أول من أمس، أصدرت «محكمة القاهرة للأمور المستعجلة» قراراً بحظر أنشطة «حماس» داخل مصر لغاية الفصل في قضيتي التخابر وفتح السجون المتهم فيهما الرئيس المعزول محمد مرسي وبعض قيادات الإخوان، وعناصر قيل إنّها تنتمي إلى «حماس». جاء القرار بعد مرحلة انهمك فيها الإعلام المصري بأبلسة غزة عموماً، والحمساويين خصوصاً، حتى خال المشاهد أنّ مذيعي القنوات المصريّة يبثّون برامجهم من قاعدة عسكرية، لا من استديوهات مخصّصة للإنتاج الإعلامي.
منذ «ثورة 25 يناير»، وتفجّر قضية اقتحام السجون، أعلن الإعلام المصري تصعيداً غير مسبوق في خطابه التحريضي ضد القطاع بذريعة قتل «حماس» 16 جندياً مصرياً على الحدود بين غزة ومصر عام 2012، وإرسال آلاف العناصر من جناحها العسكري لإشاعة الفوضى في الأراضي المصرية. تلقّفت وسائل الإعلام المصرية هذه الذرائع، وتبنّتها فوراً من دون أن تكلّف نفسها عناء البحث عن خلفية هذه الاتهامات. بنت خطابها المتعلّق بالقطاع على شائعات وتوقّعات، من دون الركون إلى حقائق دامغة وأخبار مكتملة العناصر، حتى ظنّ المشاهد أنّه أخطأ العنوان، ففتح على القناة العاشرة الإسرائيلية! رافعةً شعار «الشعب يريد تحرير العقول»، تستعرض قناة «التحرير» عضلاتها على الغزيين الرازحين تحت وطأة الحصار، وتُطلق على الحمساويين منهم صفتي «مجرمين» و«كفرة». تفتّش عن نصرٍ للجيش المصري على حساب جثث الغزيين، لاعبةً على وتر انتصاره على الاحتلال الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973: «اضرب «حماس» زي ما ضربت إسرائيل بـ 73. إنتو النهاردة بتتعاطفوا مع مجرمين وكفرة. دول ملهمش علاقة بأشقاء أو إسلام. دول أعداء. اضرب في كل مكان بغزّة. ده حق أولادنا». هكذا، أعطى مذيع برنامج «الشعب يريد» أحمد موسى الضوء الأخضر للجيش لبدء عملياته ضد غزّة، كأنّها حيفا أو يافا المحتلتان! لم يكن ينقص موسى سوى زي حربي وصاروخ يطلقه على غزّة. لا يكتفي بذلك، بل يلعب على وتر الدين: «يجب القصاص لأرواح شهدائنا بالصواريخ. العدالة بتقول كده، والدين بقول كده. دمنا لازم يجي بكل رؤوسهم». بهذه العبارة، يخدّر موسى العائلات المصرية المكلومة بقاعدة القصاص الديني، لينال مباركتها على «الحرب ضد الإرهاب» في غزّة. ثم يُقسم بـ«الله العظيم» على تربية الغزيين عبر إقفال معبر رفح بمتاريس ثقيلة، راكلاً كل صور مرضى السرطان والفشل الكلوي والقلب المتلهفين للعلاج في الخارج. أطلق موسى «طُز» كبيرة على طوابير المرضى عند بوابة رفح. «مش عايزين حدا يجينا من عندهم. اللي عايز يموت يموت هناك». تسير «الفراعين» (يمتلكها توفيق عكاشة) على نهج موسى. ينهال أحد مذيعي القناة بتهديداته على الغزيين، مخاطباً إياهم: «زي ما إسرائيل أدبتكو، احنا كمان نقدر نأدبكو. إحنا نضرب عشان تحترموا الجزمة المصرية. ساعتها حتبوسوها وتعرفوا قيمة مصر». بعيداً عن السباب والألفاظ السوقيّة، تناسى المذيع أنّ المقاومة الفلسطينية هي من أدّبت الاحتلال، وليس العكس، بعدما نجحت في قصف تل أبيب خلال عدوان «حجارة السجيل»، مرغمةً العدو على الخضوع لشروطها في اتفاق التهدئة (21/11/2012) عبر الوسيط المصري. وبذلك، انطلق المذيع الفذ من أمر مغلوط، ليقع في وحل الاستنتاجات «العبقرية»، المتمثّلة في تقبيل الغزيين «الجزمة» المصرية لو دُكّت أراضيهم!
بدوره، يندفع عمرو أديب صاحب عبارة «الفلسطينيون يستحقون القتل، والخواجة الإسرائيلي سلام يا عمي سلام مربّع» إلى إبداء تعاطفه مع الغزيين بشكل مزّيف، بعدما هدم الجيش المصري الأنفاق وشهدت غزة نقصاً في السولار والبنزين، ما أغرقها في مياه الصرف الصحي. يقول مقدم برنامج «القاهرة اليوم» على فضائية «اليوم»، مع استعراضه صوراً من غزّة: «أدي غزة حاجة تحزن والله. لو كانوا رعوا ربنا فينا، كان فضلوا ياخدوا بنزين وغاز وكل حاجة»، غافلاً أن الأرض ضاقت بالغزيين، فكان اعتمادهم على الأنفاق أمراً اضطرارياً في ظل اكتوائهم بناري الحصارين المصري والإسرائيلي.
أما المذيعة رولا خرسا التي تعمل في «صدى البلد»، فتنسج حكايات خرافية من قبيل «لما هرب 71 حمساوي من وادي النطرون وأبو زعبل، وصلوا غزة بعد ما خدوا كميات مواشي وعربيات». «تجخّ» على الفلسطينيين وتمنّنهم بمساندتها للقضية في وقت من الأوقات. تقول: «ما حدش ساند القضية الفلسطينية قدي، لدرجة إنو الناس كانوا يقولوا عليّ فلسطينية». تقزّم خرسا من مكانة غزة وأهلها بالقول: «دي غزّة أصغر من شبرا، وعدد سكانها مليون ونص، يعني سكان شارع فيصل قدها مرتين». بدورها، تتخصّص أماني الخياط في برنامجها «صباح ON» في استضافة خصوم «حماس» كالناطق باسم «فتح» أحمد عساف، ونائب رئيس نقابة الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر، والمنسّقة الإعلاميّة لحركة «تمرّد غزة» هند العربي. يقول أبو بكر: «حماس تحمي حدود إسرائيل وتحافظ على مصالحها، وتصدّر الإرهابيين إلى سيناء». هكذا، عثرت الخياط على ضالّتها عبر خصم «حماس» المتماهي مع الإعلام والجيش المصريين. باختصار، كان الغزيّون يواجهون إعلام العدو الإسرائيلي، غير أنهم باتوا الآن يواجهون إعلامَين، لكنهما ذوا وجهٍ واحد!
نشرت أيضاً في جريدة "الأخبار"