شبكة قدس الإخبارية

حكومة الحمد الله تكره الرقابة: قضية سمير أبو زنيد أنموذجا

هيئة التحرير

قبل أسبوع، قرر مجلس الوزراء الفلسطيني في الضفة الغربية، الطلب من الرئيس محمود عباس إحالة رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية سمير أبو زنيد على التقاعد. كان من المتوقع أن يمرّ القرار بسلاسة، مثل غيره من القرارات التي تتخذها الحكومة في جلساتها، لكن حالة التذمر والنقد الشديدين التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطيني، لم تجعل قرار الحكومة بإحالة رئيس الديوان الذي يراقب أداءها، يمر مرور الكرام.

يرى رافضو القرار أن الحكومة، أي السلطة التنفيذية، أثبتت بقرارها أنها تسأل ولا تُسأل، وتتحكّم بمصير رئيس أعلى سلطة رقابية في السلطة الفلسطينية، وتجرده من حصانته، وهنا مقتل للشفافية وفصل السلطات التي تعتبر بديهيات في الديمقراطية ودولة المؤسسات التي تتغنى بها السلطة، ونسفاً لقانون الديوان وتحديداً للمادة العاشرة منه التي تنص على أنه "لا يجوز عزل رئيس الديوان لأي سبب من الأسباب إلا بالغالبية المطلقة للمجلس التشريعي".

أما الحكومة التي خرجت ببيان عدّدت فيه جميع مواد القانون التي استند إليها مجلس الوزراء، في قراره، ومعظمها تركّز على أن الرئيس محمود عباس يحل محل المجلس التشريعي المعطَّل بسبب الانقسام، في اتخاذ قرار العزل، من دون ذكر أي سبب لقرارها.

أما موظفو الديوان الذين خرجوا في اعتصام يوم 14 مايو/ أيار الجاري، أمام الديوان، مطالبين بحماية استقلاليته وتوفير الحصانة له من الحكومة، فكان نصيب اعتصامهم "التعتيم" الإعلامي، فلم تذكر وسائل الإعلام الرسمية، والعديد من تلك الخاصة، خبر الاعتصام، بينما أفردت مساحات كبيرة لبيان الحكومة حول احالة رئيس الديوان للتقاعد.

واعتذر الأمين العام لمجلس الوزارة، علي أبو دياك، عن إعطاء أي لقاء صحافي بسبب انشغاله الشديد، مكتفياً بالقول إن التنسيب للإحالة على التقاعد يعتبر مثل قرار التعيين أو التنسيب بالتعيين (ترشيح التعيين) ليس بحاجة لتبرير، وهو يتبع للسلطة التقديرية لمجلس الوزراء لتطوير العمل، وهدفه المصلحة العامة".

لكن أمام ما قاله أبو دياك، عن سلطة تقديرية ومصلحة العمل، وهي مصطلحات فضفاضة، سرد الرافضون لقرار مجلس الوزراء أسباباً عدة وراء قرار التنسيب للتقاعد، بحق أبو زنيد، الذي قرأ الخبر وهو في مهمة عمل بالخارج.

وليست أجواء التوتر بين ديوان الرقابة والحكومة، مفاجئة، ويجمع أكثر من مطلع على أن فصلاً من التحريض قام به بعض وزراء رامي الحمد الله، أدى في النهاية إلى صدور قرار يرمي للتخلص من رئيس الديوان.

سيارات وطوابع وأمور أخرى

ويقول مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تراكمات هيأت الأجواء لهذا القرار المتوقع، بعدما خرج رئيس الديوان قبل نحو شهر ليتحدث للصحافة عن بعض قضايا الفساد التي رصدها تقرير الديوان لعام 2013، بدأت بالسيارات الحكومية، إذ أثبت الديوان في تقريره امتلاك بعض الوزراء لأكثر من سيارة حكومية، وملف فساد في إحدى مديريات الشؤون الاجتماعية، وملف فساد آخر يتعلق بسرقة طوابع في وزارة المواصلات، ورابعاً حول فساد في طوابع وزارة الداخلية، اضافة لبعض ملفات الفساد في الهيئات المحلية.

هنا بدأت أجواء التحريض ضد أبو زنيد، ولا سيما بعد تداول الشارع الفلسطيني امتلاك أحد الوزراء ثلاث سيارات حكومية، وآخر لديه سيارتان الأولى من الحكومة بصفته وزيراً ولا يستخدمها إلا نادراً بهدف الإبقاء عليها جديدة، لحين شرائها بحسب لوائح مجلس الوزراء التي تبيح للوزراء والمسؤولين شراء سياراتهم بعد مرور فترة زمنية، وبأسعار زهيدة مقارنة بالسوق، في حين يستخدم الوزير نفسه سيارة أخرى قدمت له من مؤسسة دعم يابانية لتمول أحد مشاريع وزارته. سارع مجلس الوزراء في حينها لإصدار كتاب لرئيس الديوان يطلب منه عدم نشر ما جاء في التقرير أو ملخصه للإعلام وإلا يكون تحت طائلة المسؤولية. الخطوة الثانية التي لم يحتملها مجلس الوزراء كانت عبارة عن ورقة قانونية وجهها الديوان للحكومة بتاريخ 12 مايو/أيار الجاري، بعنوان "تعيينات وترقيات طواقم مكاتب السادة الوزراء". وحاولت الورقة، عبر ست نقاط قانونية، لجم حالة التعيينات المستشرية في الحكومة، والتي تثقل كاهل الميزانية أولاً، فيتسبب عدم الاستقرار الحكومي وتوالي الحكومات على قيام الوزراء بتعيينات أباحها القانون لهم. لكن المراقب لهذه التعيينات يعرف أن بإمكان أي وزير لم يتجاوز "عمره الوزاري" ستة أشهر، أن يوقع على كتاب تعيين لموظف جديد، أو ترقية موظف من درجة إلى درجة أعلى يستغرق الموظف العادي 18 عاماً للوصول إليها. وإن كان ديوان الرقابة قد أكد على أهمية التزام الوزراء بمبدأ تكافؤ الفرص في التوظيف، وعدم إثقال الموازنة بموظفين جدد لحكومات تعيش أعماراً افتراضية تصل أحياناً لأشهر، والأسوأ أن مجلس الوزراء يجسد تضارب المصالح بأقسى صوره، لأن مجلس الوزراء الذي يقوم بالتعيين، هو صاحب الولاية العامة على شؤون الخدمة المدنية، وهو الجهة المختصة بالتعيينات والترقيات.
""

كل ما ذُكر يختزله المواطن الفلسطيني بكلمة واحدة: فساد ومحاباة بالتوظيف لمن يرغب بهم الوزراء، في الوقت الذي يقف آلاف الشبان الفلسطينيين عاطلين من العمل.

الورقة القانونية أصدرها الديوان بعد تقدم وكيل وزارة العدل، خليل الرفاعي، بشكوى أمام عباس، ضد تعيين وزير العدل مديراً عاماً لمكتبه بدرجة (A4). والمفارقة أن المنصب غير موجود على هيكلية وزارة العدل. وقد استلم الديوان نسخة من الشكوى، والتي جاءت بعد استلامه شكاوى عديدة حول ما سماه البعض "التعيين الجائر للوزراء". وللصدفة، تزامن تاريخ هذه الورقة القانونية مع قيام رئيس الوزراء رامي الحمد الله، بتعيين موظف متخصص بالفندقة يعمل في مكتبه بموجب عقد، إلى درجة نائب مدير عام على الدرجة (A)، الأمر الذي رفضه رئيس الديوان لمخالفته القانون. وبحسب مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، فإنّ كتاب التعيين الذي تناقله آلاف الشبان العاطلين عن العمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كبرهان على الفساد والمحسوبية، وعدم تكافؤ الفرص، جعل رئيس الوزراء رامي الحمد الله يعتقد أن النقاط القانونية موجهة ضده تحديداً، "فبدأ التوتر يصل لدرجاته القصوى"، على حد تعبيره. والمفارقة أن مجلس الوزراء كان قد أصدر قراراً سابقاً بتعيين مدراء المكاتب على العقود، لا بوظائف دائمة، لكن ذات المجلس خالف قراره السابق. أما القشة التي قصمت ظهر البعير، بحسب مصادر"العربي الجديد"، فكانت عدم انصياع رئيس الديوان سمير أبو زنيد لكتاب موجه من رئيس الوزراء رامي الحمد الله، يطلب من أبو زنيد الموافقة على إعادة سيارة مدير ديوان الرقابة المالية والإدارية الموقوف عن العمل، والذي يخضع للتحقيق، فأجاب الحمد الله أنه "لا مانع في بقاء السيارة معه لحين انتهاء إجراءات التحقيق"، الأمر الذي رفضه أبو زنيد، ما اعتبره الحمد لله تحدياً مرفوضاً له.

ويقول مفوض "ائتلاف أمان لمكافحة الفساد"، الدكتور عزمي الشعيبي، لـ"العربي الجديد"، "أعتقد أن مجموعة من الامور حصلت في الاشهر الاخيرة، خصوصاً الشهر الماضي، ما أدى إلى توتر بين الديوان وبعض الوزارات، أدى إلى نشوء جو عام في مجلس الوزراء وبتحريض من بعض الوزراء الذين قدموا شكوى ضد رئيس الديوان، إذ يعتقدون أن الديوان يخرج عن صلاحياته".

وفي حين يتحدث الشعيبي عن حدوث تحسن في الفترة الاخيرة في أداء الديوان، إذ بدأ يتشجّع على نشر تقارير لم يكن ينشرها في السابق، ويحيل بعض القضايا إلى هيئة مكافحة الفساد، فهو يعترف بعدم وجود شفافية في التعيينات من قبل بعض الوزراء، ولعل هذا التوجه من قبل رئيس الديوان أثار حفيظة عدد من الوزراء وتم التحريض بأن أوصوا بإحالته على التقاعد. وفي الوقت الذي يؤكد مجلس الوزراء أن قراره ليس له علاقة بتقرير ديوان الرقابة الذي تم تقديمه لمجلس الوزراء، أو بالورقة القانونية، تخرج أصوات كثيرة تنادي بنشر التقرير السنوي لديوان الرقابة في الصحيفة الرسمية للسلطة الفلسطينية بحسب ما نص عليه القانون. وترفض الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، نشر التقرير السنوي الذي يرصد فيه ديوان الرقابة التجاوزات المالية والإدارية، ومنها ما يرتقي لدرجة جرائم الفساد، مخالفة بذلك نص المادة الثامنة من قانون ديوان الرقابة وبديهيات المساءلة والشفافية. نائلة خليل/العربي الجديد