متطلّباً جهد الجميع. كما أن ترجمة الوحدة الوطنية والميدانية والسياسية واقعاً، والتي يجب أن نتشبّث بها ولا نحيد عنها في المطلق، كانت عاملاً رئيساً في قطف ثمار الانتصار. وهنا، نشكر كلّ من وقف إلى جانبنا سياسياً وإعلامياً ومادياً.
• كيف وافقتم على قرار إنهاء القتال رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار رُبط برزمة من المفاوضات المؤجّلة ذات العلاقة بالقضايا الجدليّة كالميناء والمطار والإفراج عن أسرى صفقة "وفاء الأحرار"؟
نحن في لجان المقاومة اعتبرنا أن المخرج الحقيقي للحرب الأخيرة هو نزول العدوّ عند مطالب شعبنا ومقاومته برفع الحصار وفتح المعابر وإعادة الإعمار وزيادة مساحة الصيد وإلغاء المنطقة العازلة، وإقامة الميناء والمطار. عاهدنا الله والجميع على عدم إيقاف هذه المعركة دون أن يذعن العدو لمطالبنا، وها هو الله منّ علينا بنصره وتأييده بفضل الصمود الأسطوري لشعبنا وتضحياته الجسام وثقافته الحاضنة للمقاومة.
والأهمّ من كلّ ذلك أن هذه الحرب أثبتت أن السلاح هو سبيل التحرير، وطريق المقاومة والثبات على المبادئ هو أقصر الطرق للانتصار. كما أن الالتفاف الشعبي حول خيار المقاومة ينبغي أن يكون ملهماً لنا في إعادة تشكيل خياراتنا في التعامل مع العدو لاستكمال طريق المقاومة وصولاً إلى يوم التحرير. وبالطبع، كل الخيارات الآن مفتوحة إمّا نحو تحقيق مطالبنا كاملةً وضمان هدنة طويلة الأمد أو العودة إلى القتال مجدّداً إذا راوغ الطرف الإسرائيلي وتنصّل من الاتفاق.
• كيف حافظت الألوية على مخزونها من الأسلحة دون أن تستنزف مواردها الحيّة؟
خاضت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها ألوية الناصر المعركة الأخيرة بأعلى درجات الجاهزية، حيث تمكّنت من تخزين الآلاف من الصواريخ والقذائف، بالإضافة إلى عدم توقّف أصحاب الاختصاص في ورش التصنيع خلال الحرب من تصنيع الصواريخ وإمداد المقاتلين بكلّ ما يحتاجونه. كما أن المقاومة تحرّكت في الميدان على صعيد تنظيم عملها وتنوّعه، وفق المتاح والممكن.
• كيف تعاملت الألوية خصوصاً وفصائل المقاومة عموماً مع الاختراقات في صفوفها؟ وهل كانت الهدن التي سبقت مرحلة الوصول إلى اتفاق تثبيت وقف إطلاق النار فخاً لكم؟
لا أعتقد أن ثمة اختراقاً داخل صفوفنا، والدليل على ذلك عجز الاحتلال عن الوصول إلى أي قائد ميداني أو إلى القمّة الهرمية في الألوية بالرغم من وجودها الدائم في الميدان لإصدار القرارات والتوجيهات كافةً لمجاهديها. حاول العدوّ تجنيد العملاء على الأرض بأحدث الوسائل التكنولوجية في رصد وتعقّب المقاومين. صحيحٌ أنه نجح مراتٍ عدّة، لكن حجم الإخفاق كان أكبر من مستوى نجاحه في استهداف المقاومين.
وكما نرى أن اغتياله للقادة وعناصر المقاومة ليس هزيمةً لنا بالمطلق، فهو ليس نصراً للعدو أيضاً. أما في ما يتعلّق بالهدن السابقة، وظّف العدو تلك الفترة في ما يخدم مصالحه، حيث عاود الاتصال ببعض من باعوا ضميرهم للشيطان ليتّتبعوا تحركات الإخوة القادة، لتكون النتيجة اغتيال ثلاثة من أبرز قيادات "القسام"، لكن رغم ذلك تستوعب المقاومة الدروس وتستخلص العبر بشكل فوري وسريع، متجاوزةً الأخطاء والثغرات التي استغلّها العدو لاصطياد المقاومين في شباكه
• كيف جرت عملية التنسيق في إطلاق الصواريخ؟ وعلى ماذا ركّزت المقاومة في جولتها القتالية الأخيرة لتحقيق أهدافها؟
شهدت المعركة الأخيرة تناغماً ميدانياً واضحاً بين فصائل المقاومة، حيث ساهم التنسيق الكبير في ما بينها في تعريض معظم المناطق الإسرائيلية من جنوبها إلى شمالها إلى نيرانها، فكانت توزّع أماكن الاستهداف بشكل مسبق، وأحياناً يتم إطلاق الصواريخ والقذائف بشكل مشترك، مثل عملية إطلاق قذائف الهاون المشتركة بين "القسام" و"السرايا" في الأيام الأخيرة من المعركة.
ركّزت المقاومة على النقاط والأهداف العسكرية، كمرابض الدبابات وسلاح المدفعية والحشودات الصهيونية، بالإضافة إلى مدن غلاف غزة وتجمعات المستوطنين والمدن المركزية كعسقلان وبئر السبع وأسدود، عدا عن ضرب الأهداف الحساسة لدى الوسط الإسرائيلي كالمطارات وقواعد المخابرات والمدن الكبرى كتل أبيب والقدس وضواحيها. ونجحت الألوية في قصف إيلات وديمونة وقواعد مهمة لاستخبارات العدو .
• ما هي المدة التي كنتم تستطيعون أن تصمدوها أمام آلة الاحتلال الحربية؟ وهل كنتم تمتلكون مزيداً من أوراق القوة لم تشهروها في وجه العدو؟
لدى المقاومة مقوّمات صمود عديدة، وكان بإمكانها أن تصمد بوجه العدو لأشهر كثيرة، ولا نبالغ إن قلنا سنوات، كون مخزون الصواريخ لم يتأثر، حيث كان الإنتاج مستمراً في ورش التصنيع. بالطبع، ألوية الناصر والمقاومة الفلسطينية عامةً كانت تملك كثيراً من المفاجآت التي لم تفجّرها في الحرب الأخيرة على القطاع.
• ما هي أهم العمليات المشتركة بينكم وبين" القسام" أو أي جناح مسلّح آخر؟
شبكت الألوية يدها في الميدان مع أيدي معظم الفصائل الفلسطينية، حيث قصفت تل أبيب والقدس ونفّذت بعض الكمائن في الحرب البرية بعمليات مشتركة مع "القسام". فيما قصفت الحشودات الصهيونية ومدن غلاف غزّة، ونفّذت كمائن للعدو في شرق خان يونس (جنوب القطاع) بالتعاون مع "سرايا القدس" (الجهاد الإسلامي). كما هاجمت مع كتائب أبو علي مصطفى (الجبهة الشعبية) عدداً من جنود العدوّ ودباباته.
• ما هو التكتيك العسكري الذي اتبعته المقاومة في تحويل قذائف الهاون إلى تهديد استراتيجي حقيقي لمنطقة غلاف غزة، وتحديداً في الأسبوع الأخير من المواجهة؟
لعبت المقاومة الفلسطينية على أكثر من وتر للمحافظة على فاعلية قذائف الهاون واستحالتها سلاحاً هاماً يتهدّد أمن المحتلين الصهاينة في مدن غلاف غزة، أهمها توسيع مديات هذه القذائف وزيادتها كمّاً بأحجام متباينة، والحيلولة دون إمكانية رصدها واعتراضها من قبل القبة الحديدية، أو توفّر وسيلة إنذار مسبق عند إطلاقها كما الصواريخ.
كما استثمرت المقاومة هذه القذائف في توسيع رقعة الضرر الملحق بالمكان المستهدف جرّاء دقة التصويب وكثافة النيران المستخدمة والمعرفة المسبقة بإحداثيات المكان عبر أجهزة الرصد الخاصة بالمقاومة، عدا عن المرونة في التعامل معها من حيث الإطلاق أو التمويه، واستخدامها ضد مختلف تشكيلات العدوّ من منشآت ومرابض الدبابات والمركبات والحشودات العسكرية.