أعمى من ينظر الى الضفة الغربية ولا يرى بركان الغضب ينفجر معلناً بدء مرحلة جديدة من الثورة الفلسطينية المستمرة. مخطئ و ساذج من ظن أن مشاريع السيطرة الأمنية و إغراق المجتمع بالديون البنكية و محاولة تشويه ثقافة الثورة من خلال المؤسسات الأهلية ستنجح في اطفاء النار في صدورنا و تدجين الشعب الفلسطيني الى الأبد. جاء خبر اختطاف مقاومين فلسطينيين لثلاثة مستوطنين بالقرب من مدينة الخليل مفاجئاً لبعض الساذجين و المهزومين والمهزوزين الذين ظنوا أن المقاومة انتهت في الضفة الغربية، وأن المرحلة التي طعنت المقاومة في وجهها و في ظهرها لم تبقي فلسطينياً واحداً يجرؤ حتى على التفكير بالعمل المقاوم، شككوا بالعملية و حاكوا بخيالهم الذي أسرف بمتابعة برنامج الرسوم المتحركة "المحقق كونان" مؤامرات و قصص و تحليلات و سيناريوهات قد تصدم أعتى مخرجي الأفلام الهندية في بوليود.
حتى البعض من أولائك الذين أشبعونا تنظيراً للعمل الثوري رأينا حجم المفاجأة في و الدهشة في أعينهم حين تأكد خطف و قتل الثلاث مستوطنين، كانوا قد أقنعوا نفسهم أن الشعب الفلسطيني في حالة سبات عميق و يحتاج الى سنين طويلة ليستيقظ ويقول كلمته.
كان التخبط و الارتباك واضحاً وجلياً في كل المؤسسة العسكرية الصهيونية، ظنوا هم بدورهم أنهم يسيطرون على كل شبر في الضفة الغربية و أن استخباراتهم التي أحبطت عشرات العمليات في السنين الأخيرة و كان بعض هذه العمليات قد أحبط في مرحلة التفكير أو النية للقيام بالعمل و هي بلا أدنى شك أعلى المراحل سرية، ولكن الشاباك استطاع الوصول الى عدة أشخاص و خلايا تشكلت بهدف الخطف و المبادلة و اعتقالها قبل أن تقدم حتى على شراء حبل لاستخدامه في العملية!لم يصدق الشرطي الذي أجاب على مكالمة أحد المخطوفين حين قال له "خطفنا"! ولم تعطى تلك المكالمة أي أهمية الا بعد ساعات طويلة على الخطف، لم يصدق أصغر شرطي ولا حتى أكبر جنرال في جيش الاحتلال أن يقدم الفلسطينيون على خطف وقتل مستوطنين صهاينة في الضفة الغربية.بدأت الحملة العسكرية في الخليل و تصاعدت حدتها لتشمل كل مدن و قرى و مخيمات الضفة، اختار الاحتلال الصهيوني الليل للقيام بعمليات الاعتقال و التفتيش و المداهمة، هنا عادت المفاجأة لتصعق العالم أجمع. الضفة الغربية جميعها لا زالت تقاوم!
آلاف الشباب من كل مدن وقرى و مخيمات الضفة الغربية تصدوا لاقتحامات جيش الاحتلال الليلية في مناطقهم، في كل حي وحارة أمطروا الجيش المدجج و المدرع بالحجارة و قنابل الميليتوف وزجاجات الدهان، رام الله مدينة المباني الزجاجية و الشوارع الباريسية مدينة عروض الأزياء و الحفلات التي لا تتوقف على مدار العام، ظهرت بوجه لم يعرفه الكثيرون، كل حي من أحياء مدينة رام الله و البيرة تحول الى ساحة مواجهة مع جيش الاحتلال، الشارع الأشهر في رام الله شارع ركب الذي بات رمزاً "للصياعة" ظهر مكسواً بالحجارة مزيناً بالاطارات المشتعلة محتضناً الشبان الذين جاؤو للاشتباك مع قوات الاحتلال مودعاً شهيداً استشهد في احدى المباني هناك اسمه "محمود الطريفي".هنا بكى الممولون من ال"USAID" الى الاتحاد الأوروبي الى غيرهم، ان كل ما صرفوه من أموال على مؤسسات و مشاريع و نشاطات لتغير ثقافة الشباب الفلسطيني و ابعاده عن الهم الوطني و تعليمه أساليب "المقاومة الحضارية"، ان كل تلك الأموال راحت هباءً و أحرقت مع أول عجل "كاوتشوك" أشعله الشباب في شارع ركب.
في كل شوارع الضفة هتف الشباب وهم يتقدمون بصدورهم العارية أمام آلية القتل الصهيونية مقدمين أرواحهم فداءاً للأرض و العرض و الشرف: "لا للتنسيق الأمني" لا لتسليم رقابنا للعدو الصهيوني جاهزة للذبح.
هاجموا مركز الشرطة الفلسطينية في وسط رام الله عاصمة التنسيق في رسالة اراد البعض تحريفها ولكنها كانت واضحة و مكتوبة بالدماء "التنسيق خيانة"!
ضربوا الهباش أكبر المدافعين والمبررين لأفعال السلطة والرئيس وطردوه من عاصمة الانتفاضات عاصمة الثورة عاصمة فلسطين التي نعرفها من بحرها لنهرها... القدس، رسالة كانت أوضح سابقتها و مع ذلك أصر البعض أيضاً على استغباء أنفسهم أملاً باستغباء الشعب المتيقظ.
الانتفاضة مستمرة بدماء 19 شهيداً حتى اللآن منذ بدء الأحداث، كان آخرهم استشهاد الطفل محمد أبو خضير الذي عذبه المستوطنون و أحرقوه و قتلوه، دماء الشهداء تذكي نار الغضب في صدور الشبان الفلسطينين، ستمضي حمم الغضب المنبعث من الضفة الغربية تحرق كل من يقف أمامها. فاحذروا.