في كل العالم يصنف "التعليم، تكوين الأسرة، العيش بسلام وأمان، الحرية" كحقوق، إلا في فلسطين فهي تعتبر من كماليات الحياة.
الأسير أيمن إطبيش الذي أكل السجن على عمره، وشرب، حتى ضاعت سنين عمره في الإعتقال الإداري -بدون تهمة-، ودخل الجامعة منذ ١٢ عاماً فلم يتخرج حتى اليوم، وانتزع السجن ما بقي من صحته، بعد أن خاض الإضراب عن الطعام لمراتٍ عدة، حتى وهن جسده، مثالٌ حيّ على ما أقول.
في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، بتاريخ ٩/ ٥/ ٢٠١٣، جاء صوت جنود الاحتلال من الخارج، يصرخون: " أخرجوا من المنزل!"، خارج المنزل انتظر أيمن "الكابتن يوسف"، حاول الجيش تفتيش المنزل بواسطة الكلاب، لكن صراخ والدة الأسير أيمن ردعهم.. في الخارج طلبت وداعه مرتين، في المرة الأولى ودعته، احتضنته وبكت، وصرخت مرة أخرى أعيدوه إلي أريد أن أودعه، وهي تودعه، قالت لـ " الكابتن يوسف": " ألم تقل لنا زوجوه، ولن نعتقله بعد؟!.. أعطونا وقتاً لنزوجه، كلما أفرجتم عنه، عدتم لاعتقاله، لم يتم دراسته، ولا يستطع الزواج".. علا صوت أيمن من بعيد، قال : " لا تترجيهم يما.. فكل همهم تدمير حياتي".
هذه الكلمات كانت آخر وداعٍ بين الأسير المضرب منذ ما يربوا على الـ ١٠٠ يوم، أيمن اطبيش من خربة "خرسا" جنوب مدينة دورا المحتلة، ووالدته.
كان أيمن يوم الاعتقال مستيقظاً، يعمل في منزله أسفل منزل والدته، محاولاً أن يعيش حياة طبيعية، مع خطيبته التي كان من المفترض أن يزف لها في آب هذا العام، إلا أن الاحتلال سبق أحلامه وعاجلها بضربةٍ تهدف لقتلها.
والدة أيمن تصر أن هذا الاعتقال الذي يعد الخامس في سلسلة اعتقالاته، هو بالذات بدون تهمة مطلقاً، تقول بلهجة فيها حدة : " منذ أن خرج من الاعتقال وهو يعمل في منزله، لم يخرج، لم يفعل أي شيء.. هم يعتقلونه فقط دون تهمة، ويزجون بسنين عمره خلف القضبان دون سبب".. تتحدث أم أيمن عن الاعتقال الإداري فتقول أنه" صعب جداً، لأنه لا يعرف كم سيمضي في السجن، الصعوبة تكمن في أن أمهات الأسرى يعددن أيام الإفراج بالساعة والثانية، ونتحضر كل مرة للإفراج عنه، وفي آخر ثانية يمددون اعتقاله، الاعتقال الإداريّ صعب.. صعب، والتمديدات تحطم أعصابنا وأعصابه".
تضيف أم أيمن بأسى: "هذا الاعتقال كان الأصعب لأني زرته مرة واحدة فقط، لأنه في بداية اعتقاله أمضى فترة طويلة في التحقيق، ونقل منها إلى العزل، فلم أره حتى أنهى إضرابه الأول، زيارتان إثنتان هما كل لقائي به منذ أن اعتقل في ٢٠١٣، وبعدها أصبت أنا بالمرض، وأقعدني فترة طويلة"، فقدت الوالدة خلال هذه الفترة تصريح الزيارة، وحال السجان بينها وبين ولدها.
أعتقل أيمن علي سليمان إطبيش أول مرة ادارياً في عمر الـ ١٩ عاماً، وذلك في العام ١٩٩٩ وهو عضو منتخب في الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة الجهاد الإسلامي، قضى اطبيش ما مجموعه ١٢ عاماً في سجون الاحتلال، خاض الإضراب عن الطعام في سجون الاحتلال ٥ مرات سابقة، كانت المرة الأولى فردياً لمدة ١٠٤ أيام العام الماضي ، شاركه شقيقة فيها لـ ٧٥ يوماً.
والدة الأسير أيمن طبيش
خضع اطبيش منذ اعتقاله مطلع العام ٢٠١٣ لثلاثة تجديدات لإعتقاله الإداري من ٩-٥ إلى ٩- ٩ ومن ٩-٩ إلى ٩-١ و منها إلى٨- ٤ والتي كان من المفترض أن تنتهي فيها فترة إعتقاله بعد وعود من الاحتلال بإعطائه حكما جوهريا إثر خوضه إضرابا عن الطعام استمر ١٠٤ أيام، إلا أن الاحتلال نكث بوعده معه، وذلك بحجة خرقه لشروط الإفراج، بسبب توارد معلومات من السجن، عن نشاطٍ له داخله، ما اضطره لخوض المعركة مجدداً، فقد جدد اعتقاله إلى ٨-٧-٢٠١٤.
إضراب أيمن الأول خاضه عام ٢٠٠٤وكان إضرابا جماعيا في كافة السجون، كما خاض اضرابات تضامنية مع الأسير المحرر خضر عدنان لـ ١٤ يوماً، ومع الأسيرة المحررة هناء شلبي لـ ٢٤ يوماً، وشارك في إضراب السجون ٢٠١٢، ٢٤ يوماً، حسب محمد الشقيق الأصغر لأيمن.
صيام الحرية للمرة الثانية.. والوضع الصحي الصعب
تتلقى أم أيمن الأخبار تلو بعضها، وآخرها كان نقل ولدها على كرسيٍ متحرك، لا يستطيع أيمن بعد أيام الاضراب الطويلة أن يقف على أقدامه، تتلقى الأم الأخبار بقلبٍ مفطور، ودعائها بالفرج يزداد.
مشبهة إضراب ولدها بالصيام الرباني للحرية، تعلق أمه الأمل على نيله الحرية باستمراره في الإضراب وتقول " أعرف أنه لا يستطيع الوقوف على قدميه، وأدرك أن هذا الاضراب أطول مما سبقه، وأنه لا يستطيع تناول الطعام، ويعيش على الماء والسكر، إلا أني لا أرى له حرية سوى بأبواب الجوع."
شقيق أيمن الأصغر " محمد إطبيش"، قال إن المحامين بشكل عام يزورونهم بشكلٍ قليل، لكن محامي الصليب الأحمر يزوره مرتين كل أسبوع، وهو في وضعٍ صحي حرج للغاية، والصليب يستمر بطمأنة العائلة، وعبره تصل رسائل للعائلة، وفي كل مرة يزداد وضع صحته سوءاً كونه يقاطع المدعمات، والملح والسكر، والفحوصات الطبية، لكن الاحتلال يخضعه مكرهاً لإجراء الفحوصات وهو مكبل.
١٤ عاماً في الجامعة.. وللآن لم يصل لمقاعد التخرج
تفكير أم أيمن محصور غالباً في إمكانية اتمام ولدها لحياته بشكلٍ طبيعي، هو الطالب في تخصص الهندسة بجامعة بوليتكتك فلسطين في الخليل المحتلة، منذ ما يزيد عن ١٤ عاماً، ولا تعرف العائلة متى يمكن أن يتخرج منها، إلتحق بجامعته في العام ١٩٩٨، ودرس على مقاعدها عاماً ونصف دون أي اعتقال، ومنذ ذلك العام وحتى عامنا هذا لم يقطع عدد الساعات المؤدية للتخرج، فقد اعتقل ٦ أعوام متواصلة تبعتها سنتان، ونهايتها كانت عاماً ونصف قبل آخر اعتقال.
الحرية جاية جاية.. هذا كان شعار الحاجة أم أيمن، وقناعتها التامة بأن الاستجابة قريبه لمطالب الأسرى، رغم قلقها ومن في المنزل على صحته، وتأثرها نتيجة لإضرابه للمرة الثانية بشكلٍ متتابع، متأمله أن ينتصر أسرى الإداري على سجانيهم، وينهوا الاعتقال الإداري.
خطوة كبيرة لكنها صعبة .. خطوة الإضراب، والإضراب التضامني
محمد الذي خاض الإضراب التضامني مع شقيقة العام ٢٠١٢، يعرف وقع الإضراب على جسد الأسير المضرب، ويعرف الوجع الذي يعانيه، قال لـ قدس : " لقد خضت الإضراب عن الطعام في السجن، وأنا برفقة شقيقي، حين اعتقلت في ٢٠١٢ كان شقيقي أيمن محرراً، بعد ٦ أشهر من تحرره أعيد إعتقاله، فكرة اعتقاله مجددا كانت سيئة بالنسبة لي، فكرت بالإضراب، لكني كنت أشعر أنها خطوة صعبة كون إضرابي سيكون فردياً، بعد اعتقال أيمن، كنت في سجن "عوفر" أتى ضابط الاستخبارات إلي وقال أيمن بالخارج سأدخله لتلتقي به، رغم صدمتي، وقلقي على العائلة كونها بقيت دون "رجل" في المنزل، إلا أني كنت فرحاً بلقياه، كانت المرة الأولى التي ألتقي فيها بشقيقي خلف القضبان منذ العام ١٩٩٩، في اليوم الثاني، كان لأيمن رأي خاص، قال بأنه سيخوض الإضراب.. وأنه قد أجل الخطوة منذ لحظة اعتقاله في "عتسيون" حتى يتسنى له القول بأنه قد عاش معي في السجن، أقنعته بتأجيل الأمر أسبوعا، في اليوم العاشر لإعتقاله، قرر خوض الإضراب، رفضت أن يدخل الإضراب بدوني".
أقنع أيمن شقيقه بأن لا يدخل الاضراب معه، وأن يكون حلقة الوصل مع والدته، عبر الأخبار المنقوله من الشباب الذين يلتقيهم أيمن في الإنفرادي، حتى يطمئن قلبها، بعد ٢١ يوم من الإضراب، حيث كان أيمن يقبع في الزنازين الإنفرادية، دخل محمد الإضراب التضامني، ونقل إلى جواره، في زنزانة أخرى، حتى نقلوه إلى عزل أيالون في الرملة، ومن بعدها إلى مجدو، ومنها إلى الجلمة، بعدها قاطع أيمن وشقيقه الفحوصات الطبية، حتى يجبروا إدارة السجون على تخفيف عدد التفتيشات التي يتعرضان لها، بعد فترة تم الإتفاق أن يخضعوا لهذه الفحوصات مقابل تخفيف عدد التفتيشات بالفعل.
الفحوصات دفعت الإدارة لنقل أيمن إلى مشفى كابلان، وشقيقة إلى "تل هاشومير" نتيجة لخلل في عمل البنكرياس، ونقص الأملاح، ١٠ أيام من رمضان، قضاها أيمن وشقيقة مضربين عن الطعام، ساءت حالة محمد أكثر، لكنه لم يكن في المشفى، حين حاولوا نقله إلى المشفى مرة أخرى، رفض، وطلب نقله إلى المستشفى الذي يتواجد فيه شقيقه، فما كان من إدارة السجون، إلا أن نقلته الى مشفى العفولة حتى لا يزوره أحد، وفعلاً خلال شهرٍ كامل، زاره محاميان فقط.
أوضح محمد: " أيمن أضرب في البدأ ١٠٥ أيام، واليوم هو في يومه الـ ١٠٢، حوالي ٢٠٧ أيام هي عمر إضراب أيمن الشبه مستمر، في اليوم الـ ٩٨ من اضرابه هذا بدأ يعاني من مشاكل في نظره بحسب نادي الأسير، وفقد نحو ٢٣ كغم م وزنه، كما بدأ يعاني من مشاكل في الكلى والمعدة، وآلام العظام، وإخدرار في الأطراف وصعوبة بالتنفس، يكفي أن نقول أن أيمن مستمر في إضرابه، حتى الشهادة أو الحرية".
ويكفي أن ننقل لكم وصف أخيه محمد لحالة المضرب بعد مرور اليوم الـ ٧٠ على الإضراب، حيث قال: "لا تستطيع أن تبتسم، لا تستطيع أن تغلق فمك بشكلٍ كامل، تشعر وكأن أسنانك آيله للسقوط مباشرة، وكأن مطارق العالم أجمع، تضرب عظامك، ويسقط شعرك، حتى لا تجرؤ على وضع يدك عليه، وينخرك الوجع حتى أظافرك".
الإضراب للحرية، بهذه العبارة وصف محمد الخطوة التي يخوضها الأسرى اليوم وشقيقه،حيث يتناولون فقط السكر والملح، عن وظيفتهما قال محمد "السكر يعطي القوة للجسد، والملح لإبقاء الروح في الأمعاء، التي من الممكن أن تجف نتيجة لنقص الملح، وانعدام الطعام".