جماعة أنصار بيت المقدس العاملة في شبه جزيرة سيناء المصرية هي الجماعة الجهادية المصرية الأكثر ظهورا وتحركا منذ ما عرف بثورة يناير 2011 والإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. فلقد تزامن ظهور هذه الجماعة مع سقوط النظام القائم منذ الإطاحة بالحكم الملكي عام 1952. من هي هذه الجماعة وما هي تداعياتها على الساحة المصرية؟
من هي جماعة أنصار بيت المقدس؟
تعتبر جماعة "أنصار بيت المقدس" الأكثر حضورا اليوم على الساحة المصرية، ويعود ذلك إلى عدد من العمليات النوعية التي نسبت إلى الجماعة في الآونة الأخيرة. إلا أن الجماعة حديثة لا بل طارئة على سيناء. فقد تشكل التنظيم في الفترة التي تلت الإطاحة بحكم الرئيس السابق حسني مبارك، وبحسب عدد من الملمين بشؤون سيناء، فإن الجماعة مكونة من خليط من الفلسطينيين الذين وفدوا من غزة ومن مصريين كانوا منضوين تحت لواء ما كان يعرف بجماعة "التوحيد والجهاد" التي تبنت عدة هجمات إرهابية استهدفت السياح الأجانب في سيناء بين عامي 2004 و2006. وكان قد أسسها عام 2001 في العريش، خالد مساعد وهو طبيب أسنان من سيناء.
تعتمد "أنصار بيت المقدس" الفكر السلفي الجهادي، وتعتبر الأقرب من فكر تنظيم القاعدة. لكنه وبالرغم من إشادة أيمن الظواهري، الذي خلف أسامة بن لادن على رأس القاعدة وهو مصري الجنسية، بالجماعة فإنه حتى الساعة لم يتم الاعتراف بها كفرع من فروع القاعدة أو كممثل رسمي لها في مصر. والجماعة كانت مصدر قلق وتشويش على حكم الإخوان المسلمين والرئيس المخلوع محمد مرسي، كما هي اليوم على حكم العسكر المستجد.
وقد أعلنت الجماعة عن نفسها مطلع 2011 عبر تبنيها تفجير أنبوب الغاز الذي يغذي إسرائيل، وقد تم تفجيره عدة مرات. كما أن الجماعة تبنت إطلاق عدة صواريخ نحو الأراضي الإسرائيلية ومدينة إيلات تحديدا.
لكنه بالرغم من وجود روابط حيوية بين فلسطينيين من غزة و"أنصار بيت المقدس"، حيث يشكل الفلسطينيون حوالي 20 بالمئة من المقاتلين، فإنه حتى الساعة لم يتأكد وجود أي ارتباط عضوي أو تنظيمي بين الجماعة المصرية وأية جماعة فلسطينية. وبحسب مصادر أمنية مصرية فإن عديد "أنصار بيت المقدس" لا يتجاوز الـ 150 عنصرا يعملون تحت قيادة شخص اسمه الحركي 'أبو أسامة'.
مناطق الاشتباك مع"أنصار بيت المقدس"
الجماعة فاعلة شمال سيناء وعلى طول الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، ويظن سكان سيناء أن مقاتليها يتخذون من كهوف ما يعرف بجبل الحلال وسط سيناء ملجأ لهم، مستفيدين من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية المكونة لاتفاق "كامب ديفيد" التي تلزم مصر بتواجد عسكري محدود جدا عدة وعديدا. وعماد التنظيم من شباب قبيلتي السواركة والترابين، وتعتبر قرى المقاطعة والمهدية والظهير الخزان البشري لـ"أنصار بيت المقدس".
منذ سبتمبر 2012 شاركت "إسرائيل" في استهداف "أنصار بيت المقدس"، فلقد اتهمها التنظيم باغتيال إبراهيم عويضة، وهو أحد قيادات الجماعة. مستندا إلى اعترافات شخص أقر أنه "عميل للموساد الإسرائيلي وبقيامه بتجنيد شخصين آخرين لتسهيل استهداف عويضة من قبل قوة إسرائيلية تسللت إلى داخل الأراضي المصرية". علما أن عويضة كان من سكان قرية خزيزة وسط سيناء . وفى التاسع من آب/أغسطس من العام الفائت قامت طائرة بدون طيار إسرائيلية باستهداف مجموعة من "أنصار بيت المقدس" فى منطقة العجرا بسيناء لدى إعدادهم صواريخ كانوا ينوون إطلاقها باتجاه الأراضي الإسرائيلية، ما أسفر عن مقتل وجرح عدد منهم.
إلا أن الناطق باسم القوات المسلحة المصرية أكد أن "الجيش المصري هو من قام بالهجوم المذكور وأنه تم بواسطة مروحية مقاتلة من نوع أباتشى". إلا أن الجماعة الجهادية عادت وأكدت مسؤولية إسرائيل متهمة إياها "بالتنسيق مع المخابرات العسكرية المصرية". هذا التصعيد دفع بالقوات المسلحة المصرية إلى قصف قرية التومة الذي أدى إلى سقوط عدد من الضحايا المدنيين وإلى تدمير عدد من المنازل. علما أن هذه المشادة تسببت في اعتقال الصحافي أحمد أبو دراع الذى أكّد على صحة الهجوم الإسرائيلي.
تساؤلات مشروعة حول "أنصار بيت المقدس"
خلافا لما هو متداول ولما يروج له في محاولة للإيحاء أن جماعة الإخوان المسلمين مرتبطة بجماعات سيناء المسلحة ومنها "أنصار بيت المقدس"، فإن العمليات ضد قوات الجيش والأمن لم تتوقف في سيناء مع وصول الرئيس المعزول، محمد مرسي، إلى سدة الحكم. بيد أن العمليات، ولأول مرة منذ زمن، توجهت نحو الداخل المصري بعد إزاحة محمد مرسي من سدة الرئاسة. فتزايدت العمليات ضد قوات الأمن والجيش المصري، إن كان عبر السيارات المفخخة أو التفجيرات الانتحارية أو الهجمات المسلحة. فالتفجير الذي استهدف موكب وزير الداخلية المصري كان تفجيرا انتحاريا من فعل ضابط سابق في القوات المسلحة المصرية.
وجب التنويه أيضا إلى أن "أنصار بيت المقدس" هم جماعة مختلفة عن "أكناف بيت المقدس" العاملة في قطاع غزة الفلسطيني والتي بايعت "الدولة الإسلامية في العراق والشام" منذ أيام، ذلك لأن كثيرين هم من خلطوا عن قصد أو عن غير قصد بين التنظيمين. من ناحية أخرى يتهم مؤيدو جماعة الإخوان المسلمين الأجهزة المصرية "بفبركة جماعة أنصار بيت المقدس لخدمة مصالح الحكم القائم". بالنسبة لهؤلاء "أغلبية الهجمات أهدافا وتوقيتا، منذ تنحي مبارك وحتى يومنا هذا، تصب في مصلحة العسكر". فعندما خطف عدد من الجنود المصريين في رفح وتم إقفال المعبر احتجاجا من قبل زملائهم، أدى ذلك إلى "إحراج الإخوان المسلمين وإلى إضعاف رئاسة محمد مرسي تمهيدا لإزاحته".
ثم عندما قام اللواء عبد الفتاح السيسي والقوات المسلحة معه بالإطاحة بحكم الإخوان،عقب تظاهرات شعبية عملاقة، وبفض اعتصامات القاهرة تزامن ذلك مع قتل لعدد كبير من رجال الشرطة في سيناء، "ما غطى وبل برر القمع" الذي كان يطال الإخوان المسلمين ومؤيديهم على كامل التراب المصري. ذلك بينما تبرر الهجمات التي تضرب سيناء و القاهرة ما تقوم به وما ستقوم به قوات الأمن والأجهزة المصرية من تشديد للقبضة الأمنية وقمع للحريات. والدليل على ذلك يأتي عبر اتهام ومحاكمة عدد من الصحافيين العرب والأجانب بتهم إرهاب.
أخير مثير للريبة، ألا هو الخطأ الذي ورد مرتين في التاريخين الميلادي والهجري، ثم تكرار الخطأ في التاريخ الهجري بعد التصحيح، ذلك في البيان الذي تبنى عملية التفجير التي استهدفت مقر الشرطة قرب متحف الفن الإسلامي في القاهرة. ثم يأتي التبني الأخير لتفجير طابا، ونرى كما العادة تنويها في أسفل البيان ينفي وجود أي موقع أو صفحة للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أننا نفاجأ اليوم بخبر من وكالة رويترز مفاده أن "أنصار بيت المقدس تمهل ومن على موقع تويتر السياح الأجانب حتى 20 فبراير لمغادرة الأراضي المصرية".
كل هذه التناقضات لا تنفي وجود الجماعة ولا تقلل من قوة ودموية ضرباتها، لكنها تدفعنا أن نذكر أنه على سبيل المثال لا الحصر إن حرب الشيشان ضد الجماعات الجهادية هي التي ساعدت بوصول فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في روسيا، كما أن صعود نجم الجماعات الجهادية في سوريا هو الذي يضاعف حظوظ بشار الأسد في رئاسة جديدة وربما بمباركة من يحاربونه اليوم مكرهين. لذا فإنه ليس من المستبعد أن تكون مكافحة الإرهاب "مطية" المشير السيسي إلى كرسي الرئاسة في مصر.
نقلاً عن فرانس 24